يؤكد الخبير المالي لدى البنك الدولي امحمد حميطوش، أن أرباح الجزائر الناجمة عن انتعاش سوق الغاز خلال الثلاثي الأوّل من سنة 2022، سترتفع بنحو 30٪ مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. مبرزا أن سعر البرميل من النفط في السوق العالمية، سيصل على المدى المتوسط (خلال الصيف المقبل) إلى حدود 150 دولار، بسبب التعافي العالمي التدريجي من الوباء، وزيادة الطلب من قبل الدول المتقدمة لتحقيق الزيادة في النمو.
^^«الشعب”: ارتفعت أسعار الغاز في دول الاتحاد الأوروبي بشكل كبير مؤخرا، وباتت أعلى بعشر مرات مقارنة بالعام الماضي، فما هي أسباب هذه الزيادة؟
^ امحمد حميطوش: إنّ ارتفاع أسعار الغاز له مؤشران؛ أولا، ما تعلق بالسبب الظرفي وهو موجة البرد التي تجتاح أمريكا الشمالية وكندا وهي موجة جعلت الطلب على الغاز يزداد كثيرا، وسببه وزارة الطاقة الأمريكية، التي تقدم إحصائيات حول احتياطات الغاز أسبوعيا كل أربعاء وكل خميس، بالنظر إلى انخفاض الاحتياطات التجارية في أمريكا، مما جعل الطلب يرتفع، فضلا عن ارتباط الأمر بالغاز الصخري في أمريكا، الذي لم يعد معتمدا من طرف الشركات هناك، بالنظر إلى تكلفته ومردوديته. فالشركات العاملة بالغاز الصخري، ولمّا انخفض سعره إلى أقل من واحد دولار، واصلت البحث عن العقود، في انتظار ارتفاع الأسعار، الذي لم يحصل منذ 8 سنوات، حيث أصبحت العديد منها في هذه الأحواض مُثقلة بالديون، وبالتالي فقد أفلس العديد من تلك الشركات. وبالتالي، فإنّ الشركات العاملة بالغاز الصخري أصبحت تعتمد في المستقبل على المردودية أكثر من السيولة المالية أو العوائد المالية، وتراهن على الأمد الطويل عوض المدى القصير، وهو ما جعل إنتاج الغاز الصخري يتميز بوتيرة كبيرة في الولايات الأمريكية المتحدة.
أما الظرف الثاني، فهو متعلق بالجانب الجيوسياسي، نظرا للتوتر الحاصل بين روسيا وأوكرانيا، حيث تمخض عنه بروز العديد من الاحتمالات، أهمها أن الإتحاد الأوروبي يقرر عقوبات بعدم شراء الغاز الروسي كعقوبة تجارية، وهذا ما اعتبر مخاطرة كبيرة فيما يخص التموين بالغاز، لهذا يتمّ البحث عن بدائل لروسيا، وتتمثل في قطر، الجزائر والنرويج، وهي التي لم تقدم الضمانات الكافية بالنسبة لها، حيث أن قطر كبديل بالنسبة للغاز السائل، أما الغاز الطبيعي للجزائر أو النرويج، ولحدّ الآن فإنّ أوروبا ليس لها الضمانات الكافية. ولعدم اليقين في عدم التوافق بين العرض والطلب، فإنّ الضغط يُبقي على الأسعار ما جعلها ترتفع وتبقى “تتموج” في حدود معينة إلى غاية نهاية شهر فيفري الجاري.
^^ لماذا نهاية فيفري الجاري؟
^ هناك حسابات ومعطيات حالية تُبقي الأسعار على حالها مرتفعة، لغاية نهاية الشهر الجاري. علما أن هذا الارتفاع في الأسعار سُجّل بالرغم من ارتفاع أسعار الدولار الأمريكي، حيث من المفترض انخفاض الأسعار مع ارتفاع عملة الدولار.
ماهو حظ الجزائر من انتعاش الإنتاج الوطني من الغاز والنفط؟
نحن اليوم نبقى محافظين على الكمية، حيث أن العائدات الجزائرية بالنسبة للثلاثي الأول من السنة الجارية، ستعرف ارتفاعا بالمقارنة مع السنة الماضية، لنفس الفترة بحوالي 30٪.
أما قضية حظ الجزائر من الانتعاش في الإنتاج الوطني من الغاز والنفط على ضوء الأزمة الأوروبية الحاصلة، فنستطيع القول إن الجزائر تراهن في استراتيجيتها على العقود طويلة الأجل، حيث أنّ العامل الأساسي يتعلق بكل من الكمية والسعر، في وقت أن ما يهمنا هو تأمين المداخيل وعدم المخاطرة، كما نشهد عدم استقرار في الأسعار التي تنخفض مرّة وترتفع أخرى. وحتى لا ندخل في دوامة انخفاض وارتفاع الأسعار، فقد حددت الجزائر السعر التوافقي لصالح الشركة النفطية “سوناطراك”.
وبما أن الجزائر تراهن على العقود طويلة الأجل، فإن الاستثمارات الخاصة بالإنتاج والصيانة موجهة على العموم لضمان هذا الإنتاج، وبالتالي فإن أيّ طلب للزيادة في حصص الإنتاج، أو في حصص تمويل أوروبا، فإن سوناطراك لا يمكن أن تستجيب له، لأن استراتيجيتها مبنية على الأمد الطويل والاستجابة لم يتم التوافق عليها. علما أنّ الجزائر تموّل أوروبا بحوالي 14 إلى 15٪ من الغاز، في حين طالبت أوروبا الجزائر برفع حصتها إلى 20٪ حتى 25٪ للخروج من النفوذ الروسي، ولكن الجزائر لا تريد الزيادة في الكمية، نظرا لأنها تعتمد على العقود طويلة الأجل.
^^ يعني، يُفهم من كلامكم أنّ الجزائر لن تستفيد من الانتعاش الحاصل في أسعار الغاز؟
^ من الناحية الكمية لن نستفيد، لعدم وجود قدرات إنتاج. لكن نستفيد من ناحية الأسعار المرتفعة، حيث نتمكن من رفع المداخيل بـ30٪ مقارنة مع السنة الماضية.
^^ ما هي انعكاسات هذا الانتعاش على الاستثمار في الجزائر؟
^ لا يخفى عليكم أنّ الغاز يستعمل في صناعة مواد أخرى، وهي مشتقاته، مثل الأسمدة المستعملة في الفلاحة، وكثير من الشركات التي تعمل في المجال، حيث أنّ سعرها بالنسبة للمورّد شركة سوناطراك، يجعل الشركات ترفع في منتجاتها الموجهة للتصدير، وحتما سترتفع الأسعار، وتعتبر مداخيل إضافية أيضا بالعملة الصعبة.
^^ في رأيكم، ما مدى مساهمة قرارات “أوبك” في ارتفاع الأسعار؟
^ فيما يتعلق بالنفط، فإنّ منظمة “أوبك” وحلفاؤها قد اتفقوا -في ديسمبر الماضي- على التمسك بسياستهم الحالية المتمثلة في الزيادات الشهرية بإنتاج النفط، بمقدار 400 ألف برميل يوميا. لكن في الواقع أن أعضاء المنظمة لم يلتزموا بالزيادة في الإنتاج، بالنظر لعدم وجود طاقات إنتاجية أكثر، حيث تعتبر هذه الزيادة بمثابة تعويض لإنتاج ليبيا، التي تعاني من مشاكل في أحواضها النفطية، وبالتالي فإن الكمية المنتجة اليوم تقلصت الى النصف، وكل شيء متروك لاجتماع منظمة “أوبك” القادم، الذي سيقدم حوصلة ويقرر تحقيقها.
لكن في الحقيقة، فإن منظمة الدول المصدرة للنفط خلال السنة الحالية، لها قدرة حقيقية على زيادة الإنتاج بمليونين ونصف مليون برميل يوميا، مع العلم أن هذه القدرة ليست المتوفرة في الظرف القصير، لأن الإنتاج اليومي العالمي ولأول مرة يتجاوز 100 مليون برميل يوميا، وبالتالي فإن هذه الزيادة تتطلب زيادة في الإنتاج تصل إلى مليونين ونصف مليون برميل يوميا، في وقت تكلمت منظمة “أوبك” عن قدرة إنتاج تصل إلى أربعة ملايين برميل.
لكن في اعتقادي، فإنّ الواقع غير ذلك، حيث تشير المعطيات إلى مليونين ونصف مليون برميل يوميا. لكن السؤال المطروح، من هي الدول المنضوية تحت لواء “أوبك” وحلفائها من لها القدرة على الزيادة في الإنتاج، من غير المملكة العربية السعودية، أما البلدان الأخرى بنسب متفاوتة. دون نسيان متغيّر آخر غير معروف وهو الصين التي غيّرت أنموذج نموّها، معناه السؤال المطروح هو، هل سترفع بكين من طلباتها أو تثبت على الطلب الحالي بالنظر لتغيير أنموذجها.
^^ في خضم كل هذه المعطيات، كيف تتوقع تطورات السوق النفطية على الأمد القصير، المتوسط والطويل؟
^ نظرا لكل الظروف والمعطيات المتوفرة حاليا، فإننا نتوقع في الثلاثي الأول من السنة الجارية، ارتفاع سعر برميل النفط إلى 100 دولار، قبل نهاية شهر مارس الداخل. أما على المدى المتوسط، ولغاية شهري جويلية وأوت، سيرتفع سعر البرميل من البترول لأكثر من 150 دولار، نظرا لأنه وفي أوروبا عام قبل كورونا، أي خلال سنة 2019، كان الحديث عن نسبة نموّ هناك لا تصل 1٪، بينما اليوم وفي إطار التوجه نحو التعافي من الأزمة الصحية العالمية، فإن أوربا باتت تتكلم عن تحقيق نسبة نموّ تصل 7٪.
بالمقابل، عرفت أمريكا، خلال السنة الماضية، نسبة نموّ وصلت إلى 7٪، بينما تراجعت هذه السنة إلى 4,5٪.
أما قارة إفريقيا، فمعظم دولها تتكلم عن نسبة نمو تتراوح بين 6 إلى 7٪، معناه أن هذا النمو يقابله استعمال الطاقة، وسيفوق الطلب العالمي، لأول مرة، إنتاج 100 مليون برميل يوميا.
لذلك، ومن اليوم ولغاية خمس سنوات مقبلة، سندخل في أزمة بترول، بسبب تزايد الطلب بكثرة، يقابله تراجع في عمليات البحث والاستكشاف بالنسبة للشركات العالمية خلال العشر سنوات الماضية، حيث انخفضت استثماراتها في الأبحاث والاستكشاف إلى النصف، بعدما كانت تستثمر سنويا حوالي 750 مليار دولار في الاستكشاف، خفّضت العملية اليوم إلى 438 مليار دولار. فالطلب العالمي الذي ارتفع ثم توقّف بسبب فترة الكوفيد، فحتما أنه لما يعود مع عودة الطلب، فإنّ الشركات البترولية تصبح ليس لها القدرة على تلبية الطلب الكبير، حيث أن كل الشركات النفطية اليوم تتوجه نحو الإنتاج الأقصى، منها شركة سوناطراك التي تعطي كل قدراتها.