بعد نجاح التّـجربة في تمنراست

مشاريع واعدة لتربية طحلب “سبيرولينا” ببشار

موسى دباب

 نجحت طالبتان بجامعة طاهري محمد بولاية بشار، من خلال بحثهما، في توفير الظّروف الملائمة لتربية طحالب “سبيرولينا”، بعد استفادتهما من دورات تكوينية على يد الدكتور عبد القادر هيري، وهو باحث ومربّي طحالب بتمنراست، ومرافقتهما من طرف مديرية الصيد البحري والموارد الصيدية بولاية بشار. وتسعى الطّالبتان سوسن ورؤى من خلال مؤسّسة قامتا بإنشائها، إلى إنتاج “سبيرولينا” على شكل عجائن، وطرحه في السّوق بأسعار مقبولة، وفي متناول الجميع.

تحرص مديرية الصيد البحري والموارد الصيدية لولاية بشار على مرافقة هذا المشروع، الذي يعتبر من المشاريع التي تعطي دفعة قويّة للإقتصاد المحلي، وتشجّع بذلك حاملي الأفكار على إنشاء المزيد من المشاريع من هذا النّوع.
عجائن سبيرولينا في السّـوق لأوّل مرّة
 تقول الطّالبة سوسن بن محمد، إنّ البداية كانت خلال دراستها لمقياس علم تصنيف النباتات “Botanique”، حيث سمعت للمرّة الأولى عن طحلب “سبيرولينا” الذي لديه العديد من المزايا التغذوية، فهو غني بالبروتينات والألياف والأملاح والفيتامينات المفيدة للجسم، والعديد من العناصر الغذائية، وتابعت “منذ ذلك الحين قرّرتُ أن أستعملها كفكرة مشروع، ثم التقيتُ زميلتي في المشروع رؤى عادل خلال دورة تكوينية بدار المقاولاتية، أين تعرّفت عليها وطرحت عليها فكرة المشروع، وبدأنا العمل سويّاً من خلال مشاركتنا في التّحدّي الجزائري للمؤسّسات النّاشئة، وتوّجنا بالمرتبة السادسة وطنيا من بين 700 مشروع، لنشارك عقبها في تحدّي مؤسّسات ناشئة، وتلقّينا آنذاك تأطيرا من طرف حاضنة برانكو، التّابعة لأحد مكاتب الهندسة، وهنا يتم مرافقة المؤسّسات النّاشئة من الفكرة إلى التّجسيد، إلى جانب ذلك تمّت مرافقتنا من قبل غرفة الصيد البحري ببشار من الناحية التقنية، من خلال الإشراف على تكويننا لدى أوّل باحث قام بتربية الطّحالب في الجزائر، وهو الدكتور عبد القادر هيري، الذي تحصّل على شهادة الدكتوراه في علوم الأرض تخصّص الجيومغناطسية بجامعة العلوم بيير وماري كوري “جوسيو” باريس في 1985، ويعتبر رائد تربية السبيرولين بخبرة 23 سنة، وأوّل من أنشأ مزرعة لإنتاج طحالب السبيرولينا في الجزائر بولاية تمنراست، ويسعى دائما لاستقبال وتكوين الطلبة والباحثين عن التكوين والمعرفة.
ويربّي الدكتور هيري نوعا خاصا من الطحالب الذي اكتشفه بمنطقة تمنراست يسمى “فورسبيهاتن”، وقد أجرينا تكوينا تطبيقيّا لديه لمدة أسبوع شهر مارس 2021، واختتم الدكتور هيري الدورة التكوينية الوطنية بندوة حول تربية طحالب سبيرولينا بالشّراكة مع غرفة التجارة والصّناعة لولاية تمنراست وجامعة تمنراست، ومديرية الصيد البحري لولاية بشار”.
تواصل الطّالبة سوسن شرحها لمجلة “الشعب الاقتصادي” حيثيات إطلاقها للمشروع رفقة شريكتها، إذ تقول: “قمنا بالمشاركة في مسابقة وطنية للسّلامة الغذائية تحت عنوان: “سايف فود safefood”، أين أطّرتنا حاضنة “برانكو” من النّاحية المقاولاتية، وتوّجنا بالمرتبة الأولى في مشروعنا المتعلق بتربية طحالب السبيرولينا في ولاية بشار، لنقوم بعد ذلك بتربية هذا النوع من الطحالب لمدة شهرين داخل أحواض صغيرة على مستوى جامعة بشار، حيث وفّرنا لها شروط المعيشة والمغذيات، الضّوء والأحماض، ودرسنا ظروف معيشتها في بيئة بشار، وبعد نضوجها استخلصنا منها مسحوقاً، وقمنا بعد ذلك بإجراء تحاليل تثبت إمكانية استهلاكها، وكانت الإضافة التي أضفناها هي تسويق هذا المسحوق على شكل عجائن ذات قيمة غذائية عالية وذوق جيد، وفي متناول الجميع، وبهذا الابتكار تحصّلنا على علامة مشروع مبتكر من الوزارة المنتدبة لدى المؤسّسات الناشئة واقتصاد المعرفة، ويحمل مشروعنا اسم “أكوايات”، وبهذا تمكنّا من الحصول على بعض الامتيازات الجبائية، وفرصة تموين مشروعنا من صندوق المؤسّسات النّاشئة”.
نسعى ليكون غذاءً للجميع
 تؤكّد صاحبة المشروع الطّالبة سوسن بن محمد، أنّ نقطة الاشتراك بين ولايتي تمنراست وبشار في مجال تربية “سبيرولينا” هي الشمس، على اعتبار أنّ هذا الطحلب يحتاج إلى درجة حرارة عالية، وهو ما دفعها رفقة زميلتها إلى السعي من أجل جعل مشروع مستخلص “سبيرولينا” غذاءً كاملاً، وليس مجرّد مكمّل غذائي، بحيث يصبحُ بالإمكان الاعتماد عليه لإعطاء الجسم العناصر الغذائية الأساسية الكافية التي يحتاجها، مشيرة إلى أنّ “سبيرولينا” غني بالأملاح والبروتينات، فـ 1 كلغ منه يمكن أن يغذّي 500 شخص، على اعتبار أنّ 2 غرام تلبّي جميع احتياجات جسم الشخص البالغ، أمّا الاهتمام الأكبر فينصب حول جعله بديلا تغذويا يستعمل في محاربة المجاعة في الدول الإفريقية الفقيرة، وكان الدكتور هيري قد تبرّع بـ 16 كلغ لهذا الغرض في وقت مضى.
وذكرت سوسن بأنّها تركّز رفقة زميلتها على إنتاجه محليا، “خصوصا أنّنا نقوم حاليا باستيراده، وسعره ما يزال مرتفعا”، وأضافت بأنّ هدفهما هو جعل المستخلص موردا اقتصاديا هاما يتم إنتاجه بكميات كبيرة، بحيث يكون بسعر أقل، وفي متناول الجميع، ثم القيام بتصديره إلى الدول الأخرى.
ولفتت محدّثتنا الانتباه إلى أنّ هذا المشروع سيرى النور قريباً بعد الانتهاء مباشرة من الإجراءات الإدارية.
منتج للأكسجين وبديل اقتصادي
 في ذات السياق، أضافت الطالبة سوسن بن محمد، أنّه بالإضافة إلى قيمة طحلب سبيرولينا الغذائية، فهو يستخدم في إنتاج مستحضرات التجميل، كالكريمات المضادّة للتجاعيد والمفتّحة للبشرة، ويمكن أن تقوم على هذا الطحلب صناعات عديدة أخرى، من شأنها أن تصبح ثروة اقتصادية، فيمكن على سبيل المثال صناعة زفت طبيعي وبيولوجي منه، يساهم في التقليل من استغلال المحروقات، كما يمكن أن نستخلص منه زيوتا طبيعية بديلة للزّيوت الصّناعية الملوّثة للبيئة، عكس ما يفعله هذا النوع من الطحالب، فهو ينتج كمية كبيرة من الأكسجين، ويمتص سنويا 21 طنا من غاز ثاني أكسيد الكربون، ويرى خبراء أنّ استزراعه بكميات كبيرة سيساهم في تعديل المناخ وخفض تلوّث الهواء، ومن هذا المنطلق جاء اهتمام الأمم المتحدة بـ “سبيرولينا”، الذي يعتبر صديقا للبيئة. 
من جهة أخرى، أفاد مدير الصيد البحري والموارد الصيدية لولاية بشار، جمال بولخصايم، أنّ دعم وتشجيع تربية طحالب السبيرولين وتربية المائيات بالمنطقة يُعد من أولويات القطاع، لذلك قامت المديرية بإطلاق دورات تكوينية في نشاط تربية الطحالب “سبيرولينا” لفائدة الطلبة، والتي حقّقت نجاحاً مشهودا، كما عرفت مشاركة طلبة من 14 ولاية، غالبيتهم أصبحوا حاملي مشاريع. وفي هذا الإطار، يؤكّد بولخصايم أنّ هناك مشروع لأحد الشباب ما يزال في مرحلة التربية التقليدية، وينتج كمية قليلة من السبيرولين، سيحظى بالدّعم اللازم من طرف صندوق المؤسّسات الناشئة، وكذا أجهزة الدعم المختلفة، إلى جانب مشروع الطّالبتين سالفتي الذكر، والذي يحمل اسم “إكوايات”.
إدراج “سبيرولينا” ضمن المواد الصّـيدلانية
يؤكّد ذات المتحدّث، أنّ هناك مجموعة من الإجراءات الخاصة بالاستثمار، حيث تقوم مديرية الصيد البحري بإعطاء رخصة لإنشاء مشروع طحالب “سبيرولينا”، وبعدها يمكن التوجه نحو أجهزة الدعم التي تقوم بتمويل المشاريع، ويضيف “بما أنّنا نسعى على مستوى ولاية بشار إلى إنشاء منطقتين صناعيتين ببلديتي بني ونيف وحاسي الهواري، يمكنهما أن تساهما في احتضان هذه المشاريع الخاصة بتربية طحالب “سبيرولينا”، إلى جانب المشاريع الأخرى المتعلّقة بتربية المائيات”. وتابع مدير الصيد البحري ببشار حديثه بالقول، إنّ “مشروع تربية سبيرولينا يعد نشاطا واعدا نعمل على تطويره على مستوى ولايتي بشار وتمنراست، كون هذه النوع من المشاريع ذات مردودية عالية من الناحية الاقتصادية، حيث يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من هذا الطحلب في السوق، اليوم، ما بين 35 ألف إلى 45 ألف دينار جزائري، ويقبل عليه الرياضيون والمرضى لاستخدامه كمكمّل غذائي، كما يستعمل حاليا في مجال الصّناعات الغذائية والصّناعات التجميلية”.
وكشف بولخصايم عن تسطير وزارة الصيد البحري والموارد الصيدية لبرنامج بالتنسيق مع وزارة الصناعة الصيدلانية من أجل أن يصبح “سبيرولينا” ضمن المواد التي يتم استعمالها في مختلف الصّناعات الصيدلانية، تشجيعا للشباب الراغب في الاستثمار في هاته المادة، خصوصا أنّ هذا النوع من المشاريع غير مكلف ومنتج، فالمتر المربع الواحد ينتج ما بين 7 إلى 10 غرامات في اليوم.
مشاريع للماكثات بالبيوت
أما فيما يتعلق بولاية تمنراست التي تعتبر بيئة طحلب “سبيرولينا”، وتحتضن مشروعا وطنيا لتربيته وتطويره، يقول بلخصايم إنّ هناك برنامجا خاصا بالنساء الماكثات بالبيت، يتعلّق بإجراء دورات تكوينية قصيرة تمكّنهن من التحضير لمشاريع عائلية، كون جميع الشّروط متوفّرة، خاصة بوجود حجر “ناطرون” الغني بكربونات الصوديوم والأملاح، وهو حجر بركاني موجود في الطبيعة، ويساعد على تغذية “سبيرولينا”، ولذلك فتكلفة تربيته تكون منخفضة، بالإضافة إلى ذلك لا يشترط المستوى التعليمي للمستثمر. ودعماً لهذه الفئة، أكّدت المصالح الولائية المختصّة أنّه يتم إنشاء مخبر خاص لاستقبال المنتوج الذي تأتي به هذه العائلات المستثمرة، بغرض تجميعه وتحليله قبل عرضه للاستهلاك. 
من جهة أخرى، يؤكّد مدير الصيد البحري بولاية بشار، أنّ المديرية بصدد دراسة مشاريع جديدة بعدما تأكّد أنّه يمكن تربية “سبيرولينا” في ولاية بشار عن طريق تجربة مشروع الطّالبتين، وأضاف أنّ مشاريع تربية هذا النوع من الطحالب ذات مردودية عالية، وتساهم في خلق مناصب شغل مباشرة من تقنيين داخل المزرعة، وغير مباشرة من خلال قنوات التسويق والتوزيع المموّلة للصّناعات الغذائية والمكمّلات الغذائية، وبعضها يتوجّه نحو الصّناعات الصيدلانية والصّناعات التّجميلية، ممّا قد يخلق سلسلة كاملة مرتبطة بالإنتاج، والتي تساهم بدورها في استحداث مناصب شغل.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024