تجمع آراء العديد من الخبراء والأكاديميّين على ضرورة استحداث آليات مرافقة لعملية استفادة الشباب من منحة البطالة التي أقرّها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ويقترح المتدخّلون في الموضوع رقمنة العملية لمنع غير المعنيّين من الاستفادة منها على حساب البطالين الحقيقيين، وقطع الطريق أمام المتحايلين.
يرى البروفيسور إلياس بن ساسي مدير جامعة غرداية، أنّ استحداث هذه المنحة جاء بموجب قانون المالية لسنة 2022 في المادة 190 منه، وتتوقف فعالية تحقيق الهدف من صرف هذه المنحة إلى فعالية التطبيق الميداني، حيث يجب أن توجّه نقدا لمستحقيها.
ولن يتحقق ذلك، إلاّ من خلال رقمنة العملية بشكل كلي لمنع غير المعنيّين من الحصول عليها على حساب البطالين، مشيرا إلى أنّه رغم تحديد شروط الاستفادة بشكل دقيق، غير أن شفافية العملية لن تتحقق، إلا من خلال بوابة رقمية وعبر نظام آلي مدمج مرتبط بالقطاعات المعنية لتحديد أحقية الاستفادة.
وعن إيجابيات هذا القرار، اعتبر البروفيسور بن ساسي أن هذه المنحة ستساهم في تحسين الظروف الاجتماعية لشريحة هامة من البطالين خصوصا خريجي الجامعات ومعاهد التكوين، بالإضافة إلى تخفيف أعباء البحث عن عمل قار، من خلال ضمان تلبية الحاجات الأساسية للبطال الباحث عن العمل.
أما أبرز التحديات التي سيفرضها صرف المنحة للشباب البطال، فهو احتمالية تثبيط شريحة معيّنة من البحث جديا عن عمل، لا سيما لدى فئة الإناث واستفادة العاملين في القطاع الموازي من هذه المنحة، الأمر الذي قد يؤدي إلى عدم تحقيق العدالة في الاستفادة، هذا عدا الاعتمادات المالية المخصّصة، والتي ستتزايد بتزايد نسبة البطالة، وقد تؤدي إلى تفاقم الوضع في حال عدم تحسن الوضعية المالية.
ومن خلال هذه الرؤية، قدّم البروفيسور إلياس بن ساسي بعض التوصيات الهامة، من أجل فعالية أكبر في التطبيق الميداني لصرف منحة البطالة، حيث ذكر بأن هذه العملية يجب أن تترافق مع توجيه الشباب البطال نحو المبادرة الاقتصادية، من خلال إنشاء مؤسسات مصغرة، وعدم الاتكال فقط على الوظيفة العمومية، مؤكدا على أهمية الصرامة في التطبيق والصرف اعتمادا على الرقمنة والعقوبات القانونية.
ويبقى أنّ هذه المنحة حسبما أشار إليه المتحدث، خطوة تتوافق مع التوجه الاجتماعي للدولة الجزائرية الوارد في بيان أول نوفمبر 1954 والمتعلق بضمان الدولة للعيش الكريم للمواطنين وتحقيق رعاية اجتماعية، تخفف من أعباء انعدام الدخل، خصوصا لدى فئة الشباب من حملة الشهادات والكفاءات المهنية العالية، مضيفا أن تحريك عجلة الاقتصاد خارج قطاع المحروقات، يبقى السبيل الكفيل بامتصاص البطالة، والتقليل من الاعتمادات المخصصة لفئة البطالين في انتظار حصولهم على عمل قار.
وضـع لتسيـير فعّال
في نفس سياق الموضوع، قال الخبير الاقتصادي إسحاق خرشي في حديث جمعه بـ «الشعب»، إنّ قرار منحة البطالة جاء في وقته، لأن العديد من الأفراد فقدوا مناصب عملهم في المؤسسات وفي المصانع وغيرها بسبب الجائحة، وهذا المشكل لم يمس الجزائر فحسب، وإنما العالم ككل.
وأفاد بأنّ الدولة عندما تقرر دعم الشباب بمنحة للبطالة، فهي تساعدهم من ناحية اجتماعية واقتصادية لصناعة قيمة اجتماعية وقيمة اقتصادية، وهذا لأن منح الشاب منحة بطالة والتي هي عبارة عن دخل صغير، فهذا نوع من خلق القدرة الشرائية والتشجيع على الاستهلاك.
وأوضح هنا أنه ولو كان المبلغ بسيطا، إلا أن الشباب عندما يستخدم هذه الأموال، يستهلك ويشتري بعض المواد من عند المحلات التي يتم تموينها من طرف تجار الجملة وتجار الجملة يطلبونها من المصانع والمصانع تشتغل، وبالتالي تحرك الطلب، لذلك للمنحة أهمية كبيرة من الناحية الاقتصادية، من خلال خلق الطلب ومن ناحية اجتماعية هي حدث اجتماعي.
وأشار الدكتور إسحاق خرشي إلى أنّ هذه الأموال المخصّصة لمنحة البطالة كانت ضمن قانون المالية، الذي كانت فيه النفقات المتوقعة في حدود 73 مليار دولار في ميزانية 2022 والإيرادات المتوقعة 42 إلى 43 مليار دولار، بمعنى أن لدينا عجز بقيمة 30 مليار دولار.
وقال «إذا طرحنا السّؤال حول كيفية تخصيص منحة بطالة للشباب، في حين تعاني الميزانية عجزا، مما يساهم في تعميق هذا العجز، فالعجز في اعتقادي ليس بالأمر الخطير في الميزانية، لأنّ معظم الدول الكبرى لديها عجز والأخطر هو انخفاض القدرة الشرائية، وبالتالي فإنّ صرف منحة بطالة للشباب تشجيع للطلب، وعندما يكون هناك طلب فالعجلة الاقتصادية في تحرّك».
وبغض النظر عن العجز في الميزانية، فإن المخاوف المطروحة من ناحية اقتصادية والتي عبّر عنها العديد من الخبراء والأكاديميين تتعلق بما يقابل كل الأموال المضخة في السوق من إنتاجية، حيث يعتبرون أنّ حجم الأموال المتداولة في السوق سيكون كبيرا في مقابل غياب للإنتاج، أي أنّ الطلب في السوق سيرتفع وبالتالي لما يرتفع الطلب ترتفع الأسعار، ذلك أن كل الأموال التي تقدّم للشباب وتدفع للموظفين أو أي رفع للأجور يجب أن يقابلها إنتاج.
لكن بالرغم من منحة البطالة ومن الكتلة النقدية التي ستكون متداولة في السوق، إلا أن الأسعار لن ترتفع حسبما أكّده الدكتور خرشي لوجود إنتاج في السوق الموازي، فالسوق الموازي ينتج في الجزائر ويغطي مالا ينتجه هذا الشاب البطال الذي صرفت له منحة، وهذا من بين إيجابيات السوق الموازي، مما يعني أننا حتى لما نمنح منحة بطالة للشباب بدون مقابل إنتاجي، فالأسعار لن ترتفع وإذا ارتفعت الأسعار فلأسباب أخرى.
واعتبر المتحدّث أن لهذا القرار أثر إيجابي، فالعديد من الشباب ثمّنوا هذا القرار وهم بانتظار التطبيق، وحديث الساعة الآن بين الشباب كيف؟ متى؟ وما هي الوثائق المطلوبة؟ مشيرا إلى أنّ هذه المنحة تبقى أفضل من لاشيء، بحيث يمكن للشباب الاستفادة من منحة البطالة، والبحث في نفس الوقت عن فرص للعمل.
ومن جهة أخرى، فإن الدولة مطالبة بوضع الميكانيزمات اللازمة، من أجل تفادي وقوع أي أخطاء في عملية تسيير هذا الملف وحتى لا يكون فيه تحايل، وبهذا الصد، ذكر محدّثنا أنّ العديد من العاملين في القطاع الخاص مؤخرا، بدأوا بإلغاء اشتراكات الضمان الاجتماعي حتى يمكنهم الاستفادة من منحة البطالة وليصبحوا بذلك يتقاضون أجرتين، أجرة مقابل عملهم في القطاع الخاص وهم غير مؤمنين ومنحة عن البطالة في نفس الوقت.
الأمر نفسه يضيف بالنسبة للباعة المتجولين أو كل من ليس لديه اشتراكات في الضمان الاجتماعي وهو ينشط في السوق الموازي، ويستطيع أيضا الحصول على منحة البطالة، لأن من بين أهم شروطها، ألا يكون المستفيد عاملا وبالتالي تصبح لديه أجرتين وهو يزاحم البطال الحقيقي.
لذلك، لا بد من ميكانيزمات لغلق كل المنافذ على من يريد التحايل، لتفادي اكتشاف عمليات تزوير ومتابعة قضائية للمتورطين فيما بعد تدخلنا في مشاكل أخرى، الأمر في حاجة إلى تدابير وقائية من أجل عدم تضييع الوقت والمال والجهد من ناحية اقتصادية، هذا أمر يضر الاقتصاد، لذلك يجب التركيز على ضرورة وضع آليات وعمل رقابي حتى يستفيد من منحة البطالة الذين هم في حاجة فعلية لها، وفي نفس الوقت دعا فئة الشباب إلى ضرورة التحلي بالوعي والمسؤولية لتفادي تعرضهم لمتابعات قضائية، بسبب هذا النوع من عمليات التحايل.