أضحت أشجار غابة جامعة العلوم و التكنولوجيا «محمد بوضياف» لوهران في حالة متدهورة بسبب حشرات النغف الطفيلية التي تهدد هذا الفضاء الغابي، الذي يتربّع على مساحة ثمانية هكتارات بالزوال ما لم تتّخذ إجراءات استعجالية لإنقاذه.
يعتبر النغف من أخطر الحشرات الطفيلية على الغابات، إذ أنّه يتسبّب في جفاف الشجرة وموتها في بضع أسابيع، لينتقل الى شجرة أخرى بشكل متواصل ما لم يتم التدخل لقطع الأشجار المصابة وإبعادها.
فحالة هذه الغابة المتواجدة داخل الحرم الجامعي جد مزرية، حيث تتجلى بوضوح الأضرار التي تخلّفها طفيليات النغف على أشجار الصنوبر الحلبي، التي أصبحت العشرات منها جافة وعارية، لا وجود للحياة فيها. كما يلاحظ سقوط بعضها بعد أن نخرت هذه الحشرات جذعها، فلم يعد يتحمّل وزن الأغصان.
وتمّ وسم الكثير من الأشجار بعلامة من الطلاء الأسود، حيث أشار رئيس جمعية «شفيع الله» للبيئة والطيور، شفيع الله بن معمر الذي رافق الفريق الصحفي لـ «وأج» في زيارة إلى الغابة أنّها «أشجار ميّتة يتوجّب قطعها».
وكان رئيس الجمعية أوّل من اكتشف إصابة أشجار غابة جامعة العلوم والتكنولوجيا «محمد بوضياف» لوهران بهذه الطفيليات في أكتوبر 2020، حيث كان في طريقه لحضور اجتماع مع مسؤولي الجامعة، حين استوقفه طائر الهدهد على أحد الأغصان فتتبعه، وتغلغل في الغابة ليكتشف الكارثة.
في أكتوبر 2020، عند اكتشاف الإصابة لم تأتي حشرات النغف سوى على 20 إلى 30 بالمائة من أشجار غابة الجامعة حسب شفيع الله بن معمر، الذي أشار إلى أنّ سنة من بعد امتدت الطفيليات لتصل نسبة الإصابة إلى 60 بالمائة من هذه المساحة الغابية التي كانت بمثابة الرئة التي تنفس عن المناطق المجاورة. ولا يخفي نفس المتحدث قلقه حيال مستقبل هذه الغابة التي قد تموت أشجارها تباعا ما لم يوجد حل في القريب العاجل.
وتواصل الطفيليات زحفها، لتقتل كل الأشجار التي تأتي في طريقها، ولا يوجد حل أخر غير قطع الأشجار وإبعادها لإيقاف انتشار الحشرات إلى باقي الأشجار.
مبادرات عديدة بدون نتائج مرجوّة
تمّ تنظيم حملة قطع وحيدة للأشجار المصابة في ديسمبر 2021، مسّت ما يقارب 120 شجرة، لا تزال ملقاة على طرف الغابة حسبما لوحظ.
وتحاول جمعية «شفيع الله» والسلطات المحلية تنظيم بعض المبادرات لإنقاذ الغابة، غير أنها تبقى غير كافية، حيث تمّ تشكيل لجنة تضم محافظة الغابات ومديرية البيئة والنادي الأخضر لجامعة العلوم والتكنولوجيا لمتابعة تطور الأوضاع.
وأكّدت نائبة مدير جامعة العلوم والتكنولوجيا «محمد بوضياف» لوهران، نعيمة ميغوفال، أنّ اللجنة قامت بتحضير مخطط عمل حيث يفترض قطع كل الأشجار الميتة والمريضة، ثم إعادة تشجير المساحات العارية. كما نظّمت اللجنة حملة لتنظيف الغابة.
امكانيات قطع الأشجار المصابة غير متوفّرة
لقطع 60 بالمائة من أشجار هذه الغابة، يتعين توفير إمكانيات مادية وبشرية هامة. وقد حدت الأزمة الصحية للكوفيد-19 من توفر المتطوعين، إضافة إلى أنّ لجنة المتابعة لا تحوز سوى على منشارين آليين اثنين، لا يكفيان لقطع هذا العدد الكبير من الأشجار.
وأشارت ميغوفال إلى أنّ الجامعة أبرمت اتفاقية مع مؤسسة تسيير مراكز الردم التقني لوهران من أجل نقل الأشجار المقطوعة متى أتاحت الفرصة حسب توفّر شاحناتها.
وأكّد رئيس جمعية «شفيع الله»، أنّ حملة قطع الأشجار وحل المشكل نهائيا يستلزم زهاء عشرة مناشير آلية وعشرة شاحنات لنقل الأشجار المقطوعة، إضافة إلى تجنيد أكبر عدد من المتطوعين.
وبخصوص دور محافظة الغابات المختصة في هذا النوع من التدخلات، فقد أوضح مسؤول قسم حماية النباتات والحيوانات بهذه الهيئة محمد شامي أنّ غابة جامعة العلوم والتكنولوجيا «محمد بوضياف» لوهران هي غابة حضرية لا تدخل في صلاحيات محافظة الغابات، حيث يتعين إصدار قرار ولائي يسمح لها بالتدخل في هذا الموقع.
ويكفي نقر كلمة «نغف» في أحد محركات البحث عبر الأنترنيت، لإدراك أن هذه الطفيليات ظاهرة تضرب العديد من البلدان المتوسطية في السنوات الأخيرة. غابات في فرنسا والتشيك وألمانيا، على سبيل المثال لا الحصر، اجتاحتها حشرات النغف وأتت على أشجارها.
ويرجح الأخصائيون الأوربيون الانتشار الكبير لهذه الطفيليات في السنوات الأخيرة إلى الاحتباس الحراري.
وظهرت بولاية وهران، حشرات النغف في العديد من المساحات الغابية حسب محمد شامي الذي أفاد أن تواجد الحشرة سجل في غابة الأسود وغابات طفراوي وأرزيو، (بدرجة أخف من غابة جامعة العلوم والتكنولوجيا «محمد بوضياف» لوهران)، ممّا استوجب تدخل محافظة الغابات.
وأبرز أنّ «العديد من مناطق البلاد سجلت ظاهرة اجتياح النغف للمساحات الغابية، تدخلت فيها محافظة الغابات لقطع الأشجار».
وتغطي أشجار الصنوبر الحلبي 90 بالمائة من مساحة غابة جامعة العلوم والتكنولوجيا «محمد بوضياف» لوهران. أما الـ 10 بالمائة الباقية فهي مزيج من أشجار الزيتون البري والخروب والعرعار والثويا. وقد تمّ إحصاء ما لا يقل عن 50 صنفا من الطيور اتخذت من هذا الفضاء الطبيعي مسكنا لها على غرار الحجل والشحرور الأخضر والهدهد.
وتعتبر حشرات النغف من أخطر الطفيليات على الغابات، إذ أنّها تسكن تحت لحاء الشجرة، مما يعيق تدفق النسغ، وبالتالي جفاف الشجرة وموتها، حسب شروحات شامي، الذي أبرز أنّ بضعة أسابيع قد تكفي للقضاء على شجرة.