تعجّ الزاوية التجانية بتماسين في ولاية توقرت (600 كلم جنوب شرق الجزائر العاصمة)، مع بداية شهر رمضان الفضيل من كل عامٍ، بالزائرين من كل أنحاء الوطن، ومن جنسيات مختلفة حول العالم، وسط نفحات إيمانية تطبعها أجواء روحانية نابعة من مسجد سيدي الحاج علي التماسيني ومقامه الشريف، لتُضفي على المشهد طابعًا شديد الغبطة والانشراح في واحدة من أكثر المزارات الدينية السياحية شهرةً وإقبالاً في قلب الصّحراء الجزائرية المهيبة.
مع حلول شهر رمضان الكريم، يسعى كثير من الناس إلى التردد على الجوامع والمساجد لأداء واجب الصلوات الخمس، وقيام صلاة التراويح، وقضاء أوقات مفعمة بالذكر وتلاوة القرآن فردياً، وفي حلقات جماعية متناسقة، لاسيما في بيوت العبادة التي لها اسمها وتاريخها الحضاري العريق، على غرار الزاوية التيجانية ومسجدها العامر في تماسين بولاية توقرت.
وتتزيّن زاوية تماسين ومسجدها العتيق، والشوارع المؤدية إليها والمجاورة لها وسط واحة نخيل جاذبة للأنظار، في رمضان المعظّم، بالأنوار وأنواع الزينة والفوانيس المختلفة، تنتشر أكثر في صحن المسجد وساحاته، وقرب مقام الشيخ سيدي الحاج علي التماسيني، التي تزيد رونق المشهد الروحاني نفحات فريدة من نوعها على البقعة البهيّة، دائمة المزار من المريدين والمحبّين القادمين من كافة ولايات الوطن وحتى من قارة إفريقيا.
وقال التجاني أحمد، وهو ناشط جمعوي ورئيس مكتب ولائي للجمعية الوطنية “العطاء”، أن رمضان في زاوية تماسين يحمل طابعًا روحانيًا مميزًا، حيث تبدأ التحضيرات له قبل حلوله بأسابيع، بالاستعداد الروحي، وتحضير الأماكن المخصّصة للصلاة والذكر والعبادة، بالإضافة إلى معاينة الأطفال الذين بلغوا سنّ الصيام لتشجيعهم على أداء هذه الفريضة.
وأوضح أحمد في تصريح خصّ به “الشعب”، أن التحضير لرمضان الكريم في الزاوية يتضمن حدثا بارزا يتمثّل في سرد صحيح البخاري، الذي ينطلق منذ شهر رجب تحت إشراف الخليفة الشيخ سيدي محمد العيد التجاني التماسيني، ويستمر حتى يُختتم في ليلة القدر المباركة في احتفال بهيج يجمع أهل العلم والمريدين ومرتادي الزاوية والمسجد.
وتابع بالقول: “مع بداية الشهر الفضيل، تنطلق الأجواء الروحانية صباحًا بقراءة الحديث النبوي الشريف والتأمل فيه، ويظل القرآن والصلاة وحلقات الذكر الجماعية محور النشاطات اليومية، مستقطبةً العديد من التجانيين وغيرهم. أما في المساء، فتقام صلاة التراويح في أماكن متعددة داخل الزاوية، حيث يؤمّها أبناء الزاوية وخاصة الشباب، دعمًا لهم وترسيخًا لهذه العادة الطيبة، كما يتم ختم القرآن الكريم في هذه الأماكن الطيبة”.
إضافةً إلى ذلك، يُقام الدرس الديني يومياً، ويؤطره مجموعة من الأساتذة والدكاترة من الزاوية ومن خارج الولاية، مما يعود بالنفع العظيم على الحاضرين والزائرين من مختلف أنحاء الوطن.
ولا يقتصر دور الزاوية التجانية بتماسين خلال رمضان على النشاطات الدينية فحسب، وفقاً لأحمد، بل يشمل الجانب الاجتماعي أيضًا، من خلال تنظيم قفة رمضان، التي تتكون من معونات غذائية تُقدم للمحتاجين والفقراء، إلى جانب انتشار مظاهر الهدايا والصدقات وفعل الخيرات، والتحفيز على بثّها في أوساط المجتمع، مما يجعل من الزاوية خلية نحل نشطة تفيض بالمحبة والتآزر والتكاتف والتلاحم والأخوّة والوحدة بين الجزائريين.
وفي ختام الشهر الكريم، يلتئم احتفال كبير بمناسبة ليلة القدر، تحضره السلطات المحلية والولائية، وعلى رأسهم والي ولاية توقرت والمنتخبون المحليون، يُكرَّم خلاله حفظة القرآن العظيم، ويُختتم صحيح البخاري على يد شيخ الزاوية، ناهيك عن تكريم الفائزين في المسابقات العلمية المختلفة، بالتزامن مع إلقاء قصائد وموشحات دينية أثناء الحفل، في أجواء روحانية واحتفالية يملؤها الفرح والسرور، مثلما ذكر محدثنا.
وبهذه الأجواء المفعمة بالسكينة والسلام، تظلّ زاوية تماسين منارةً للعلم والروحانية والتكافل خلال رمضان، معززةً القيم الدينية والاجتماعية المُثلى التي تجعل هذه المناسبة بالتحديد مميّزة في قلوب الجميع.
وعلى غرار شهر رمضان المعظّم، تحتضن الزاوية التجانية بتماسين، عشرات التظاهرات الرسمية الدينية والوطنية والتاريخية والاجتماعية على مدار العام، وسط توافد عشرات آلاف الزائرين من ولايات الجزائر الثّماني والخمسين، ومن الأقطار العربية والإفريقية خاصة من بلدان الساحل الإفريقي التي ترتبط روحياً وفكرياً ومرجعياً بالزاوية التجانية، إلى جانب إقبال السياح والسفراء الأجانب الذين أبدوا في عديد المناسبات انبهارهم بالمزارات الدينية السياحية الوطنية وفُتونهم بالثقافة الإسلامية الجزائرية.