تجاوزت أضرار فيروس كورونا البشر لتشمل الاقتصاد من خلال تراجع أسعار النفط بشكل كبير، إذ انخفضت الأسعار إلى حدود 57.33 دولارا لبرميل «برنت»، أمس، (52.23 دولارا لبرميل الوسيط الأمريكي).
هذا الوضع زاد من أزمة الاقتصاد العالمي الواقع تحت ركود يستمر منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 وتزايدت في منتصف 2014 بانهيار أسعار المحروقات بوتيرة أدت إلى إحداث اختلال عميق، قبل أن تلقي منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) رفقة شركائها من كبار المنتجين بقيادة روسيا جسور إعادة التوازن ولو نسبيا عن طريق اتفاق خفض الإنتاج الذي أرسيت دعائمه في اجتماع الجزائر، في سبتمبر 2016.
في هذا الإطار، يجدر التذكير بأن وزير الطاقة ورئيس مؤتمر منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، محمد عرقاب، كشف عن وجود تفكير معمق حول تخفيض إضافي ثان لإنتاج النفط من طرف مجموعة «أوبك+»، وذلك خلال الفترة ما بين فيفري الجاري وجوان المقبل لإضفاء التوازن على السوق و دعم الأسعار التي تتطلب جدواها أن تصل إلى معدل 75 /80 دولارا لتكون لها المردودية التي تأملها البلدان النفطية، مما يعطي حتما الدفع المطلوب لبعث استثمارات جديدة في مختلف فروع الصناعة البترولية، خاصة الاستكشاف والتنقيب والتحويل.
لذلك تبذل الجزائر وتكثف الاتصالات لمرافقة مسار( أوبك +) نحو انجاز الأهداف المسطرة في ورقة الطريق لحماية السوق من الانهيار بشكل يحفظ مصالح المنتجين والمصدرين والبلدان المستهلكة، كون النفط هو العمود الفقري للاقتصاد العالمي ومن ثمة المطلوب، اليوم، تكاتف جهود شركاء السوق من كبار البلدان الصناعية، خاصة لمساعدة الجهود المبذولة تجاه كبح انتشار فيروس كورونا بحيث توفر الحماية للبشر، وكذا للنمو الاقتصادي المتثاقل.
للإشارة، تناول الاجتماع الأخير للجنة الفنية لـ«أوبك» بفيينا تقريرا حول تأثير فيروس كورونا على معادلة الطلب والأسعار في أسواق النفط وتم التأكيد على تمديد اتفاق خفض الإنتاج الساري بحجم 500 ألف برميل ليصل إجمالي التخفيض 1.7 مليون برميل يومي إلى نهاية السنة.
تحرك منظمة الصحة العالمية لقيادة الجهود الدولية أصبح أكثر من ضرورة كون الصين بحد ذاتها تعد محرك الاقتصاد االعالمي، ومن ثمة أي تعطيل لأي فرع كالنقل الجوي أو السياحة، وما بالك بالنفط يلحق ضررا كبيرا بباقي البلدان المنتجة أو المستهلكة.
ضمن هذا المشهد، يتأكد مجدّدا خيار التوجه الجديد والحتمي للاقتصاد الجزائري عبر مسعى التحول الطاقوي المتدرج والمتبصر من بوابة الطاقات المتجددة التي تلوح في الأفق، استنادا لعرقاب، مشاريع شراكة مع مبادرة ديزرتك في أفريل القادم بإبرام مذكرة تفاهم بين مجمع «سونلغاز» «ديزرتك» الصناعية لطاقة الصحراء تشمل المجالين التقني والتكويني.
من شأن هذا التوجه أن يعطي نفسا لمسعى الانتقال الطاقوي الذي يستلزم إدراجه ضمن مقاربة اقتصادية شاملة تقحم الجامعات والمعاهد لمرافقة المسار بحيث يتم في نفس الوقت كسب رهان اقتصاد في النفقات وتقليص في الآجال للخروج من دائرة التنظير والأمل إلى التجسيد والممارسة.
هذا المسعى المصيري، الذي لا يمكن انجازه في فترة وجيزة وبأريحية بالنظر لشدة الظرف المالي وتحديات التنمية ضمن الأفق الراهن الحامل لانشغالات وتطلعات تستدعي إيرادات خارج النفط وخارج المنظومة الضريبية التقليدية، ليس على عاتق قطاع بعينه أو مؤسسة لوحدها وإنما يعني كافة المتدخلين في الساحة الاقتصادية سواء بالحرص على تطبيق مقاربة اقتصاد استهلاك الطاقة أو إدماج بعد الطاقات المتجددة في المشاريع الجديدة، بدءا بقطاع البناء والسكن والمنشآت الكبرى والسياحة في الجنوب والهضاب العليا.
حقيقة يبقى النفط قاطرة النمو ومصدر الدخل بالعملة الصعبة ومن ثمة يستحق كل الاهتمام بمعايير حديثة مطابقة لأهداف ترشيد النفقات والرفع من الأداء بتحسين الإنتاجية والرفع من نسبة الاندماج الصناعي المحلي لتوفير ما أمكن من السيولة بالعملة الصعبة، غير أن قطاعات أخرى مطالبة، اليوم، بتقليص العبء على المحروقات بإرساء بنية هيكلية تحقق إيرادات لها مثل: السياحة والخدمات وفروع الذكاء الصناعي، التي تتوفر على عناصر النمو بأقل كلفة وفي وقت مقبول، كما أن استثماراتها ليست ثقيلة.