قنبلـة رقان 7 مـرات ضعـف قنبلتـي هيروشيـما وناكازاكـي
فرنسـا سرقت سجـل الحالة المدنــية لإخفـاء الجريمـة
أكدت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم أنّ ملف التفجيرات النووية بصحراء الجزائر أصبح معركة قانونية محضة، ومسؤولية فرنسا عن هذه الجريمة وكيفية معالجتها، خاصة وأنّ القضية أخذت منعرجا آخر، بعدما رفع رئيس دولة بولينيزيا التي تضررت هي الأخرى بالإشعاعات النووية أوسكار تيمارو دعوة قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية.
كشفت بن براهم لدى نزولها ضيفا على موقع “ذاكرة الشعب” بمناسبة الذكرى 62 للتفجيرات النووية برقان عن فحوى التقرير الذي أودعه الرئيس البولينزي السابق لدى مكتب وكيل المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي وهو قيد الدراسة، والمذكرة أعدت بشكل جيّد من الناحية العلمية، من حيث تقديم الإحصائيات والخرائط لتطور الأمراض عندهم.
وذكر التقرير أسماء رؤساء فرنسيين المعنيين بهذه الدعوة وهم الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكارديستان، جاك روني شيراك، نيكولا بول ستيفان ساركوزي دي لا غي بوكسا، فرانسوا هولند، والرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون ينقص رئيسين هما فرانسوا ميتران وشارل ديغول، هذا الأخير الذي كان يهلل لتفجير القنبلة.
وأشارت الناشطة الحقوقية أنّها اشتغلت كثيرا على هذا الملف مع أربع محامين اثنين فرنسيين واحد من بولينزيا وهي من الجزائر، فقط جزء يتعلق بالجزائر لم يتم تناوله بعد، لأنّ البولينزيين منظمين في عملهم وحضروا ملفا، قائلة:« ينقصنا التنظيم ولا توجد نية من السلطات لدفع الملف عبر تنظيم اجتماعات رسمية والبحث “.
وأضافت ضيف “ذاكرة الشعب” أنّه عندما استكملت فرنسا تفجيراتها بصحراء الجزائر انتقلت إلى بولينزيا التي أصيب شعبها تقريبا كله بالإشعاعات النووية.
وقالت أيضا:« نحن ننتظر نتيجة هذا الحكم إذا وصلت القضية للمحاكمة سيكون لدينا القانون مثلما حدّدته الحالات السابقة، ويمكننا الاعتماد عليه وإضافته على نفس الملف وندرج الرؤساء الذين كانوا من قبل والمعطيات الجزائرية”.
وأبرزت بن براهم أنّه على المستوى التقني المعطيات هي نفسها، لكن على مستوى الوقائع المعطيات تختلف، وبحسبها فإنّه اليوم يمكننا القول أنّ القضية أوصلت فرنسا إلى قفص الاتهام.
والنقطة الثانية الإيجابية في هذا الملف هو اعتراف بعض الساسة الفرنسيين بأنّه فعلا وقعت تفجيرات في بولينزيا أضرت بالبيئة والإنسان الحيوان والبحر وكل شيء ملوث.
وتحدثت المحامية عن خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 27 جويلية 2021، الذي قال فيه أنّ فرنسا لديها دين تجاه أبنائها، ويقصد هنا الشعب البولينزي لكن الحال ليس بالنسبة للجزائر، كما أنه نظم يومين دراسيين حول التفجيرات النووية في بولينزيا، يومي 1 و2 جوان قبل ذهابه إلى هناك، واصفة ما قام به ماكرون بالتخطيط السياسي كي لا يترك البولينزيين يطالبون باستقلالهم عن فرنسا.
في هذا الصدد، قالت بن براهم إنّ فرنسا خانت أبناءها من المجنّدين في الجيش الفرنسي، الذين أتوا لمساعدة بلدهم وهي قدمت لهم الموت، وهم لا يعلمون شيئا عن هذه التفجيرات النووية والآن هم وأولادهم وأحفادهم مرضى بسبب نتائج الإشعاعات النووية.
في المقابل، أبرزت اعتراف فرنسا بجريمته للمجتمع المدني الجزائري بطريقة غير مباشرة، مذكرة باللقاء الدولي الذي نظمه مرصد نزع السلاح النووي بفرنسا، في 20 جانفي 2014، حيث وجّهت لها دعوة للحضور وإلقاء محاضرة ولأول مرة يسمع صوت الجزائر في البرلمان الفرنسي.
وتقول بن براهم إن ما طمأنها هو حضور وزراء الدفاع لدول آسيا وأمريكا ووزير الدفاع الفرنسي بول كيلس الذي عارض صنع بلاده للقنبلة النووية لأنّه يعرف نتائجها وألف كتابا عنوانه “أوقفوا القنبلة”، إضافة إلى حضور البرلمانيين، الخبراء العلميين ومسؤولي أكبر المجلات العلمية وقد سجلت الجزائر في هذه الندوة بلدا ضحية التفجيرات النووية.
وأكدت أنّ النقاط الأربعة التي تضمّنتها مداخلتها أصبح البرلمان الأوروبي يسير عليها، حيث نظم العام الماضي ندوة حول التفجيرات النووية وقرأ كل هذه النقاط.
وقالت أيضا:« في اللحظة التي كنت ألقي فيها محاضرتي كان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند يتابعها من مكتبه، أربعة أيام فيما بعد هولاند يعترف بأنّ ما جرى في الجزائر ليست تجارب نووية بسيطة، بل تفجيرات نووية فعلية وهذا الإعتراف عنده أهمية كبرى بالنسبة إلينا كباحثين أو قانونيين أو علميين”.
وأضافت أنّه لأول مرة يكون اعتراف سياسي، بما أنّ ما وقع في الجزائر ليس تجارب نووية بل تفجيرات نووية، وحسب المعطيات فإنّ القنبلة التي انفجرت في 13 فيفري 1960 برقان قوتها 70 كيلو طن، في حين قنبلة هيروشيما ونكازاكي 10 كيلو طن، معناه 7 مرات أقوى من قنبلة هيروشيما.
في هذا السياق، أكدت الناشطة الحقوقية أنّه كانت فيه نية واضحة، وهي إبادة ومحو شعب كامل، وهي تجربة على الإنسان، منبهة إلى مسألة مهمة متعلقة باتفاقيات إيفيان، حيث يقول الساسة الفرنسيون أنّ الطرف الجزائري قبل بالقيام بالتفجيرات التي أسموها تجارب إلى نهاية 1966. وأوضحت: “ كل كلمة عند القانوني لديها وزنها وقيمتها ومقياسها، اتفاقيات ايفيان حملت كلمتين تجربة علمية حسب مفهومهم، علما أنّه في 1955 شرعوا في صنع القنبلة النووية واختيار المكان لتفجيرها قبل الحصول على الترخيص ولم يتم إشراك العسكريين “.
وأشارت ضيف “ذاكرة الشعب” إلى أنّه في 1955 أرسلت فرنسا ممثلها إلى الأمم المتحدة يدعى جول موش للتوضيح أنّ فرنسا ترغب في القيام بتجارب في الصحراء الجزائرية في محيط خال من الحياة البشرية أو الحيوانية للحصول على السلاح النووي، وهذا ما جعل الأمم المتحدة تمنحها الترخيص في حين هي أكذوبة سياسية سارت عليها فرنسا إلى غاية 2005.
وأضافت أنّ هذه المعلومة سرية وعسكرية قاموا بتغطيتها بحجة السر العسكري ووضعوا قانون لا يرفع السر العسكري في مثل هذه القضايا إلا بعد سنوات.
لكن بعد انقضاء تاريخ رفع السر العسكري في 2005، عدلوا القوانين لأنّه بعد نهاية المدة هم مجبرين على وضع التقرير في الانترنيت، حيث تحصّلت بن براهم على نسخة منه، قائلة:« الرفع الحقيقي عن بعض الخرائط والوثائق كان في 2014، خلال الندوة بالبرلمان الفرنسي بما في ذلك خريطة السحاب النووي”.
اعتراف فرنسي
وأكدت بن براهم أنّه بعد إطلاعها على الجزء الأول من هذا التقرير وجدت اعتراف فرنسا بأنّ هذه المنطقة كان فيها 40 ألف مواطن جزائري وتقريبا 150 قافلة كانت تجوب المنطقة من افريقيا إلى الشمال للتجارة كل قافلة تضم على الأقل 100 شخص.
ونبّهت لنقطة هي سرقة فرنسا لسجل الحالة المدنية الذي يمكننا من معرفة عدد ضحايا هذه التفجيرات من المدنيين الذين ماتوا في 1960، وذلك كي تخفي جريمتها. وفي 1978 وضعت الجزائر سجلا جديدا للحالة المدنية.
وتطرقت المحامية إلى مسألة وهي إتقان شيوخ المنطقة للغة الفرنسية والحديث بها بطلاقة، قائلة أنّ هذا يعود لوجود فرنسيين في المنطقة رفقة أولادهم وعائلاتهم يشتغلون في المنطقة، وفرنسا لا تتحدث عنهم لأنّها جريمة أخرى في حقّ أبنائها.
وفي المقابل، أشارت إلى أنّ اسرائيل صنعت قنبلتها الذرية في سرية تامة دون أن تخبر أمريكا ولم تطلب الإذن، وعندما تحصلت فرنسا على الترخيص وجدتها فرصة سانحة لتجريب قنبلتها التي استعملت فرنسا تركيبتها لتفجير قنبلة اليربوع الأزرق وبدعم مالي إسرائيلي.
وفي ردها عن سؤال حول مصير هيئة التوعية والدفاع عن حقوق ضحايا التفجيرات، أكدت بن براهم أنّ جمعية 13 فيفري تأسّست ورئيسها النائب الهامل، ومنذ مدة سمعت أنّ والي تمنراست سحب منها الاعتماد بحجة أنها لا تنشط، في حين دور هذه الجمعية هو إحصاء عدد ضحايا التفجيرات بالمنطقة لأنه يوميا تسجل أمراض جديدة وضحايا جدد وتقديمها للمحامين لإضافتها في الملف وتنظيم محاضرات حول التفجيرات لتسليط الضوء على هذه الجريمة.