النسخـــــــة الأوّليـــــــــة لقانــــــــــون الاستثمــــــــــار

تشريع لرهانــــات اقتصاديــــــة جديــــــدة

سفيان حشيفة

يَتطلّع المستثمرون والمتعاملون الاقتصاديون في الجزائر، إلى الإفراج عن قانون الاستثمار الجديد مع حلول السنة الجديدة 2022، يكون مرتكزا على توفير مناخ ملائم للأعمال، وبعث ﻧﺸﺎﻃﺎنشاطات جديدة في شتى ميادين الإنتاج، ويحقق مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع الصناعيين في الاستفادة من العقار الصناعي والمشاريع الجادة المنتجة.

أكّد خبراء اقتصاديون لـ’’الشعب‘‘، أهمية وضع قانون استثماري جديد متوائم مع التوجهات السياسية والاقتصادية التي انتهجتها السلطات في الجزائر، منذ مطلع سنة 2021، يكون مشجعا للمستثمرين ومحفزا على تنويع وتوسيع قاعدة الإنتاج الوطني، ويضمن إعادة هيكلة الصناعات الوطنية وتفعليها ضمن التقنيات والأطر الحديثة، لبلوغ المرامي والأهداف بتحقيق اقتصاد متوازن بعيد عن تبعية قطاع المحروقات.

الاستغلال الأمثل للموارد 

أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور نور الدين جوادي لـ ’’الشعب‘‘، أن قانون الاستثمار الجديد، بمثابة بنية تحتية لمشروع الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي الذي تعكف الجزائر اليوم على تجسيده، ومن الضروري أن يتوافق تعديل نسخته القديمة مع التوجهات الراهنة للدولة نحو تشجيع الإنتاج المحلي، وتشغيل الشباب، وتقليص فاتورة الاستيراد، وتوجيه مخصصاتها المالية نحو صناعة الثروة والاستغلال الأمثل للموارد الوطنية، مضيفًا أن مسودة قانون الاستثمار المزمع عرضها على المصادقة تأتي في سياق ذلك.

ويعتقد جوادي أن أهم ما يميز تلك المسودة ارتكازها بشكل أساسي في مضمونها على مقاربة عملياتية لتحسين مناخ الأعمال في الجزائر، وانطلقت من الخصوصية الاقتصادية للدولة، كما ابتعدت كثيرا عن الأطروحات النظرية والسرد الأكاديمي، وهو ما جعل من موادها الـ 47 تلامس بشكل عميق معوقات الاستثمار الحقيقية، التي عرقلته لعقود من الزمن، لاسيما منها الإدارية والمؤسساتية.

تحدّيات القانون الجديد

يرى الدكتور نور الدين جوادي، أن أهم التحدّيات التي تواجه المسودة الجديدة لقانون الاستثمار وترهن مدى تأثيرها في تحسين مناخه، هشاشة المنظومة الإحصائية الوطنية وغياب الدقة، الشمولية، التحيين والشفافية في البيانات المتاحة حاليا، وهو ما يجعل من تحديد الخصوصيات الحقيقية لمناخ الاستثمار صعبا نوعاً ما، وهي خصوصيات مدرجة ضمن المنطلقات الرئيسية في التعديلات المقترحة.

كما أن ضعف معدل رقمنة الاقتصاد الوطني وخاصة منه الإدارات والقطاعات الإستراتيجية كوزارة المالية والمنظومة البنكية وغيرهما، لا يزال يشكل تحديا آخر ورهانا رئيسيا للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي بشكل عام، ولقانون الاستثمار أو غيره بشكل خاص، فالرقمنة اليوم هي المتغير الأساسي في المعادلة التنموية باعتبارها الأداة الأمثل والوحيدة لتعزيز المنظومة الإحصائية، والقضاء على الفساد الإداري والمالي، وتسهيل كل ما تعلق بمناخ الاستثمار والأعمال في الدولة، كما أنها عامل أساسي في بعث الثقة لدى المستثمر الأجنبي والمحلي في الاقتصاد الوطني، يضيف المتحدث.

مخاطر السوق الموازية

أضاف الدكتور نور الدين جوادي، أن المسودة تضمنت تعديلات للنسخ القديمة من قانون الاستثمار الوطني، لكن يبقى الحجم الهائل للسوق الموازية للسلع والخدمات والعملة الصعبة في الاقتصاد الوطني يكبح ويُقزّم الأثر الإيجابي لها، وهو ما يتطلب الإسراع في احتواء تلك الأنشطة الإنتاجية غير الرسمية، وإعادة إدماجها في اقتصاد الدولة الحقيقي من خلال إعادة النظر هيكليا في المنظومة الجبائية والرقابية، إضافة إلى تنظيم صارم للواردات وفق ما يخدم الإنتاج الوطني، كما أنه يجب إيلاء ملف السوق الموازي للعملة الصعبة الأولوية القصوى.

كما أشار الخبير الإقتصادي بأن التوجهات الراهنة للدولة نحو جزائر جديدة تعتبر فرصة حقيقية أمام الجميع لدعم وتحقيق الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، بمن فيهم معدو تلك المسودة ومن يُنتظر أن يصادق عليها من أجل وضع قانون للاستثمار يخدم تطلعات الشعب، وتكريس بيئة أعمال ومناخ للاستثمار يسهم في تعزيز الأثر الإيجابي والتنموي لذلك القانون، أو غيره من التشريعات الاقتصادية لتجسيد مشروع الجزائر الجديدة واقتصادها القوي.

مستجدات الإستثمار

قال المحلل والباحث الاقتصادي الدكتور إسحاق خرشي لـ ’’الشعب‘‘، إن مشروع قانون الاستثمار موجود على طاولة الحكومة للمناقشة والإثراء، ويرتقب تمريره على مجلس الوزراء وعرضه للنقاش في المجلس الشعبي الوطني، حيث يتضمن عدة مستجدات تخص الاستثمار، منها تحويل إسم “أندي” إلى الوكالة الجزائرية لترقية وترويج الاستثمار، واستحداث عدد من الهيئات للفصل في ملفات الاستثمار والمزايا المقدمة عبر القانون الجديد، على غرار مركز تسيير المزايا الذي يدرس مختلف الإعفاءات الجبائية، ومركز استيفاء الإجراءات الذي يتكفل بمختلف الوثائق والخدمات لمساعدة المؤسسات الصغيرة على تحقيق الاستثمار، إضافة إلى لجنة متعددة القطاعات من مهامها قبول أو رفض اعتمادات الاستثمار مع التبرير في ظرف 30 يومًا.

وأوضح خرشي أن مشروع قانون الاستثمار يميز بين 5 أصناف من الاستثمارات، وهي استثمارات عامة وأخرى ذات أولوية، وبين تلك التي تعتمد على دعم خاص، واستثمارات هيكلية، واستثمارات في  مناطق النشاطات والصناعية واللوجستكية، حيث يتفاوت حجم الامتيازات الممنوحة لكل مستثمر بحسب تصنيفه، كما بإمكان المستثمر الأجنبي جلب معه 10 عمال أجانب، وفي بعض الحالات الخاصة 15 عاملاً.

مسودة  محفزة

يرى الدكتور إسحاق خرشي أن النسخة الأولية لقانون الاستثمار محفزة، وتتضمن مجموعة من النقاط الإيجابية، إلا أنها تحتوي في نفس الوقت على نقائص ونقاط ظل، حيث لم يتم الكشف لحد الساعة عن فحوى وتنظيم الوكالة الوطنية للعقار، إذ لا فائدة من الإفراج عن القانون إذا لم يتم رفع الحواجز والفرامل عن العقار الصناعي.

وبحسب خرشي يُعتبر الكشف عن تسهيلات وإعفاءات لفائدة المستثمرين خطوة كبيرة، لكن قد تصطدم بعوائق غياب الرقمنة، وعدم ثبات قوانين الاستيراد، وإدراج قائمة جديدة في كل مرة للمواد الممنوعة من الاستيراد واللوائح التنظيمية والنصوص التطبيقية التي يطول أجل الإفراج عنها،  كما يعد الاستثمار حرا والمستثمرين أحرارا في تحديد برامج الاستثمار والتصنيع والخدمات وفقا لقانون الاستثمار الجديد، وتتم معالجة الملفات بكل شفافية، ويتلقى الأجانب نفس معاملة المستثمرين المقيمين، مع الخضوع لقوانين الجمهورية الجزائرية.

أسباب تأخر صدور القانون

يعتقد الدكتور إسحاق خرشي، أن تأخر إصدار قانون الاستثمار راجع إلى التغييرات التي حدثت على مستوى رأس وزارة الصناعة، فبعد أن كان الحديث في مرحلة سابقة عن قرب جاهزية القانون الجديد للاستثمار، لوحظ تغيير على رأس الوزارة، ترتب عنه مرة أخرى إعادة صياغة قانون جديد آخر، ولكن هذه المرة وبفضل حرص رئيس الجمهورية ورغبته في إنعاش القطاع الصناعي، نرى اليوم مسودة لقانون الاستثمار،  والذي سيعرض قريبًا على مجلس الوزراء.

وبخصوص واقع الاستثمار في الجزائر سنة 2021، قال الدكتور خرشي، بأنه لم يرق لمستوى دولة بحجم الجزائر، والسبب في ذلك غياب قانون خاص به، مع عدم نشاط الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، ما أثر كثيرا على الاقتصاد الجزائري، وبالرغم من اتجاه الحكومة للضغط على الواردات، إلاّ أن غياب الاستثمارات  المحلية، في سنة 2021، أرغمها على الاستيراد لتلبية احتياجات المواطن، وحاجيات المؤسسات من السلع والخدمات، مضيفًا سببًا آخر متمثل في إشكالية البيروقراطية التي تسببت في تجميد أكثر من 500 مشروع أدى لتراجع فرص العمل، وكان بالمقدور إتاحة 75000 فرصة عمل لو تم رفع العراقيل عن تلك المشاريع، مع عدم ملاحظة إطلاق مشاريع عملاقة أو مصانع أو شركات تصنيع أو تركيب، إلا بعض المؤسسات الصغيرة التي تم إطلاقها في إطار برامج الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية “أناد”.

 الاستثمار والجماعات المحلية

أكد الباحث المتخصص في شؤون الجماعات المحلية الدكتور عبد الرحيم لحرش لـ ’’الشعب‘‘، أن إصلاح قانون الاستثمار الجديد يجب أن يضم ملائمة أصناف المشاريع مع مستويات الجماعات المحلية والمشمولات المزمع إحالتها لفائدتها في إطار إعادة توزيع الأدوار الجديدة بين الدولة وتلك الهيئات، وبالنسبة لقانوني البلدية والولاية ضرورة التأكيد على أهمية الشراكة بين البلديات وإحداث المزيد من الحوافز لإنجاح هذا الخيار الإستراتيجي المستقبلي.

وبحسب الدكتور لحرش، الحديث عن واقع الاستثمار في ظل المنظومة القانونية وبالأخص ما تعلق بالجماعات المحلية يؤدي للصعوبات التي تعيشها أغلب بلديات الوطن المقدرة بـ 1541 بلدية كإحدى مقومات تطوير التنمية المحلية أو الجباية المحلية، وهي ضعف الاستثمارات أمام تحدي جديد هو إصلاح قانون الاستثمار الجديد وإعادة تعديله بما يتماشى مع واقع كل بلدية والجو الملائم لها، خاصة في ظل ما جاء به دستور الجمهورية الجديدة لسنة 2020 خاصة ما جاء في المادة 17 منه، والتي تتضمن تخصيص البلديات محدودة التنمية بتدابير خاصة بغرض تحقيق توازن اقتصادي واجتماعي.

لمسات البلديات

باشرت الجزائر خلال السنوات الأخيرة، بحسب الدكتور عبد الرحيم لحرش، سلسلة من الإصلاحات بعد التذبذب الحاصل في أسعار النفط، الذي يعد الركيزة الأولى للاقتصاد الوطني، في إطار التحول الاقتصادي والعمل على تشجيع الاستثمار لدعم التنمية المحلية، ويتحقق ذلك بالسيطرة على الاستهلاك الفعلي والممكن عن طريق زيادة نسبة الادخار، وبما أن البلدان النامية عرضة للتقلبات الدورية العالمية بسبب طبيعة اقتصادياتها وارتباطها بالأسواق الدولية، ومع الإصلاحات الجارية والتي تمس القطاع المصرفي بدرجة أولى، فإنه يمكن الدخول في هذا النوع من الإستثمار بشكل إيجابي ومباشر وفعال يخدم أهداف التنمية ويطوّرها.

لهذا بادرت الجزائر، بحسب الباحث، باعتماد إستراتيجية جديدة لمواكبة مختلف التطورات من ناحية دعم الجماعات المحلية وتقوية وتنويع الموارد المالية، وجعلها تواكب متطلبات التنمية لمواجهة واقع الحال الذي أثبت تأثر مناخ الاستثمار بالعديد من المشاكل والعوائق، وذلك لعدم اعتماد معيار خاص بكل قطاع لتوزيع الاستثمارات العمومية بين الجهات، وغياب المرونة في التصرف في الاعتمادات المفوضة والاعتمادات المحالة، إلى جانب غياب مقاييس موضوعية تمكن من تصنيف المشاريع ذات الصبغة الجهوية، وغياب دراسات تقيم انعكاسات تدخلات هذه البرامج على مستوى النهوض بالمناطق الداخلية، ومدى تكاملها مع بقية البرامج القطاعية في تحقيق نقلة نوعية للتنمية المحلية والجهوية.

ويعتقد الدكتور لحرش، أن البلديات يجب أن تكون لها اليوم لمسات حقيقية في مجال دعم الاستثمار وتشجيعه من خلال ربطها بكل المؤسسات التي لها علاقة بالاستثمار سواء وكالات تشغيل الشباب، أو القرض المصغر، أو دعم الاستثمار، أو المقاولاتية وغيرها من المؤسسات بهدف إنشاء مؤسسات اقتصادية بالشراكة مع البلديات، وهو ما يخوله لها القانون في قانون البلدية 11-10 في الفصل الأول من الباب الثاني المتعلق بصلاحيات البلدية من جانب التهيئة والتنمية.

ومع وضع العجز المالي للبلديات، إلاّ أنها تستطيع الدخول كشريك من خلال توفير المساحات العقارية وإحاطتها بالجدران، وتوفير الوسائل المتاحة، على سبيل ذلك موارد صندوق التضامن والضمان للجماعات المحلية، أو الاقتراض بهدف الاستثمار لتعزيز الجباية المحلية، يضيف المتحدث.

مقاربة جديدة

 أبرز الدكتور عبد الرحيم لحرش، أهمية قيام البلديات ممثلة في المجالس الشعبية البلدية بمبادرات وأعمال، وفق القانون، من شأنها تطوير الأنشطة الاقتصادية في نطاق مخططها التنموي، من خلال تشجيع المستثمرين الاقتصاديين وتوسيع قدراتهم، أو إشراك الشباب من ذوي المؤسسات الناشئة في إنشاء مؤسسات عامة اقتصادية ذات طابع صناعي أو تجاري في العديد من المجالات خاصة الصناعات الخفيفة والسياحة والفلاحة.

ويتوجب على البلديات في هذا الإطار، بحسب لحرش، اعتماد مقاربة تقوم على أساس المشاركة والقرب مع كافة المتدخلين المهتمين بالشأن المحلي لتحديد استثمارات البلدية، واعتماد مبدأ الشفافية والحوكمة الرشيدة، كما يتوجب الاعتماد على حسن الأداء والفاعلية في التدخلات، والكفاءة في البرمجة والإنجاز، والتركيز على التدخلات الرامية للتقليص من التفاوت بين الجهات والبلديات، وتوفير مناصب الشغل من خلال المساهمة في رفع الاقتصاد الوطني، وتحسين ظروف عيش جميع السكان وتطوير إطارهم الحياتي، وهذا لن يكون إلا بمجموعة من العوامل المساهمة في ذلك ومن أبرزها تأهيل الموارد البشرية بالإدارة المحلية مواكبة للمسار اللامركزي، والتدرج في وضع وتنفيذ البرامج الاستثمارية، تماشيا مع تطور مسار الإصلاحات التي نص عليها الدستور الجديد، والإعداد لاستيعاب مكونات تنموية جديدة صلب البرنامج الاستثماري الجديد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024