ودّعت السّاحة الكروية الجزائرية الأسطورة رشيد مخلوفي عن عمر ناهز 88 سنة، حيث نزل خبر رحيل اللاعب السابق لفريق جبهة التحريرالوطني كالصاعقة على قلوب كل الأسرة الرياضية الجزائرية، لأنّ الراحل يملك سجلا مليئا بالانجازات قبل وبعد الاستقلال سيبقى يخلّده وتشهد عليه الأجيال.
ولد رشيد مخلوفي بمدينة سطيف بتاريخ 12 أوت 1936، وبعد تألّقه في مداعبة الكرة التي كان يمارسها مع أصدقائه في الشارع، شقّ طريقه بنجاح نحو عالم النجومية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وأصبح واحدا من أشهر أسماء الساحرة المستديرة من خلال المهارات الكبيرة التي كان يتمتع بها من بوابة فريق اتحاد سطيف، وبعدما برز في المباريات التي كان يلعبها مع ناديه بمسقط رأسه لفت انتباه التقنيين لينتقّل بعدها الى الدوري الفرنسي للمحترفين من بوابة نادي سانت إتيان سنة 1954، حيث سرعان ما أصبح أحد أبرز نجومه ومدلل الأنصار لعدة مواسم.
الأداء المميز الذي كان يقدّمه مخلوفي فوق المستطيل الأخضر في مختلف مباريات الدوري الفرنسي لفت أنظار مدرب المنتخب الفرنسي، الذي استدعاه للمشاركة مع الفريق سنة 1957، وكان على موعد مع مونديال السويد 1958، إلا أن الواجب الوطني فوق كل الامتيازات التي منحت له من طرف الفرنسيين، حيث قرّر تلبية نداء الوطن الأم من أجل تكوين فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم، الذي سيكون له صدى ودعم كبير للثورة التحريرية المجيدة بتاريخ 13 افريل 1958، أي أيام قليلة فقط عن انطلاق المونديال.
يعتبر رشيد مخلوفي من بين أبرز الأسماء التي صنعت خطوات فريق جبهة التحرير الوطني بالنظر للدور الكبير الذي قدمه منذ الوهلة الأولى لتلقي نداء الوطن، حيث التحق برفقائه في تونس ضمن الفوج الأول رفقة كل من كرمالي، بن تيفور، لعريبي حسبما أكده في حوار سابق لـ “الشعب” قائلا “قرّر المسؤولون في جبهة التحرير الوطني تكوين فريق في كرة القدم من خلال الاعتماد على الإمكانيات التي يتمتع بها اللاعبون الجزائريون، الذين كانوا ينشطون في الدوري الفرنسي، جاء ذلك بهدف دعم الثورة التحريرية، وإسماع دوي الثورة التحريرية في كل بقاع العالم من خلال تأسيس فريق جبهة التحرير الوطني بتاريخ 13 أفريل 1958، بعد عدة مراحل من التحضير التي رافقتها السرية التامة من أجل النجاح”.
كما وقف الراحل مخلوفي عند تفاصيل التنقل من فرنسا الى تونس تأسيس فريق جبهة التحرير الوطني، قائلا “التنقل من فرنسا إلى تونس لم يكن سهلا بالنظر للصعوبات التي واجهتنا من طرف السلطات الفرنسية، خاصة بعد اكتشاف مغادرة مجموعة من اللاعبين الجزائريين بعد نهاية مباريات الدوري الفرنسي، إلا أن العمل الكبير الذي قام به المسؤولون في التحضير لكل شيء بداية من ظهور الفكرة وصولا إلى تجسيدها على أرض الواقع في ظل سرية كبيرة ودقة عالية لتفادي أي تسرب للمعلومات خشية من إفشال هذا المخطط، ساهم في التحاقنا بتونس بنجاح”.
أمّا الطريقة التي التقى فيها جميع المعنيين بالتوجه نحو تونس، قال لاعب فريق جبهة التحرير الوطني في هذا الشأن “كل لاعب تلقى النداء من طرف المُكلّف من مسؤولي جبهة التحرير الوطني، اتجه إلى النقطة المتفق عليها من مدينة النادي الذي يلعب له، وكان هناك فوجان في البداية الأول في نيس والثاني في ليون، هذا الأخير يمر عن طريق سويسرا وأنا كنت رفقة كرمالي وتأخرنا عن موعد التحاقنا بسبب انتظارنا طويلا قدوم بوشوك من تولوز، ما جعلنا نصل للمنطقة الحدودية ليلا، ولحسن حظنا أن المراقب لتلك النقطة لم يسمع لجهاز الراديو ذلك اليوم، ولو كان العكس لاكتشف أمرنا بكل سهولة، لأن الإنذار بمغادرة اللاعبين الجزائريين لأنديتهم كان قد أعطي في كل وسائل الإعلام الفرنسية، فصرامة المسؤولين في جبهة التحرير الوطني، وتخطيطهم المميّز لكل شيء كان الطريق لإنجاح العملية، والدليل من خلال تكليف شخص موثوق في مرافقتنا من فرنسا إلى الحدود السويسرية وبعدها بروما الإيطالية، إلى غاية وصولنا لتونس”.
ليكن بذلك رشيد مخلوفي ضمن اللاعبين الذين صنعوا الملحمة في مختلف الدول والعواصم التي حل بها فريق جبهة التحرير الوطني. وبعد الاستقلال استأنف رشيد مخلوفي مسيرته الاحترافية من بوابة الدوري السويري سنة 1962 عن طريق فريق سيرفيت جنيف، ثم عاد بعدها الى ناديه السابق سانت إتيان، حيث يعتبر ثاني أفضل هداف في صفوفه منذ تأسيس النادي بمجموع 156 هدف، كما شارك مع المنتخب الوطني في 11 مباراة. ويملك مخلوفي عديد الألقاب في مشواره التدريبي، حيث نال مع “الخضر” ذهبية الألعاب المتوسطية التي احتضنتها الجزائر سنة 1975، وذهبية الألعاب الأفريقية التي جرت بالجزائر سنة 1978.
كما أن فقيد الكرة الجزائرية كان رفقة طاقم التدريب للمنتخب الوطني في مونديال 1982، وكانت لرشيد مخلوفي تتويجات عديدة، حيث كانت له تجربة في الدوري اللبناني عندما أشرف على فريق النجمة سنوات 1996 و1998، أين فاز معه بلقب بطل كأس لبنان مرتين وكأس النخبة مرتين.للإشارة، فإن مخلوفي حقّق مع سانت إتيان 3 بطولات وكأس واحدة على المستوى المحلي سنوات 1957، 1964، 1967، 1968 على التوالي، ثم لعب موسمين لنادي باستيا الفرنسي، قبل أن يضع حدا لمشواره كلاعب سنة 1970.