أفق جديد

سعيد بن عياد
25 جوان 2019

أي معنى للتغيير إذا لم يكن له مغزى التحسين والتطوير والنّجاعة؟ سؤال ينبغي أن يتوقف عنده المجتمع بكافة شرائحه، وإدراك مسارات التحولات تفاديا للوقوع في متاهات سوف تكون كلفتها باهظة، ولن تتحمّلها الأجيال، في وقت تشتد فيه الضائقة المالية وتتقلص مساحات المبادرة الاستثمارية.
الوضع الراهن تتقاطع فيه مطالب «الحراك» الداعية للتغيير الشامل، بالنظر لتراكمات المرحلة السابقة التي طبعها الفساد بشكل تجاوز التوقعات، إلى درجة كشفت عن بوادر خطر محدق بمستقبل البلاد وتعريضها لإفلاس وشلل يخدم القوى التي تتربص بمقدراتها، وتسعى إلى تحييد دورها الإقليمي كعامل استقرار وتنمية.
في هذا الخضمّ تبقى الآلة الاقتصادية، بكافة مكوّناتها، من مؤسسات، رجال أعمال احترافيين، مستثمرين ورؤساء مؤسسات ودوائر حكومية تعنى بالاستثمار والنمو بكل جوانبه الاقتصادية والاجتماعية، في واجهة المشهد بالنظر لثقلها في الحفاظ على وتيرة النشاط ومنه بالأخص استقرار عالم الشغل.
وكانت الديناميكية الاحتجاجية التي انطلقت في 22 فيفري الماضي تحت شعار مطالب سياسية تحقق الجانب الأكبر منها، قد تفطّنت مبكرا لدعوات استهداف المنظمة الاقتصادية، وكان الرد بعدم الاستجابة الصريحة لدعوات تعطيل المؤسسات أو كسر وتيرة النشاط على ما فيه من تراجع وتباطؤ نتيجة ارتدادات «الحراك»، تتقدمها ملفات الفساد المالي والاقتصادي والإداري.
المؤشر الجدير بالتوقف عنده اليوم، أن هناك وعي واسع بأنّ الحرص على حماية أدوات الإنتاج وصون وسائل الانجاز وتأمين وتيرة العمل على كافة المستويات وفي كل القطاعات هو التحدي الأول والأخير، فيستوجب الرفع من الأداء بالموازاة مع إعادة ترتيب الجهاز الاقتصادي من الجوانب المناجيريالية والتنظيمية.
لكن يبقى العمل المطابق لمعايير الجودة والإتقان وحده المصدر الخلاق للثروة، وإنتاج القيمة المضافة التي يعود إليها في الأخير الدور الحاسم في الأسواق المحلية والخارجية، وبذلك يتطلب مواكبة حاجيات المؤسسة الاقتصادية العمومية منها والخاصة التي لا تشوبها شائبة، من خلال اعتماد مقاربة تنافس الكفاءة التي تعيد الاعتبار للموارد البشرية، باعتبارها الحلقة الحيوية في إعادة تنشيط مسار النمو.
هذا الأخير، بل الأول في ترتيب الخيارات التي تستوجب تحقيق إجماع حولها، هو المفتاح الذي يقود إلى أفق جديد يوفر العناصر القاعدية لبناء نظام جديد يستوعب التطلعات التي يعبر عنها المواطنون، والتي تصنف على نفس الدرجة من الأهمية، بحيث تكون البنية الاقتصادية القاعدة المتينة للتوجهات السياسية التي يراهن عليها في إرساء منظومة متكاملة ومنسجمة، عنوانها السيادة الوطنية بمفهومها الشامل، سياسيا بانتخاب مؤسسات شعبية في ظل الهدوء  ووضوح الرؤية واقتصاديا بتحير المبادرة في ظل التنافس النزيه.
إنّ إغفال التداعيات الاقتصادية للوضع الراهن يندرج في إطار محاولة الالتفاف على الحقيقة، خاصة وأن عملية مكافحة الفساد أخذت بعدا وطنيا وتتّجه إلى كافة القطاعات بلا استثناء، وينبغي أن تتبعها حركية اقتصادية نشيطة تحقق الأهداف المسطرة على مسار التنمية، خاصة وأن للجزائر ما يساعد على تحقيق هذا الهدف الحيوي. 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024