يعلم الجميع أن الجزائريين يسكنون في مساحة لا تزيد عن 7 بالمائة من الأراضي، مما يتطلّب إعادة النظر في التوزيع السكاني ويفرض ذلك خلق مدن جديدة عصرية وبها كل أسباب التحضر والعيش الرغيد والكريم، وبناء مدن جديدة تقلص المسافات وتقضي على العزلة وتوفر الكثير من الوقت والمال، بل وتحل مشكل السكن وتوفر العمل والسعادة.ولن يتحقق ذلك إذا كان العمران بالشكل الكارثي الحالي يحتاج إلى إعادة هيكلة والقضاء نهائيا على البنايات الهشة وليس ترميمها، مع الحفاظ على المعالم الأثرية التي لا تعيق حياة الناس وعيشهم.
تعتبر ظاهرة البنايات الهشة والآيلة للسقوط من بين أهم المشاكل المطروحة حاليا على الساحة الوطنية، خاصة بعد تسجيل السلطات لضحايا كثر جراء هشاشة منازلهم، التي تعود أغلبها إلى الفترة الاستعمارية. وحفاظا على حياة المواطن سطّرت الدولة مجموعة من البرامج التنموية المتعلقة بالسكن بمختلف صيغه للقضاء على السكنات الهشة والقصديرية، إلا أن عددها الكبير ما يزال يعيق رغبة الدولة الملحة في وضع حد نهائي لبنايات يزيد عمرها عن 70 سنة.
تعاني ولاية باتنة كغيرها من ولايات الوطن من مشكل السكنات الهشة والآيلة للسقوط سواء تلك التي خلفها الاستعمار، أو تلك التي بنيت بعد الاستقلال ولكن بامكانيات وطرق بدائية حالت دون بقائها، بل وتشكل خطرا حقيقيا على ساكنيها خاصة في الشتاء ومع تسجيل أي نشاط زلزالي.
وتشكّل البنايات الموروثة عن العهد الاستعماري والهشة والقصديرية بعاصمة الأوراس باتنة ما نسبته 4.5 بالمائة من الحظيرة السكنية بالولاية والمقدرة بـ 24000 وحدة سكنية، أي 5700 بناءً هشّا جماعيا وفرديا، موزعا على إقليم الولاية حسب السيد السعيد بضياف، رئيس مصلحة السكن بمديرية السكن والتجهيزات العمومية لولاية باتنة. وهي إحصائيات ترجع لسنة 2007، حيث قلّل ذات المتحدث في لقاء مع “الشعب” من مشكلة البنايات الآيلة للسقوط بولاية باتنة.
وتعمل الدولة جاهدة على القضاء على السكنات الهشة والآيلة للسقوط من خلال تطبيق استراتيجية فعّالة تتمثل في بناء وتشييد عدة مجمعات سكنية بمواصفات حديثة، حيث يقدر سعر الشقة الواحدة بأكثر من 200 مليون سنتيم، وبعد إحصاء مسبق للمتضررين تقوم مصالح الولاية المختلفة بترحيل العائلات إلى سكنات لائقة مع التنازل عن تلك التي كانوا يقطنون بها، وهنا تصادف مصالح الولاية مشكلا عويصا مع المرحّلين الذين يرفضون التنازل عن قطعهم الأرضية التي شيّدت عليها سكناتهم الآيلة للسقوط كما هو الحال مع حي 102 مسكن بعين التوتة، حيث تأخرت عملية ترحيلهم أكثر من مرة رغم انتهاء الأشغال بسكناتهم، إلا أنهم كانوا يرفضون التنازل عن قطعهم الأرضية التي لا تزيد في أحسن الأحوال عن 50 مترا مربعا، غير أنّ حرص الدولة على ترحيلهم إلى سكنات لائقة وصرامتها في التعامل معهم بعد “نفاذ” صبرها، “أجبرهم” ذلك على الرضوخ أخيرا والقبول بالرحيل إلى سكناتهم.
وقد بنت الدولة أكثر من 4700 سكنا خلال المخطط الماضي 2005 ــ 2009 للقضاء على البنايات الهشة المهددة لحياة السكان.
ورغم ذلك، فالحظيرة السكنية بباتنة ما تزال تعاني من عدة عيوب ترجع ملكيتها للمواطن، ولكن الدولة تقوم بتقديم بعض الإعانات المالية لتجديد وترميم سكناتهم.
وبخصوص البنايات الموجودة خارج النسيج العمراني، فقد تمّ التكفل بأغلبها حسب رئيس مصلحة السكن بمديرية السكن بباتنة.
أما الحظيرة السكنية الموروثة عن العهد الاستعماري، فهي قليلة خاصة السكنات الفردية التي قام السكان بترميمها بعد حصولهم على عقود ملكيتها، بينما البنايات التي ترجع ملكيتها للدولة فتكفّل ديوان الترقية والتسيير العقاري بإعادة تجديدها خاصة المرافق الخارجية والأملاك المشتركة كالسلالم والأقبية، وكذلك الواجهات الخارجية والأسطح.
وعن أهم الأحياء التي ما تزال تعاني من ظاهرة السكنات الآيلة للسقوط، نجد أحياء شيخي، كشيدة ومناصرية بمدينة باتنة.
وأثناء إعداد هذا الملف اقتربت “الشعب” من بعض المواطنين لمعرفة رأيهم حول مشكلة السكنات الآيلة للسقوط، ففوجئنا بردهم على أسئلتنا بأسئلة أخرى، مؤكدين أن الجهات المعنية بإحصاء السكنات الهشة تراعي معايير القدم في الإحصاء، وهو ما يتناقض مع الواقع، حيث توجد ــ حسبهم ــ آلاف السكنات الحديثة إلاّ أنّها مليئة بالتشققات التي تهدّد حياة السكان خاصة العمارات الجديدة على غرار تلك الموجودة في القطب العمراني الجديد.
ويطرح هنا سؤال من يتحمّل مسؤولية هذه العمارات الجديدة الخطيرة على حياة السكان؟ هل هي الإدارة ؟ أم مكاتب الدراسات؟ أم المقاولون؟
وأجابنا عن هذا الانشغال بعض المسؤلين بأن الإدارة ملزمة بالتدخل ومراقبة نوعية السكنات حفاظا على حياة السكان، في الوقت الذي اقترح مسؤولون آخرون التوجه إلى البناء الريفي الذي عرف نجاحا باهرا بولاية باتنة مقارنة بالولايات الأخرى، حيث أنجز حوالي 18 ألف وحدة سكنية بصيغة البناء الريفي خلال المخطط الخماسي الحالي 2010 ــ 2014.
وعادت “الشعب” إلى دورات المجلس الشعبي الولائي بباتنة، منذ سنة 2008 وهي آخر سنة ناقش فيها المجلس ملف السكن، ومرت عليه الآن 6 سنوات كاملة استجدت فيها عدة معطيات خاصة في السنتين الأخيرتين، حيث شهدت الولاية اضطرابات جوية كبيرة تسببت في انهيار عشرات المنازل وتشقق جدران المئات، واستفادة الآلاف من سكنات جديدة ولائقة، في مختلف الصيغ السكنية، ما يفرض حسب بعض المهتمين بالقطاع وجوب إعادة إحصاء ودراسة المخطط السكني بالولاية.
الإضطرابات الجوية ما تزال تخيف سكان البنايات الهشّة
كلّما أعلنت مصالح الأرصاد الجوية بباتنة عن احتمال حدوث اضطرابات جوية، بتساقط مفترض لكمية معتبرة من الثلوج والأمطار على العديد من المناطق، وتسجيل هبوب رياح قوية، كلّما زادت مخاوف سكان البنايات الهشة عبر إقليم ولاية باتنة، على غرار عدة سكنات ببلدية لمسان، والتي سجلت بها تصدعات في الجدران وتشققات في الأسقف، وهو ما يتسبب دائما في استياء لدى المواطنين القاطنين بها والذين ألحوا على السلطات المحلية ترحيلهم إلى سكنات لائقة.
هذا ولا تزال الكثير من البنايات الهشة بعاصمة الولاية وبمختلف بلدياتها ودوائرها، تتواجد في ظروف تجعلها غير صالحة للسكن سواء من حيث موقعها قرب الأودية ومجاري المياه على غرار تلك الواقعة في حي الزمالة الشعبي، والتي يعاني سكانها الأمرّين بفعل انعدام بديل لائق للسكن من جهة والتآكل الذي أصاب جدران منازلهم داخليا وخارجيا من جهة أخرى، علما أنّ الكثير منها مغطى بالقرميد وكثيرا ما تتسرّب مياه الأمطار إلى داخل الغرف خصوصا في فصل الشتاء كما يحدث في الأيام الأخيرة التي شهدت فيها الولاية اضطرابات جوية متبوعة بتساقط معتبر للأمطار والثلوج.
ومن جهة أخرى، فالبنايات العتيقة بوسط المدينة لا تزال آهلة بالسكان وحتى قبل اندلاع الثورة التحريرية، رغم أنّ الفحص التقني يؤكد أنّها لا تصلح للسكن وسريعة التأثر بالاضطرابات الجوية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ عملية هدم البنايات الفوضوية بولاية باتنة، تكون ــ حسب مصادرنا ــ بعد تشكيل لجنة على مستوى الدائرة لمحاربة ظاهرة البناء الفوضوي، بحضور هيئات مختصة، وتضم ممثلين عن المصالح التقنية بالبلدية ومفتشية البناء والتعمير ومديرية أملاك الدولة، بالإضافة لشرطة العمران.
ومن المنتظر أيضا ترحيل 1000 عائلة مستفيدة من برنامج السكن الهش بعد انتهاء الإدارة من عمليات الإحصاء وإعداد القائمة النهائية، على أن يتم ترحيلهم نحو القطب العمراني الجديد.
واعترف وزير السكن والعمران، عبد المجيد تبون، أنّ عملية إزالة وتهديم العمارات الهشة الآيلة للسقوط مشكلة تفوق الطاقة التقنية والمالية للدولة رغم الإرادة الموجودة لديها، وأوضح في أحد تدخلاته بالمجلس الشعبي الوطني أنّ هذا المشكل تعرفه المدن الكبرى بالخصوص التي بنيت في العهد الاستعماري، وقد أحصت المصالح المختصة ألف عمارة من هذا الصنف.
لكن الدولة ــ حسب الوزير ــ لم تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذه الإشكالية التي تهدد حياة المواطنين، حيث شرعت في عملية ترميم في المدن الكبرى بالنسبة للبنايات القابلة للترميم، أما البنايات المهددة بالانهيار فلابد من هدمها، لكنه أوضح في المقابل، أن هناك إشكاليتين تواجهان عملية الهدم، تتمثل الأولى في تلاصق العمارات بعضها ببعض ممّا يصعب عملية هدم العمارة الهشة لأنّ ذلك يمس عمارات أخرى، ممّا يتطلب دقة كبيرة في هذا المجال، والمشكل الثاني يتمثل في الملكية كون بعض العمارات ملك لدواوين الترقية العقارية والبعض الآخر للخواص.
ومن شأن هدم البنايات والسكنات الهشة، وترحيل قاطنيها إلى سكنات لائقة، استرجاع وعاء عقاري هام سيخصص لبناء منشآت اجتماعية واقتصادية أخرى، حسب ما أكده والي باتنة الحسين مازوز، مضيفا في أحد اجتماعات المجلس الولائي بأن عدة مدن بباتنة “تعاني من نقص كبير في العقار”.