حملت زيارة فايز السراج رئيس مجلس حكومة الوفاق الوطني الليبية والوفد المرافق له، أول أمس، إلى بلادنا دلالات سياسية لها قيمتها في المرحلة الحساسة، وتكشف عن التوجه الجديد للدبلوماسية الجزائرية التي يريدها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون فاعلة ومؤثرة إقليميا ودوليا، متحركة، سريعة المبادرة في دوائرها السياسية محتلّة أولى الصفوف.
تضاف إلى هذه المقاربة التي تعيد للدبلوماسية الجزائرية قوتها وفعاليتها، زيارة وزير الخارجية التركي أوغلو إلى بلادنا وكذا المكالمة الهاتفية التي أجرتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع الرئيس تبون، كاشفة عن تطابق وجهات النظر بين البلدين بخصوص الأوضاع الراهنة والتطورات الخطيرة في البلد الجار الذي تحاول أطراف داخلية فيه وخارجية تحويله إلى ساحة حرب تدار بالوكالة، مكرّرة ما يجري في الضفة العربية الشرقية التي أفضت إلى فوضى عارمة وحالة سياسية وإنسانية مفتوحة على كل الأخطار.
من خلال هذه القنوات الدبلوماسية، أسمعت الجزائر صوتها عاليا وأظهرت موقفا مبدئيا ثابتا تجاه القضايا الساخنة في المنطقة المغاربية الشرقية، التي تحولت في ظل تناحر الأطراف الليبية ومؤامرات الخارج، إلى بؤرة توتر تغذي الشبكات الإرهابية والجريمة المنظمة، وتوسع دائرة العنف الى الساحل الافريقي، الذي بدوره يعرف هشاشة وتمزقا جراء الوضع الجيو سياسي المضطرب.
ذكّرت الجزائر، التي احتضنت من قبل جولات الحوار الليبي ورافقت مسار التسوية السياسية المعتمدة على الحوار الشامل بعيدا عن لغة السلاح وتدمير الذات، بأنها معنية بالحفاظ على الأمن في ليبيا ووحدتها الترابية والشعبية، حيث قال الرئيس تبون حاسما «إن بلادنا أولى باستقرار البلد الجار أحب من أحب وكره من كره».
من هنا يفهم لماذا ترفض الجزائر أي تدخل أجنبي في ليبيا، وترى أن هذا الخيار يعمق الجرح ويزيد البلاد نزيفا ويعيق مسار الحوار المفضي إلى حل سياسي تعلق عليه الآمال في بناء دولة المؤسسات التي يجد فيها الليبي كامل العناية والاعتبار ويرى نفسه طرفا مهما في معادلة السلم، لا يشعر فيها بالتهميش والإقصاء.
عودة الدبلوماسية الجزائرية إلى الواجهة وإصرارها على لعب دور الشريك الكامل في تسوية نزاعات على حدودها فرضت تدابير أمنية خاصة وطوارئ، لا تسمح بالاختراق، تحمل مقاربة بديلة غايتها لم شمل الأطراف الليبية وإقناعهم بجدوى الحوار على التصعيد. وهي مقاربة وجدت الصدى الإيجابي من عواصم تدرك ثقل الجزائر وأهميتها في حل القضايا الساخنة وسد فجوات مفتوحة بالقارة السمراء والعالم العربي. ومثال على ذلك دعوة ألمانيا الجزائر إلى المشاركة في قمة برلين حول ليبيا والتي تراهن على حل سياسي عاجل فيها قبل فوات الأوان.