بدأت السنة الجديدة على وقع ارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية ما أربك المواطن المنهك والحائر، في سلوك “لا أخلاقي” لتجار تعودوا استغلال الأزمات لتحقيق ربح سريع على حساب قدرة شرائية “تئن” تحت وطأة ارتفاع مستمر ومتواصل للأسعار. وفي انتظار رفع النقطة الاستدلالية وإلغاء الضريبة على الدخل وصدور مرسوم تحديد هامش الربح، يبقى “جيب” المواطن بين مطرقة تلبية حاجياته اليومية (على الأقل الأساسية) وسندان جشع تجار يرفضون كبح “جماح” عداد أرباحهم.
قال الخبير الاقتصادي بلال عوالي، في اتصال مع “الشعب”، إن السوق الجزائرية تقوم على مبدإ حرية الأسعار أو الأسعار التنافسية، حيث تحدد أسعار السلع والخدمات. وتعتبر حرية الأسعار أحد دعائم المنافسة الحرة والنزيهة التي جاء بها قانون المنافسة، لكن في المقابل تسعى وزارة التجارة إلى تحديد هامش الربح من خلال مرسوم جديد.
وأرجع الخبير الاقتصادي ارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية مع بداية السنة الجديدة 2022، كالخبز، الزيت والخضار... إلى كونه أحد تداعيات الأزمة الصحية التي تشارف على إنهاء سنتها الثانية، بالإضافة إلى تعويم العملة، خاصة وأن قيمة الدينار الجزائري عرفت انخفاضا ملحوظا في السنوات الماضية، إلى جانب الارتفاع الكبير الذي عرفه التضخم بسبب التمويل غير التقليدي، حيث طبعت الجزائر 6 آلاف مليار، ومن المعروف أن أثار طبع النقود تظهر بعد سنوات من اتخاذ هذه الخطوة، وكذا ارتفاع أسعار بعض المواد المستوردة.
ويرى عوالي أن الأهم في ظاهرة ارتفاع الأسعار هو غياب أخلقه العمل التجاري في الجزائر، لذلك تكون المضاربة والاحتكار أحد أهم السلوكيات السلبية المؤدية إلى ارتفاع الأسعار، فيما ساهم -بحسبه- غياب ثقافة استهلاكية رشيدة لدى المواطن، وانتشار إشاعة حول ندرة مادة الزيت في إحداث مشكلة حتى في بلدان متقدمة. لذلك يمكن القول إنها من المقومات الأساسية لرفع الأسعار.
عن إمكانية مساهمة رفع الدعم المعمم في ارتفاع الأسعار، أكد المتحدث أن قانون المالية لا يتضمن أي رفع للدعم العام للسلع، بل توجد مادة تقر بأن الجزائر ستتخلى عن الدعم المباشر أو المعمم، لكن آليات وإجراءات تطبيقها على أرض الواقع لم يفرج عنها بعد، حيث يعتقد أن “دخولها حيز التنفيذ سيتطلب وقتا طويلا لرفع الدعم المباشر. فما صرح به رئيس الجمهورية أو الوزير الأول يؤكد أن رفع الدعم يحتاج إلى وقت بسبب صعوبة تحديد الفئات المستهدفة من الدعم الموجه، فلا يمكن معرفة من هو الغني ومن هو الفقير في الجزائر، نحن بحاجة إلى منظومة إحصائية وبيانية رقمية لتطبيقه، لصعوبة التخلي عن الدعم بصفة مباشرة”.
أما ما تعلق بقانون المالية 2021، قال عوالي إنه تضمن التخلي عن دعم الوقود الذي ارتفع سعره قليلا، على عكس قانون المالية 2022 الذي نجد فيه الكثير من التحفيزات، كمنحة البطالة، بالإضافة إلى تحفيز ضريبي لتنشيط الجباية الضريبية، من خلال خفض بعض الرسوم وبعض الضرائب لزيادة الوعاء الضريبي وبلوغ تحصيل جبائي جيد. فمهما يكن التحصيل الضريبي الحالي تعود أكبر نسبة منه إلى الاقتطاع من المنبع، أي الاقتطاع من رواتب الموظفين كالضريبة على الدخل الإجمالي. مؤكدا في الوقت نفسه، أن بعض الخضر التي عرفت أسعارها ارتفاعا، كالطماطم التي وصل سعرها إلى 250 دينار، يعود إلى أنها تباع في غير موسمها. لكن في المقابل هناك بعض التجار يستغلون فرصة الأزمات لتحقيق الربح السريع، لذلك فرضت الدولة الجزائرية قانون المضاربة، لأن العامل الأساسي الذي يقف ضد المضاربة هو غياب الفوترة، بالإضافة إلى سوق اقتصادي مواز غير مفوتر، لأن التاجر يبحث عن الربح الصافي دون تقديم أي شيء للاقتصاد، ما اعتبره أهم مشكل في الجزائر.