- تطوير أجهزة مجابهة الجائحة دليل على أنّنا في الطّريق الصّحيح
يرفض المدير العام لمركز البحث في التكنولوجيات الصناعية البروفيسور رياض باجي، الطرح القائل إنّ الباحث الجزائري تنقصه الكفاءة والأفكار، موضّحا أنّ ما يحتاجه هو مزيد من “الثّقة” في أفكاره ومنتوجه العلمي، وحينها “سنرى الخير يأتي من كل مكان”.
يعتقد البروفيسور باجي، أنّ الميكانيزمات المشجّعة على البحث العلمي والابتكار موجودة وكافية لنشاط الطلبة والأساتذة الباحثين، لكن الشيء الذي ينبغي تثمينه مثلما قال في حديثه لـ “الشعب” هو “منح المزيد من الثقة للباحث الجزائري، لأنّه ليس ناقصا كفاءة وخبرة وأفكار، بل يحمل أفكار ومشاريع هامة، فقط تحتاج إلى الثقة فيها وسنرى كيف يأتي الخير من كل مكان”.
ويعارض الطرح الذي يقول إنّ الطلبة لا يملكون أفكارا، وقال “لا أتفق مع هذا الطرح، لأنّنا لاحظنا العكس في السنوات الأخيرة، وهناك الكثير من الأفكار الرائدة في عدة تخصصات ولمسنا ذلك من خلال التظاهرات، ولنتأكّد من ذلك يكفي أن ننظم مسابقة صغيرة على شاكلة أحسن فكرة أو اختراع، وسنرى العديد من الأفكار والمشاريع الرائعة التي سيتم اقتراحها من طرف الطلبة”.
ويرى المسؤول، أنّ الإشكال ليس في غياب الأفكار والمشاريع، بل قد يكون في غياب بعض الاجراءات التقنية التي تسهّل للطالب أن ينتقل بمشروعه من مرحلة الفكرة إلى مرحلة التجسيد، وهو الدور الرئيسي المنتظر من إنشاء الحاضنات، مشيرا إلى أنّ وزارة التعليم العالي تعمل بوتيرة متسارعة لإنشائها عبر كثير من الجامعات، إضافة إلى مراكز البحث التي تهدف مثلما ذكر إلى “اصطياد هذه الأفكار، واستقطاب الطالب لتجسيد مشروعه، وفق ميكانيزمات المرافقة والمتابعة المعروفة لدى مسيّري الجامعات ومراكز البحث، يكفي فقط أن يتقدّم الطالب بفكرته للحاضنة، حتى يجسّد مشروعه”.
وتحصي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، 29 مركز بحث، و45 وحدة بحث، و1600 مختبر داخل الجامعات بمختلف التخصصات، ووكالات موضوعاتية للبحث، من بينها وكالة تثمين نتائج البحث العلمي والتطور التكنولوجي، وتستقطب هذه الشبكة قدرات علمية بشرية تقدر بـ 1900 باحث دائم و39 ألف أستاذ باحث في مختلف التخصصات.
ويعد مركز البحث في التكنولوجيات الصناعية، واحدا من مراكز البحث التي يعتمد عليها لمرافقة القطاع الصناعي، مثال قال المدير العام للمركز، وهو مؤسسة عمومية ذات طابع علمي وتكنولوجي تهتم بتطوير ووضع برامج بحث علمي وتكنولوجي ذات علاقة بمختلف الميادين المتعلقة بالتكنولوجيات الصناعية، من بين مهامه الرئيسية وضع برامج تطويرية، ومرافقة القطاع الصناعي من حيث التكوين التأهيلي، الرّسكلة، دراسة الخبرة، وغيرها، وذلك بغية المساعدة في حل المشاكل العالقة التي يعاني منها هذا القطاع، والتي من شأنها أن تدفع عجلة التنمية إلى الأمام.
إلى جانب البرامج التطويرية، يقوم المركز من خلال المشاريع ومراكز البحث التي يضعها وتعتمده هيئاته العلمية التابعة للمركز، باقتراح مواضيع، بالسنبة للطلبة الدكتوراه، ويقترح مواضيع بالنسبة لطلبة نهاية الدراسة في مختلف التخصصات كالميكانيك، الإلكترونيك، الكيمياء، علم الطيران، تنهي غالبا مثلما ذكر البروفيسور باجي بـ “منتوج بحث علمي ملموس”، كما يقوم المركز أيضا من خلال حاضنته التكنولوجية ببوسماعيل بمرافقة الطلبة ذوي الأفكار النابغة والمشاريع ذات القيمة المضافة، من أجل تجسيد مشاريعهم العلمية، وإنشاء مؤسّسات ناشئة.
ويحصي المركز عدّة نماذج مشاريع منها مشروع طالب من جامعة المدية أنجز طابعة ثلاثية الأبعاد، تمّ التكفل بمشروعه في إطار البرنامج العام الذي أطلقته المديرية العام للبحث العلمي والتطور التكنولوجي، وانتهى المشروع بصناعة الطابعة وهي الآن تشتغل، وتستمر مرافقة المركز للطالب من أجل إنشاء مؤسسة ناشئة تشتغل في هذا المجال، ستنطلق في النشاط عما قريب، بعد الحصول على براءة الاختراع واستكمال كافة الإجراءات الإدارية.
تكوين تأهيلي وتصنيع للآلات الصّناعية
يوضّح البروفيسور باجي، أن تدخل المركز ليس بطريقة مباشرة في المنتوج، وإنما عبر محورين، أولا مع الصناعيين، والمؤسسات الإقتصادية من خلال القيام بالتكوين التأهيلي وتشمل الموارد البشرية للمؤسسة، التكوين التأهيلي، وهذا شيء مهم لأن التكنولوجية في تطور مستمر والعامل والتقني والمهندس يحتاجون دائما لهذا التأهيل، ولدينا تجربة رائدة ومجموعة من الاتفاقيات أمضيت مع الصناعيين مؤسّسات وطنية وخاصة، منها مؤسسات فرعية سوناطراك، مؤسّسات تشتغل في الحديد والصلب وغيرها.
أمّا المحور الثاني، فيرتكز على تصنيع نماذج آلات صناعية يقترحها المركز على الشركاء الصناعيين من أجل إنتاج هذا الآلات وتسويقها في السوق الوطنية، وهذه تمكّننا من إيجاد منتوج صناعي وطني قادم من البحث العلمي، وفي هذا الصدد تمكّن باحثون على مستوى المركز من تصميم وصناعة آلة رافعة اتوماتيكية، على مستوى المخبر بطول 6 أمتار، وأمضينا اتفاقية مع مؤسسة “فيروفيال” المتواجدة بعنابة لتصنيع هذا النموذج بالأبعاد الحقيقية، وتمّ عرضه في معرض الإنتاج الوطني.
وبخصوص إجراءات الحصول على براءة الاختراع التي يرى الطلبة أنّها عائق يؤخّر تجسيد مشاريعهم في آجالها، ويحول دون مواكبتها التطورات العلمية المتسارعة، فأوضح البروفيسور باجي، أنّ الإشكال مطروح عند مرحلة دراسة المشروع الذي يستغرق وقتا طويلا، وهذا الأمر يتجاوز الجامعة أو مراكز البحث، لأن الهيئة المخولة في الجزائر لمنح براءات الاختراع هي المعهد الوطني للملكية الفكرية الصناعية، وهو تحت وصاية وزارة الصناعة.
منتوج البحث العلمي “مفخرة”
يدافع البروفيسور باجي، عن مساهمة البحث العلمي في الاقتصاد الوطني، ويقول إنّه قدّم “منتجات صناعية مفخرة”، حيث انتقل في السّنوات الأخيرة من الطابع النظري إلى التطبيقي، وأصبحت معظم الأبحاث التي ينجزها الطلبة خاصة في الشعب العلمية مثل الميكانيك، الإلكترونيك، الإعلام الآلي، الهندسة الكيميائية البيولوجيا، تقدم حلول لها علاقة بالواقع الاقتصادي والصناعي، والتكنولوجي، ربما “الجسور بين القطاع الاقتصادي والجامعة لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب” مثلما قال، عكس البحوث العلمية التي تنبئ حسبه بخير “لأنّه رأينا من خلال المعارض والتظاهرات وأطروحات الدكتوراه، منتوجات نوعية للبحث العلمي، نعتبرها مفخرة، ويكفي أن نتذكر ما حدث بعد انتشار الجائحة التي فاجأت العالم والجزائر على حد سواء، دول كبرى اشتكت نقص الوسائل، وعجزت عن توفير الكمامات، وفي الجزائر تم مجابهة الوضع واستدراك النقص، بصناعة محلية للكمامات، والهلام المطهر، وانطلقت عجلة التطوير وأصبحت متوفرة في السوق الوطنية، كما نجح باحثون في تطوير أجهزة التنفس الصناعي، وأجهزة التعقيم بالأوزون، أجهزة أتوماتيكية لتعقيم اليدين، وهذا خير دليل على أنّ البحث العلمي يمشي في الطريق الصحيح”.