على مقربة من انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، المقررة السبت المقبل، تواجه التشكيلات الحزبية أزمة حقيقية بعدما فقدت بريقها، ممّا انعكس سلبا على الأداء، ومن غير تكثيف العمل خلال المواعيد الانتخابية، ثمّ الدخول في ركود وتراجع في الأداء، حسب تفسيرات مختصين في المجال، يتساءل كثيرون عما هي مشكلة الأحزاب ولماذا هذا الركود؟
يعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائرعبد الحق بن سعدي، أنّ الفتور الحزبي اليوم، هو محصلة منتظرة بعدما أصبح أغلب هذه الأخيرة هياكل بدون روح، أفرغت من محتوى النضال، ما زاد من اتّساع الهوة بين المواطن والأحزاب ما جعلها تُتهم على أنّها حوّلت مقراتها إلى «محل تجاري» فقط.
كما يعتقد سعدي، أنّ هناك تراجع في الأداء الحزبي، وهو نتيجة تراكمات عقود سابقة.
وأكّد بن سعدي، في اتصال مع «الشعب»، وجود غياب تام للأحزاب على الساحة، مبرزا أنّ «الدور الذي من المفروض القيام به من قبل تلك التشكيلات، هو التكوين، العمل على التنشئة السياسية، ربط العلاقة بين المواطن والسلطة، تعبئة الجماهير، وتقديم رؤى وبدائل، وهي كلها أمور غابت منذ سنوات، وتزداد حدة مع مرور الوقت.
صورة مشوّهة
أوضح ذات المتحدّث أنّ نشاط الأحزاب بات يقتصر كثيرا على المواعيد الانتخابية فقط، وهو أمر ليس بالجديد، بل كُرّس منذ سنوات طويلة، منذ سنوات التسعينات بخطاب دون المستوى، وتحولت الأحزاب إلى أداة من أدوات الفساد السياسي، وأصبحت تتميز بوجود انتهازيين ضمن صفوفها أكثر من وجود مناضلين.
وأشار الأستاذ الجامعي، إلى أن وضع التشكيلات السياسية اليوم، أصبح خطيرا حتى أن صورة الحزب لدى الجزائريين شُوّهت، حيث ساد الاعتقاد بأن السياسيّين تحولوا إلى تجار، والحزب أضحى يوصف «بالمحل التجاري»، مبرزا أن دور التشكيلات السياسية أضحى اليوم بعيدا عما هو مطلوب من حزب سياسي كتنظيم له رؤية سياسية، وله هدف واضح للوصول للسلطة، لبناء مشروع مجتمع لديه بدائل سياسية، اقتصادية واجتماعية وفي كل القطاعات.
وحول الأسباب التي أدت إلى ذلك، اعتبر المتحدث أن «السبب الرئيس يعود لوجود إرادة، على أن تكون الأحزاب ضعيفة وهو أمر اتضح خلال الفعل السياسي المنتهج منذ سنوات طويلة مضت جعل العمل السياسي يتميّع، وهي كلها عوامل تحدّ من العمل السياسي، وتجعل العملية مميّعة، وتفتح المجال أمام الانتهازيين أكثر من رجال السياسة الذين يملكون رؤية ونظرة راقية.
وفي نفس الإطار، أكّد بن سعدي تراجع النضال في الجزائر، بعد «تجريد الحزب من أدواته، حتى المعارضة تعرضت لسياسة طويلة من «التصحيحات» خلال السنوات السابقة، حيث أن كل حزب تقريبا مسته حركة تصحيحية نتيجة تراكمات، لذلك وجب على السلطة اليوم فتح الحريات أمام العملية السياسية حتى يكون هناك أثر إيجابي، وإعطاء الضوء الأخضر للأحزاب التي تريد الانخراط في الساحة، والسماح بتأسيس أحزاب تنتظر التأشير من الداخلية.
المصالح الشّخصية تطغى
بعد أن شدّد على أن الحزب السياسي يجب أن يؤسس على رؤية أو مشروع مجتمع، قال المحلل السياسي إنه بات اليوم يؤسّس في الغالب على مصالح شخصية مع بقاء قادة متمسّكين برئاسة احزاب لعقود من الزمن، ومن ثم ينتقدون السلطة بضرورة إحداث التغيير، موضحا أنه عامل جعل العمل السياسي دون المستوى، وأصبح الحديث عن شراء الأصوات وتشخيص الحزب، حيث يصبح الحزب عنوانه شخص واحد فقط، وهو ما يلخص حالة التردي التي نعيشها، وهي حالة عديد الأحزاب، فالعمل الحزبي اليوم بعيد عن المعايير الدولية، المعمول بها في الديمقراطيات، طبقا لتعبير محدّثنا.
ظروف حتّمت علينا ذلك
بالمقابل لا يتوانى القيادي في حركة مجتمع السلم، ناصر حمدادوش، في الدفاع عن الحيوية التي لا يزال حزبه يتمتّع بها - حسبه - حينما قال «كيف تسألون عن ركود، وكانت سنة 2021 سياسية بامتياز، عن طريق إجراء انتخابات تشريعية ومحلية، واليوم نستعد لانتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، والتحالفات التي تقام على قدم وساق ونخوض حملة انتخابية، إضافة إلى الجو العام السائد في البلاد، والوضع الصحي والحجر وتوقيف مختلف النشاطات العامة، لكن الحركة في نشاط دائم، وخير دليل تنظيم الجمعة المقبل ندوة إلكترونية».
واعترف حمدادوش بوجود نوع من التراجع في الأداء السياسي والحزبي، بسبب الانتخابات السنة الماضية، حيث كانت سنة مثقلة ومرهقة جدا، وتم فيها بذل جهد كبير من استنزاف طاقات بشرية ومالية ووقت، على حساب البرامج والنشاطات، كما أن الوضع الصحي ــ يقول حمدادوش ــ له تأثير على النشاط الحضوري، وهو أمر غير مشرف لا للديمقراطية ولا للحياة السياسية ولا للطبقة الحزبية، فمنذ توقف الحراك الشعبي، تراجعت نسبة المشاركة.
وشدّد محدثنا على تواصل الأداء البرلماني من خلال الكتل والنواب، ووجود مبادرات لجان تحقيق، لجان استعلامية، عمل محلي في الولايات وتفعيل أدوات رقابية مثل الأسئلة الشفوية»، متسائلا عن دور أحزاب المعارضة في التيار الديمقراطي أو تلك المحسوبة على التيار الإسلامي.