بعد سنة من إنطلاقه، لم يبلغ التلقيح النسبة المنشودة
مع بلوغ عتبة 400 إصابة جديدة بفيروس كورونا، أصبح جليا أنّ الأيام القادمة ستكون فارقة في الوضع الوبائي في الجزائر، خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار الانتشار الكبير للمتحور «دلتا» المرشح لأن يكون الرقم واحد في الموجة الرابعة وكذا دخول المتحور «أوميكرون»، حيث تمّ تسجيل حالتين حتى الآن، لذلك كان من الضروري بما كان الانتقال إلى السرعة القصوى للحد من قوة وشراسة الموجة الجديدة، من خلال تحفيز حملة التلقيح والالتزام بالإجراءات الوقائية.
معادلة الخروج من الموجة الرابعة بأقل الأضرار هدف ممكن تحقيقه، بتلقيح أكبر عدد من المواطنين إلى جانب الالتزام بتوصيات الأطباء والخبراء حتى يستطيع المجتمع تجاوز الأسوأ، فحتى مع جاهزية المستشفيات والأطقم الطبية وتوفير الدولة للبروتوكول العلاجي خاصة ما تعلق منه بمضادات التخثر والأوكسيجين، لن يكون الأمر مضمونا مع حالة التراخي والاستهتار الكبيرين، حيث «فشل» القناع الواقي في كسب ثقة المواطن لكسر سلسلة العدوى و»خيّبت» مسافة الأمان طموح الجزائريين في تقريب بعضهم لبعض، لذلك غالبا ما يتعامل معها على أساس أنها عائق أمام تواصلهم الاجتماعي.
على ضوء هذه المعطيات والمؤشرات الصحية، يتفق المختصون على خطورة ما هو مقبل إذا استمر الوضع على ما هو عليه، لأنّ متحور «دلتا» يشكل خطرا محدقا على الجزائريين، بل يعتبره الخبراء أخطر متحور فيروسي يستهلك كميات هائلة من مادة الأوكسجين الطبي، وبالرغم من الخوف الشديد من «أوميكرون» في بداية ظهوره وسرعة انتشاره، إلا أنّ الاختبارات الجينية أبقت «دلتا» متسيدا قائمة المتحورات الجديدة لفيروس كورونا، وهو ما جعله الأكثر حضورا في أوروبا وفي شمال إفريقيا على وجه التحديد.
ويتذكر الجميع المآسي التي عاشتها الجزائر بسبب هذا المتحور في الموجة الثالثة، حيث بلغت ذروتها عتبة 2000 إصابة في اليوم الواحد بـ1927 إصابة، في 28 جويلية الماضي، ولم يكن الارتفاع في عدد الإصابات الجديدة فقط بل حتى الوفيات بلغت عتبة 50 وفاة بـ 49 وفاة في نفس التاريخ، ولعل الكثير احتفظ بصور العائلات التي فقدت ثلاثة إلى أربعة من أفرادها في يوم واحد وأكثر في الأسبوع الواحد، تراهن على وعي المواطن الجزائري وإدراكه لخطورة الوضع الصحي على المستوى العالمي وكذا التزامه بتنفيذ التوجيهات والنصائح المقدمة من قبل المختصين.
تأكيد وزير الصحة، خلال اجتماع تقييمي مع مدراء الصحة للولايات ومدراء المستشفيات مؤخرا، وبحضور إطارات الإدارة المركزية وأعضاء من اللجنة العلمية على أهمية التكفل بالمصابين بفيروس كوفيد-19 في المستشفيات، وتوفر كافة الإمكانيات البشرية والمادية اللازمة لمواجهة الوباء، لن يكون كافيا إن استمرت حملة التلقيح بنفس الوتيرة المتباطئة، فمنذ انطلاقها، شهر جانفي 2021، وبالرغم من مشارفتها على إنهاء سنتها الأولى إلا أنها لم تستطع استقطاب اهتمام المواطنين بأن تكون سبيل حمايتهم من الفيروس.
وتراوح نسبتها 24 بالمائة من سكان الجزائر، فحسب منظمة الصحة العالمية بلغ التلقيح الكامل للمواطنين (جرعتان من اللقاح) نسبة 10بالمائة، فيما تلقى 14بالمائة من السكان جرعة واحدة على الأقل من اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد-19، بينما حدّدت وزارة الصحة النسبة المنشودة بـ70 بالمائة حتى يمكن القول بأنّ الجزائر خرجت من دائرة الخطر، لأنّ اللقاح يحدّ من شدة الأعراض ويبعدها عن التعقيدات المحتملة في حالة الإصابة، وبالرغم من ضعفها احتلت الجزائر، حسب نفس المنظمة، المرتبة السادسة عشر إفريقيا والخامسة عربيا من حيث نسبة تلقيح المواطنين ضد كوفيد-19.
حملة التلقيح المتباطئة جعلت الحكومة واللجنة العلمية لمتابعة وباء كورونا تدعوان، يوم 30 نوفمبر 2021، إلى اليقظة والإقبال على التلقيح بسبب الانتشار المقلق لمتحور «أميكرون» عبر العالم، بينما أوصت اللجنة العلمية بإقرار الجواز الصحي للتلقيح كشرط لدخول التراب الوطني ومغادرته، حيث جاء في بيان الحكومة «على الرغم من توفر اللقاح، إلا أنّ عمليات التلقيح تتم بوتيرة ضعيفة، في وقت يشهد فيه الوضع الوبائي في العديد من مناطق العالم موجة جديدة من الجائحة، بل وحتى انتعاش مقلق زاده تفاقما ظهور الـمتغير الجديد «أوميكرون» الذي بات اليوم يشكل مصدر قلق كبير للمجتمع العلمي.»
دقّ السلطات الوصية لناقوس الخطر، لم يكن حافزا قويا للإقبال على التلقيح، لذلك تمّ اللجوء إلى الجواز الصحي من أجل تسريع العملية، حيث أوصت اللجنة العلمية «بإلحاح بضرورة التحلي بأقصى درجات اليقظة، حيث يتعيّن عليهم تجنّب كل تراخ في الامتثال للتدابير المانعة ومختلف البروتوكولات الصحية الـمخصّصة لمختلف الأنشطة الاقتصادية والتجارية والاجتماعية، وبإقرار الجواز الصحي للتلقيح كشرط لدخول التراب الوطني ومغادرته، مع العلم أنّ هذا الإجراء سيتم تنفيذه، في الأيام القليلة الـمقبلة، فيما يخص نقل الـمسافرين عبر الطريق البحري.
وتجدّد دعوتها لغير الملقحين للإقبال بشكل مكثف على حملات التلقيح في جميع أنحاء الوطن، بهدف حمايتهم من خطورة آثار هذه الجائحة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، من أجل العودة إلى الحياة الطبيعية مع التعايش مع الوباء، من خلال أخذ الجرعات الكافية من اللقاح والالتزام بتوصيات الخبراء المتعلقة بالإجراءات الوقائية، حتى يثبت المجتمع أنه كسب معركة الوعي بعد ثلاث موجات متعاقبة.