يبدو أنّ الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حسم أمره، وقرّر تنفيذ ما وعد به قبل أسابيع عندما كشف بأنّ بلاده بصدد إحداث تغيير عميق على الحضور العسكري الفرنسي في الساحل الإفريقي وتحديدا في مالي، حيث أعلن، الجمعة، أنّ بلاده ستباشر إغلاق قواعدها في شمال مالي بكيدال وتيساليت وتمبكتو خلال الأسابيع القادمة ليكتمل الغلق بحلول مطلع العام 2022، وذلك حتى تركّز جهودها جنوبا حيث تواصل الجماعات الإرهابية سفك دماء الأبرياء واختراق الحدود ونشر الرعب والتهديد، كما قال.
قرار ماكرون لم يحمل في عمومه أيّة مفاجأة، فالرّجل كان قد أعلن الشهر الماضي وبعد ثمانية أعوام من تدخّل عسكري فاشل لم يحقّق ميدانيا أيّة انتصارات تذكر، عن عزمه «ترشيد» الوجود العسكري لبلاده بالساحل الإفريقي، لكن في التفاصيل كان قرار الرئيس الفرنسي يحمل بعض الجديد، إذ أنه لم يعلن عن نهاية صريحة وكليّة لعملية «بارخان» التي تضمّ 5100 عسكري كما كان منتظرا، بل أورد أن فرنسا ستُبقي «على المدى الطويل بين 2500 إلى 3000» رجل في المنطقة مهمتهم الرئيسية هي «تحييد وتفكيك القيادة العليا للتنظيمين الإرهابيين العدوين، «القاعدة وداعش»، فضلا عن دعم قوة جيوش المنطقة.
ويتجلى من خلال قرار ماكرون أنه لا يريد الانسحاب من هذه المنطقة التي يعتبرها كحديقة خلفية لفرنسا، ومنطقة نفوذ تتجاذبها العديد من الدول، وما إعلانه الانسحاب من شمال مالي غير ردّ فعل طبيعي على ما باتت قواته تتكبّده من خسائر مادية وبشرية، وأيضا لتفادي الغضب الشعبي المتنامي بهذه المنطقة ضد الوجود العسكري الفرنسي، لهذا قرّر أن يفرّ بقواته من الشمال ونشرها ّ في الجنوب.
كما يخفي قرار ماكرون رغبته في دفع المجموعة الدولية وجيوش المنطقة لتنخرط في قوّة «تاكوبا» التي يريدها أن تحمل عبء مكافحة الارهاب في الساحل، خاصة وأن الشعب الفرنسي هو الآخر أبدى في أكثر من مناسبة تذمره من المغامرة العسكرية الفرنسية في إقليم غرب إفريقيا الوعر.
فرنسا تدرك جيّدا أنّ وجودها العسكري في الساحل لن يحقّق أي نتيجة تذكر، ومع ذلك فهي مصمّمة على البقاء هناك محتمية خلف الجيوش الأفريقية التي تدفعها برغم قدراتها المادية والتدريبية الضعيفة إلى المقدّمة لتتلقى دائما أقسى الضربات، يبقى فقط على حكومات دول الساحل أن لا تضع كلّ ثقتها في فرنسا التي أثبتت فشلها، فبعد عقد كامل لا يزال حمام الدم في تدفق متواصل بالساحل الافريقي، والارهاب يمدّد مساحته في كلّ الاتجاهات، وأعداد ضحاياه في ازدياد مطرد، إذ قتل أزيد من 7 آلاف شخص خلال سنة 2020، وهي أعلى حصيلة سنوية لضحايا الأعمال الارهابية في الاقليم.