مجانية العلاج مكسب لا رجعة فيه
شدّد الوزير الأول عبد المالك سلال، أمس على ضرورة ضمان الصحة العمومية كسبيل أول لتحقيق العدالة الاجتماعية التي تبدأ بالمساواة أمام قضايا الصحة، مفيدا بأن التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي عرفته بلادنا في السنوات الأخيرة أنتج تحديات يجب رفعها لا سيما فيما تعلق بالتكفل بالأمراض المزمنة والوقاية من الظواهر الوبائية الجديدة، الأمر الذي يستدعي تحسين أداء المرفق العمومي للصحة.
تطرق الوزير الأول لدى إشرافه على الافتتاح الرسمي للجلسات الوطنية للصحة إلى الإمكانيات الضخمة التي وفرتها الدولة الجزائرية منذ بداية الألفية الجديدة، بغية عصرنة مرافق الصحة ورفع قدراتها وتوزيعها بشكل متوازن عبر التراب الوطني ،في خضم بعض الأمراض الجديدة والمزمنة الناجمة عن تطور المجتمع وظروف الحياة على غرار السرطان الذي انتشر بشكل مرعب، ما دفعهم مؤخرا إلى تسخير كل الوسائل للتحكم التدريجي في المرض انطلاقا من التجهيزات اللازمة “مراكز باتنة وسطيف، وعنابة”.
وذكر سلال بالأرقام الصادرة عن منظمة الصحة العالمية التي تبرز حجم نفقات الجزائر المدفوعة للصحة العامة و الخاصة حيث أنفقت سنة 2012 ما يعادل 279 دولار أمريكي لكل مواطن جزائري ، في حين صرفت عام 2013 6 مليار و600 مليون دولار أمريكي للقطاع الصحي كاستثمار عمومي، مضيفا “أن مجانية العلاج مكسب وطني علينا تكريسه و الحفاظ عليه من خلال وضع إطار متجدد يضمن عصرنة التسيير وترشيد النفقات والتحكم فيها وتعميم آليات الدفع عن الغير”.
الدولة عازمة على مواصلة تطوير الصناعة الصيدلانية
وأكد سلال عزم الحكومة على مواصلة مسعاها الرامي إلى تطوير الصناعة الصيدلانية، من خلال تشجيع الاستثمار والشراكة في القطاع الصحي تغطية للحاجيات الوطنية من الأدوية، خاصة وأن هذا النشاط يعد مجالا واعدا لخلق الثروة ومناصب العمل، معتبرا في ذات الوقت أن إصلاح قطاع الصحة وتطويره يمر بالضرورة عبر عنصرين أساسيين يتمثلان في”وضع المواطن والمريض في قلب تصورنا للمنظومة الصحية والوقائية الوطنية، مع الاهتمام بالعنصر البشري الطبي والشبه الطبي والمسيرين لأنهم هم من سيجسد على أرض الواقع نظرة الجزائر المستقبلية للصحة”.
القطاع الخاص شريك مهم في المنظومة الوطنية الصحية
ويرى الوزير الأول إجبارية تغيير النظرة تجاه القطاع الخاص وعدم التمييز بينه وبين نظيره العمومي، باعتباره شريكا مهما في المنظومة الوطنية للصحة، وهذا لا يحقق إلا من خلال الاستماع إلى انشغالات العاملين فيه وإشراكهم في صياغة وتنفيذ السياسة الوطنية في مجال الصحة “لابد من مساعدة القطاع الخاص ولقد وجهت تعليمات لمساعدته نظرا لدوره الداعم من خلال الاستثمار في العيادات والمستشفيات”.
وقبل أن يختتم سلال كلمته غازل أصحاب البدلة البيضاء بطريقته الخاصة قائلا: “أنتم نخبة ولكم دور كبير في تقدم المجتمع الجزائري، قضية الصحة إنسانية قبل كل شيء وليست قضية نفقات وإمكانيات مالية بل تنظيم وجدوى الأداء، حان الوقت لكي تصبح الخدمة الصحية الوطنية على مستوى الجمهورية وسنعتني بكم شريطة الحفاظ على صحة المواطن الجزائري”.
تجدر الإشارة إلى أن توصيات هذه الجلسات ستشكل القاعدة التي ستعتمد عليها الحكومة في صياغة قانون جديد يحدد معالم المنظومة الوطنية الصحية في السنوات المقبلة، ويؤطر نشاطاتها وأساليب التسيير بما يضمن للمواطنين تغطية صحية وخدمات عمومية في مستوى المعايير الدولية لذات المجال.
وتأتي الجلسات الوطنية للصحة لتحقيق جملة من الأهداف على غرار إشراك مختلف الجهات الفاعلة وكذا العاملين في مجال الصحة لتحديد سياسة صحية جديدة، ومناقشة العراقيل والصعوبات ذات الطابع القانوني والتنظيمي التي تواجهها المرافق، مع تعزيز الإطار القانوني المنظم لسياسة الدواء والمواد الصيدلانية تصنيعا واستيرادا وتوزيعا.
وتسعى الحكومة الجزائرية من خلال تنظيمها هذه الجلسات إلى تثمين وتركيز الموارد المالية عن طريق تنظيم جديد مبني على إعادة هيكلة الخريطة الصحية في إطار نظرة شاملة تدرج مبادئ الحكم الرشيد والاستثمار في العنصر البشري، وتشجيع استخدام الأنظمة المعلوماتية الحديثة، إضافة إلى مناقشة السبل التي من شأنها ضمان التوازن في توفير عرض خدمات العلاج ذات النوعية في المناطق الريفية المعزولة ومناطق السهوب والهضاب العليا والجنوب، والتأكيد على أهمية القطاعات الأخرى في تحسن نوعية الخدمة الصحية وتعزيز دورها في توفير خدمات صحية أرقى من جهة، ودعم أساس المنظومة الصحية والتفكير في طرق ووسائل أنجع لتطوير البحث العلمي من جهة أخرى.