قواعـد جديــدة كفيلــة بضمــــان شفافيـة الاقــتراع المصــــيري والديمقراطيـــة
تعليمـات للحكومــة لوضـع الوسائـل الماديــة واللوجيستيــة تحضـيرا للمـوعد
ترأس عبد القادر بن صالح، رئيس الدولة، أول أمس، بالجزائر العاصمة، اجتماعا لمجلس الوزراء، حسب بيان لرئاسة الجمهورية.
وفي مستهل هذا الاجتماع ألقى بن صالح كلمة، تلتها مداخلة قدّمها الفريق أحمد ڤايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي وعرض للوزير الأول، نور الدين بدوي، حول النشاط الحكومي.
استهل مجلس الوزراء جدول أعماله بالـمصادقة على مشروع تمهيدي لقانون عضوي يتعلق بالسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، قدمه وزير العدل، حافظ الأختام.
وجدير بالإشارة أن الـمشروع التمهيدي لهذا القانون العضوي، الذي يهدف إلى إنشاء سلطة وطنية مستقلة للانتخابات، قد أعد على أساس المقترحات الـمقدمة من طرف الهيئة الوطنية للحوار والوساطة، والتي توجت مسار الحوار الذي أجري مع الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية وممثلي الـمجتمع الـمدني.
كما تجدر الإشارة إلى أن الـمشروع التمهيدي لهذا القانون العضوي يوكل للسلطة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات، الـمهام التنظيمية الـمنوطة حتى الآن بالإدارة. وبهذه الصفة، سيؤول لها التكفل بأداء كل العمليات الـمرتبطة بالانتخابات ابتداء من استدعاء الهيئة الناخبة إلى غاية الإعلان النهائي عن النتائج. ولتحقيق ذلك تقع عليها مسؤولية مسك البطاقية الانتخابية وتنظيم كل العمليات الـمرتبطة بها.
وعليه وضعت كل اللجان الانتخابية تحت سلطة هذه الهيئة الـمستقلة، التي ستتولى أيضا الإعلان عن النتائج الـمؤقتة للانتخابات بدلا وفي محل إدارة الداخلية.
كما من الـمعلوم أن هذه الهيئة مدعوة للتدخل في كل التراب الوطني من خلال فروعها على مستوى الولايات والبلديات والدوائر الانتخابية ولدى جاليتنا الـمقيمة في الخارج.
من أجل تسييرها، ستتوفر هذه الأخيرة على ميزانية تسيير خاصة وستتولى ضمان إعداد ميزانية الانتخابات وتنفيذها، مثلما ستتوفر على إدارة مستقلة في تنظيمها وعملها وقانون أساسي لـمستخدميها.
فضلا عن ذلك، فإن التشكيلة البشرية للسلطة الوطنية الـمستقلة لتنظيم الانتخابات، من شأنها أن تسمح بإرساء استقلالية تامة وحرية كاملة لهذه المؤسسة الجديدة، من خلال طريقة انتقاء أعضائها، من ممثلي المجتمع المدني والأسلاك الاجتماعية الـمهنية، والقضاة ومساعدي العدالة، التي تعتمد على الانتخاب من طرف النظراء كقاعدة عامة.
من جهة أخرى، وقصد ضمان الشروع في مسار الإنشاء الأولي لهذه الهيئة المستقلة، ستتولى شخصية وطنية مستقلة تحظى بالإجماع، مهمة التكفل حصريا، بوضع هذه الهيئة، على أن تنتهي هذه مهمتها باستكمال مسار الإنشاء.
وجدير بالذكر أن طريقة اختيار أعضاء هذه الهيئة، معززة بالشروط الواجب استيفاؤها، بما يضمن حيادا تاما للأعضاء، من شأنها أن تسمح لهؤلاء الأعضاء بممارسة كاملة للصلاحيات الواسعة التي يخولها لهم المشروع التمهيدي لهذا القانون العضوي، خلال كل مراحل الـمسار الانتخابي.
انتخاب رئيس الجمهورية.. قطع الطريق أمام المغامرين
ولدى تدخله عقب مصادقة مجلس الوزراء على مشروع هذا القانون العضوي، أكد رئيس الدولة بأن هذه السلطة الوطنية الجديدة تشكل استجابة ملموسة لتطلعات شعبنا الذي طالب، بصفة سلمية، بتغيير عميق لنظام الحكامة، يقوم على أساس قواعد جديدة تتسم بالحياد والشفافية والإنصاف، وللطبقة السياسية فيما يخص وضع قواعد جديدة كفيلة بضمان شفافية الإنتخابات وتكريس الـمسار الديمقراطي، بغرض تمكين الشعب من الإدلاء بصوته بكل حرية خلال الاستشارة الانتخابية القادمة، لانتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي قطع الطريق أمام الـمغامرة والـمبشرين بها.
واغتنم رئيس الدولة هذه الـمناسبة، لتوجيه نداء إلى القوى السياسية وممثلي الـمجتمع الـمدني والشخصيات الوطنية، لحثهم على مواصلة الحوار والـمشاورات، من أجل تنصيب الهيئة المستقلة، كما ينص على ذلك الـمشروع التمهيدي للقانون العضوي.
وقد أشار إلى أن هذا الـمسعى الذي يعد غاية في الأهمية، سيسمح، في الآجال الـمناسبة، بتنظيم الانتخابات الرئاسية الكفيلة وحدها بتمكين البلاد من الخروج من حالة اختلال الاستقرار السياسي والـمؤسساتي والحيلولة دون السقوط في فخ الفراغ الدستوري وغياب الدولة.
ولهذا الغرض، أسدى رئيس الدولة تعليمات إلى الحكومة لوضع كل الوسائل الـمادية واللوجيستيكية وكافة أشكال الدعم، تحت تصرف السلطة الـمستقلة الجديدة، حتى تتمكن من تنظيم الاستشارة الانتخابية القادمة، في أحسن الظروف.
مشروع قانون حول نظام الانتخابات
بعد ذلك، صادق مجلس الوزراء على مشروع القانون الـمعدل والـمتمم للقانون العضوي رقم 16 ـ 10 الـمؤرخ في 22 ذي الحجة عام 1437 الـموافق 25 أوت سنة 2016، والـمتعلق بنظام الانتخابات، الذي عرض من قبل وزير العدل، حافظ الأختام.
وجدير بالذكر أن هذه الـمراجعة التشريعية التي ترمي إلى إدماج مختلف الاقتراحات الـمقدمة من قبل الطبقة السياسية، والشخصيات الوطنية وممثلي الـمجتمع الـمدني، والتي جمعتها الهيئة الوطنية للحوار والوساطة، تأتي لتكييف المنظومة التشريعية الـمتعلقة بنظام الانتخابات مع الأحكام الجديدة للمشروع التمهيدي للقانون العضوي المتعلق بالسلطة الوطنية الـمستقلة للانتخابات، وتوفير كل الضمانات الكفيلة بجعل نظامنا الانتخابي يستجيب لكل متطلبات الحياد والشرعية والشفافية.
ومن أهم التعديلات التي تضمنها المشروع التمهيدي للقانون العضوي، يجدر ذكر استحداث البطاقية الوطنية للناخبين التي سيتم مسكها حصريا من قبل السلطة الجديدة الـمستقلة للانتخابات.
كما ستتكفل هذه الهيئة بضبط القوائم الانتخابية البلدية والـمقاطعات الدبلوماسية أو القنصلية ومراجعتها بصفة دورية، عن طريق لجان لـمراجعة القوائم الانتخابية توضع تحت سلطتها وتتولى تعيين أعضائها.
وستضطلع السلطة الـمستقلة كذلك بمهمة إعداد وتوزيع كل الوثائق الانتخابية، بما في ذلك بطاقات الناخبين.
كما ستخول إلى السلطة الـمستقلة صلاحية توزيع الناخبين عبر مكاتب ومراكز التصويت وإنشائها تعيين أعضائها.
وينص التعديل على عدم إمكانية تأخير ساعة افتتاح الاقتراع التي تبدأ على الساعة الثامنة صباحا أو اختتامه على الساعة السابعة مساء.
وتخول لرئيس السلطة المستقلة صلاحية اتخاذ نصوص تنظيمية وإمكانية التماس تسخير مصالح الأمن، عند الاقتضاء، أثناء العملية الانتخابية.
تخفيف شروط المشاركة في الاقتراع الرئاسي
كما يتضمن المشروع التمهيدي للقانون العضوي تدابير تندرج في إطار تخفيف شروط الـمشاركة في الانتخابات الرئاسية لاسيما إلغاء شرط التزكية من قبل 600 منتخب كحد أدنى، وكذا تقليص عدد التوقيعات الفردية للناخبين التي يتعين على الـمترشح للانتخابات جمعها من 60.000 إلى 50.000 توقيع عبر 25 ولاية على الأقل مع تخفيض العدد الأدنى للتوقيعات الـمطلوبة بالنسبة لكل واحدة من الولايات المعنية من 1500 إلى 1200 توقيع، فضلا عن ذلك يُلزم الـمترشحون للانتخابات الرئاسية بتقديم شهادة جامعية.
كما ينص المشروع التمهيدي للقانون العضوي على أن ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية يتم إيداعها لدى السلطة الـمستقلة للانتخابات التي تفصل في الترشيحات قبل إحالة هذه قراراتها إلى الـمجلس الدستوري للـمصادقة النهائية على قائمة الـمترشحين.
وقد نص التعديل التشريعي على وضع اللجان الانتخابية البلدية والولائية تحت السلطة الـمباشرة للهيئة الـمستقلة الجديدة للانتخابات، التي تتولى فضلا عن ذلك تعيين معظم أعضائها.
علاوة على ذلك، خُولت للسلطة الـمستقلة مهام واسعة في مجال تنظيم الحملة الانتخابية، لاسيما فيما يخص التوزيع العادل لـمواقيت التدخل عبر مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية، حيث يجب عليها بهذه الصفة أن تسهر، بالتنسيق مع سلطة ضبط السمعي البصري، على ضمان احترام الأحكام التشريعية ذات الصلة.
وعقب المصادقة على مشروع هذا القانون العضوي من قبل مجلس الوزراء، حرص رئيس الدولة على التعبير عن شكره لأعضاء هيئة الحوار والوساطة على الـمشاورات التي أجروها، في ظروف صعبة في أغلب الأحيان، والتي أفضت إلى ضبط وصياغة جملة من التعديلات الرامية إلى مراجعة وتكييف نظامنا الانتخابي بما يسمح بإجراء انتخابات رئاسية تستوفي شروط الـموضوعية والحياد والشفافية، وهي الاقتراحات التي أدرجت ضمن مشروعي القانونين العضويين اللذين صادق عليهما مجلس الوزراء هذا اليوم، دون إدخال أي تعديلات جوهرية.
كما أكد رئيس الدولة أنه على إثر مصادقة مجلس الوزراء على الـمشروعين التمهيديين لهذين القانونين، ينبغي أن تتجند السلطات العمومية وكافة الفاعلين في الساحة الوطنية من أجل تنظيم الانتخابات الرئاسية في الآجال الـمطلوبة، على أن تعطى الأولوية القصوى للقيام دون تأخير بتنصيب الهيئة الوطنية الـمستقلة للانتخابات، فور الـمصادقة على الـمشروعين التمهيديين للقانونين العضويين من قبل البرلـمان بغرفتيه.
ومن شأن الـمشروعين التمهيديين لهذين القانونين العضويين أن يسمحا بتوفير الضمانات اللازمة لتنظيم انتخابات رئاسية لا جدال فيها، في الآجال الـمحددة وفي جوّ يطبعه الهدوء والتفاهم وهو السبيل الدستوري الوحيد والحل الديمقراطي الـمعقول لتمكين البلاد من الخروج من هذه الأزمة.
المشروعان التمهيديان للقانونين العضويين استجابة أولى لتطلعات شعبنا الـمشروعة، لكي يتسنى له بكل سيادة وحرية وشفافية، اختيار الشخصية التي يفوض لها مهمة قيادة مسار التغيير والاستجابة لباقي الـمطالب الشعبية الـمشروعة.
قرارات حول المناصب والوظائف
اختتم مجلس الوزراء دراسة جدول أعماله بالمصادقة على قرارات فردية متعلقة بالمناصب والوظائف العليا في الدولة.
وفي ختام أشغال مجلس الوزراء، ألقى بن صالح كلمة توجه فيها بالشكر لأعضاء الحكومة على إسهاماتهم وملاحظاتهم التي أثرت النقاش.
إننا باعتمادنا نصي المشروعين قد وصلنا إلى مرحلة مفصلية من المسار السياسي التي ستمهد بدورها الطريق لإجراء انتخابات رئاسية تستوفي شروط الشفافية والانتظام مما يلبي أحد المطالب الأساسية للشعب الجزائري.
وبناء عليه، أعتبر أن الظروف تسمح بتضافر الجهود تمهيدًا لموعد الشعب مع استحقاق وطني حاسم، سيمكنه من انتخاب الرئيس الذي يتوسم فيه الكفاءة والشرعية اللازمتين لتحقيق تطلعاته للتغيير، وتلبية مطالبه المشروعة وتجسيد الإصلاحات المنشودة التي ما فتئ ينادي بها.
وفي نفس السياق، أدعو جميع المسؤولين إلى مواصلة مساعيهم ومضاعفة جهودهم والتحلي باليقظة المطلوبة في المرحلة المقبلة حتى يتسنى ضمان السير العادي للعملية الانتخابية التي ستمكن بلدنا من استعادة هيبة الدولة وإضفاء الشرعية الكاملة على مؤسساتها».