ارجع بعد رمضان» عبارة ترافقك في كل مكان
يأتي شهر رمضان المبارك كل عام ليكشف النقاب عن واقع سلبي يغرق فيه قطاع واسع من المجتمع الجزائري بكل فئاته وشرائحه المختلفة. مر الأسبوع الثاني من الشهر الفضيل ولا زال المشهد يتكرر في صورة تعطي الانطباع وكأن الجميع في عطلة.
يبدو ان أغلب الجزائريين اختاروا الدخول في عطلة مدفوعة الأجر خلال شهر رمضان الكريم الذي بات بالنسبة لعدد كبير من الجزائريين شهر الراحة والنوم والكسل خلال هذا الموسم الديني الفضيل.
نقول هذا خلال رصد “الشعب” ليوميات رمضان بعين تموشنت حيث لا حظنا مختلف المؤسسات المحلية في القطاعات العمومية والخاصة التي من المفروض أن لا تتوقف عن تقديم مختلف الخدمات للمواطن تعيش هي الأخرى حالة شلل كبير الأمر الذي أدى إلى تعطل قضاء انشغالات المواطنين وتأخرها أو تفويت البعض منها خاصة تلك المستعجلة والمحددة بوقت معين.
مس هذا الإهمال حتى شريحة المرضى الذين أجلت معالجتهم إلى ما بعد الشهر الكريم وهو ما دفع إلى خلق موجات كبيرة من التذمر والاستياء لدى العديد من المواطنين.
يستفيد معظم الجزائريين من العطل أكثر مما يجب بالمقارنة مع المجتمعات الأخرى، وباتت هذه الظاهرة السلبية عنوانا ليوميات معظم الجزائريين نظرا لكثرتها، ويأتي الشهر الفضيل الذي من المفروض أن يكون شهر النشاط والحركة في كلا الوجهتين الدينية الإيمانية من أجل تنمية الرصيد الروحي للصائم بغية تجديد العلاقة بينه وبين الخالق الكريم وتوطيدها والوجهة الدنيوية من جهة أخرى التي تعني بالضرورة القيام بالعمل اليومي بالشكل اللازم والمطلوب وقضاء مختلف الأشغال العالقة وعدم تأجيلها، غير أن ما يحدث مع الجزائريين يكشف عن واقع آخر يميزه شلل تام في بعض المؤسسات والدوائر التي قرر الكثير من عمالها على ما يبدو الاستفادة من عطلة اختيارية.
أحجمت مؤسسات كثيرة بعين تموشنت عن القيام بمختلف أعمالهم التي وجد عمالها وموظفوها في هذه الأماكن لأجل تأديتها مبررين هذا الكسل الكبير والإهمال بشهر رمضان وكأن هذه المناسبة الدينية المباركة هي فرصة للراحة والخمول وهو السلوك السلبي الذي أدى لخلق موجات كبيرة من التذمر والاستياء لدى عدد كبير من المواطنين الذين يقصدون هذه الهيئات والمؤسسات من أجل قضاء انشغالاتهم المختلفة ومصالحهم المستعجلة إضافة إلى تفويت مختلف الفرص عليهم وتأجيل قضاء مسائلهم العالقة في ذات الوقت.
للحديث عن هذا الموضوع ولصعوبة الاقتراب من بعض المؤسسات والهيئات طبعا بسبب غياب المسؤولين في هذا الشهر الفضيل الذين دخل الكثير منهم في عطلة أيضا ارتأينا القيام باستطلاع بسيط نرصد من خلاله انشغالات المواطنين ويومياتهم الرمضانية في ظل هذا الواقع السلبي الذي بات عنوانا رئيسيا لأغلبية الجزائريين في مختلف المناسبات الدينية مثل الشهر الفضيل الذي أضحى عطلة مدفوعة الأجر عند الكثيرين.
“عد بعد شهر رمضان” العبارة الشهيرة
في البداية وخلال الجولة الميدانية التي قادتنا إلى بعض أحياء وشوارع عين تموشنت التقينا مع السيد نبيل 37 سنة أمام إحدى البلديات وهو في حالة تذمر واستياء كبيرة والذي لم يبخل علينا في الكشف عن جزء من اولى يومياته الرمضانية قائلا: “لم اتوقف عن الركض هنا وهناك من أجل إتمام أوراق أحد الملفات” التي طلب بها في عمله في مؤسسة خاصة “غير أني صدمت بإهمال ومبالاة كبيرين”.
توقف نبيل لحظة وأضاف بتنهيدة: “أن أغلب العمال بالبلدية ليسوا في مكاتبهم فإن البعض منهم لا يجيد إلا التفنن في إظهار اللامبالاة والإهمال والتلاعب بالمواطن الذي يلهث في كل مكان من أجل معالجة مختلف مشاكله وانشغالاته ليصطدم في نهاية المطاف بالواقع المر او الكلام المألوف “عد مرة أخرى”.
وحسب نبيل فان الإهمال والتلاعب وسياسة التهرب، سلوك يتبعه عدد كبير من الموظفين بهذه الهيئات المحلية في أوقات السنة العادية فما بالك بشهر رمضان الذي يعد بالنسبة لهم عطلة ليضيف المتحدث أن الغالبية من العاملين والموظفين بمختلف المؤسسات المحلية والرسمية الذين من المفروض أن يكونوا في خدمة المواطنين وتسهيل عملية حصولهم على مختلف الأوراق التي هم في حاجة إليها يتحججون بشهر رمضان الفضيل والتعب والإرهاق في شهر الصيام لاسيما في هذه الأيام الصيفية الحارة.
الانتظار لساعات طويلة.. المسؤول غائب
هو السيناريو نفسه الذي عاش مختلف تفاصيله السلبية السيد محمد 45 سنة الذي اقتربنا منه ونحن متواجدون بإحدى المديريات وهو بصدد استخراج احدى الوثائق التي كان في حاجة ملحة ومستعجلة لها أخبره الموظف أن عليه العودة بعد ربع ساعة للحصول عليها. محمد أكد لنا أنه وبعد عودته في الوقت المحدد فوجئ بذات الموظف يطلب منه الانتظار حتى يدخل رئيس المصلحة المخول بالإمضاء الذي على ما يبدو لم يدخل مكتبه بعد رغم أن الساعة كانت تشير إلى الحادية عشرة والنصف ، ما يعنى أنه كان من المفروض أن يكون في مكتب الدوام.
لكن المسؤول متغيب والموظف لا يبالي ويطالب المواطن انتظار عدة ساعات أخرى قد تفوت عليه أشياء أخرى وقضاء مسائل أخرى عالقة خاصة في أيام شهر رمضان حيث تشل الحركة مساء وتتشكل في ذات الوقت حالة ازدحام كبيرة في مختلف الطرقات وهو الأمر الذي جعل محمد مثلا يعيش حالة كبيرة من التذمر والاستياء.
«عُد بعد شهر رمضان” تُقال حتى للمرضى
أما فيما يخص الحديث عن القطاعات الأخرى الحساسة التي وجدت في الأساس من أجل تقديم خدمات اساسية للمواطن كالمؤسسات الصحية العمومية التي اختارت هي الأخرى الدخول في عطلة مدفوعة الأجر وضربت بذلك معاناة المرضى عرض الحائط الذين يدفعهم المرض ووضعهم الصحي غير المستقر إلى اللجوء بالتأكيد إلى هذه الهيئات الصحية والمستشفيات.
غير أنهم وللأسف الشديد كثيرا ما يعودون أدراج الرياح يجرون أذيال الخيبة وراءهم بل إضافة إلى أوجاعهم الجسدية المختلفة التي أنهكت يومياتهم تعتريهم الأمراض النفسية التي لا تقل حدة وألما وربما قد لا تعالج إلا بعد فترات طويلة.
وفي هذا الصدد يكشف الشاب سليم 34 عن جزء غيض من فيض لواقع سلبي تغلغل داخل حياة أغلب الجزائريين على حد سواء. أكد الشاب سليم أنه عندما سارع بنقل زوجته إلى أحد مستشفيات الولاية على إثر حادثة تعرضت لها على مستوى يدها اليمنى تفاجأ بموجة إهمال وتسيب كبيرة من قبل العاملين من ممرضين وأعوان في هذه المصلحة الاستشفائية وما زاد الطين بلة هو غياب الطبيب المعالج الذي على ما يبدو جعله الشهر الكريم يتأخر عن عمله أو يغيب أصلا رغم أنه يعد في حالة عمل بالمستشفى.
وحسب ذات المتحدث لـ«الشعب” فإنه اضطر بعد انتظار طويل لنقل زوجته إلى مستشفى آخر لم يكن حسبه أحسن حالا لكن على الأقل عثر على من يعالج زوجته من الحروق التي أتت على يدها وكادت أن تؤدي إلى ما هو أسوأ.
اضاف سليم في شهادته: “أن أغلب العاملين بهذه المؤسسات الاستشفائية لا يجيدون في النهاية إلا إهمال المريض وهو ما حصل معه عندما أردت رؤية طبيب العظام بأحد المستشفيات حيث طلبت مني الممرضة العاملة العودة بعد الأسبوع المقبل”.