تسلّط الضوء على الذاكرة الثقافية

شافـــــــــــــــع تــــــــــــــدرس صـــــــــورة المـــــرأة في الأمثال الشعبية

فاطمة الوحش

 

تُسلّط الدكتورة نصيرة شافع بلعيد في كتابها «صورة المرأة في المثل الشعبي الجزائري بين الإيجاب والسلب»، الصادر حديثًا عن دار «الماهر للطباعة والنشر والتوزيع»، الضوء على واحدة من أكثر القضايا حضورًا في الذاكرة الثقافية الشعبية، من خلال دراسة معمّقة لصورة المرأة كما تعكسها الأمثال المتداولة في المجتمع الجزائري..

لا يكتفي الكتاب برصد هذه الصورة، بل يغوص في تحليل أبعادها الاجتماعية والتاريخية والدينية، كاشفا عن التناقضات التي تطبع هذا الخطاب الشعبي، بين تقدير المرأة في بعض المواضع، والحطّ من شأنها في مواضع أخرى. في هذا العمل، تضع الكاتبة الأمثال تحت المجهر، باحثة في دلالاتها وسياقاتها، وفي ما إذا كانت هذه الصورة الموروثة ما تزال تفرض حضورها في الوعي الجماعي إلى اليوم.
يتناول الكتاب الأمثال الشعبية بوصفها أحد أشكال التعبير الشفهي التي تعكس العقل الجمعي، حيث يُوظّف هذا التراث في تشكيل صورة اجتماعية للمرأة عبر العصور..يبدأ العمل برصد الخلفيات التاريخية والدينية التي ساهمت في بناء هذه الصورة، مع التركيز على التحوّلات التي طرأت عليها بين ما قبل الإسلام وما بعده. وتبرز الكاتبة، في هذا السياق، كيف لعبت الثقافة الأبوية والعادات المترسّخة دورا كبيرا في تثبيت نماذج معينة للمرأة، سواء على مستوى الأسرة أو الفضاء العام.ويخصّص الكتاب حيّزا واسعا لتحليل الصورة السلبية للمرأة في الأمثال، حيث تظهر في كثير منها مرتبطة بصفات مثل المكر، النميمة، التسلّط أو الجهل. وتُستعرض هذه الصورة عبر تمثيلات المرأة كزوجة، كنة، أو حماة، كما يتم ربطها بسياقات العنف الرمزي والاجتماعي الذي يُمارس ضدّها باسم التقاليد. ترى الكاتبة أنّ هذه الصور لم تكن عفوية، بل نتيجة بناء اجتماعي وثقافي قائم على تراتبية السلطة داخل الأسرة والمجتمع، وغالبًا ما تُعيد إنتاجها النساء أنفسهنّ في سياق تعلّمي لا واع.
وفي المقابل، لا يغفل الكتاب عن الجانب الإيجابي في تمثلات المرأة، حيث تتجلى بعض الأمثال في صورة تكريمية للأم والجدة والعمة، من خلال صفات مثل الحنان، الحكمة، الصبر، والعطاء. تشير الكاتبة إلى أنّ هذه الصورة الإيجابية، وإن وُجدت، فإنّها في الغالب تُسند إلى المرأة في أدوارها التقليدية فقط، ممّا يعكس نوعا من القبول المشروط لمكانتها، ويتطلّب قراءة نقدية لحدوده ومضامينه.
وفي ختام الكتاب، تطرح الدكتورة نصيرة شافع بلعيد مقارنة شاملة بين تمثلات المرأة الإيجابية والسلبية، محاولةً فهم الخلفيات التي أنتجتها، وتأثيرها على صورة المرأة في المجتمع الجزائري المعاصر. كما تطرح تساؤلات حول مدى قدرة هذا الخطاب الشعبي على مواكبة التحولات الاجتماعية، خاصة في ظلّ التغيّرات التي طرأت على وضع المرأة ومشاركتها في الحياة العامة.
يكتسب هذا العمل قيمة إضافية بالنظر إلى الخلفية الأكاديمية لمؤلفته، الدكتورة نصيرة شافع بلعيد، وهي أستاذة محاضرة في قسم اللغة والأدب العربي بكلية الآداب واللغات بجامعة أبي بكر بلقايد في تلمسان، الجزائر. لها باع طويل في البحث العلمي، وأشرفت على دراسات متنوعة في مجالات تحليل الخطاب وتعليمية اللغة والأدب المقارن، من بينها دراسات تداولية وتحليلات نصية للخطاب الجامعي. وتتميّز أعمالها بجمعها بين الدقّة الأكاديمية والرؤية النقدية، ممّا يجعل كتابها هذا مساهمة نوعية في تفكيك الموروث الشعبي وفهم تمثلات المرأة داخله، بين الامتداد التاريخي والواقع المعاصر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19734

العدد 19734

الثلاثاء 25 مارس 2025
العدد 19733

العدد 19733

الإثنين 24 مارس 2025
العدد 19732

العدد 19732

الأحد 23 مارس 2025
العدد 19731

العدد 19731

السبت 22 مارس 2025