برزت الرّياضة الجزائرية بشكل كبير بفضل العمل المميّز الذي تم القيام به منذ استقلال الجزائر، بالرغم من أن المأمورية لم تكن سهلة.
بفضل عزيمة الرجال تمكّنت الجزائر غداة الاستقلال من الانضمام للجنة الأولمبية الدولية سنة 1963، وكانت أول مشاركة ضمن الألعاب الأولمبية في دورة طوكيو 1964، ممثلة في رياضة الجمباز عن طريق محمد لزهاري، الانضمام أيضا للهيئات الرياضية الدولية والافريقية والإقليمية كان تحديا كبيرا، لكن تجسد ذلك على أرض الواقع سواء في اختصاص كرة القدم عن طريق الدكتور محمد معوش وكذا مصطفى العرفاوي في عديد الرياضات أبرزها كرة القدم، السباحة، الجيدو، الملاكمة، الجمباز..، حيث كان الانضمام إلى 12 اتحادية دولية في بداية الأمر.
المأمورية لم تتوقف عند الانضمام للهيئات الرياضية الدولية فقط بل تعدّت ذلك بكثير، لأنّ الهدف الموالي كان التركيز على تحقيق نتائج إيجابية لإعلاء الراية الوطنية، ومن هنا بدأت النتائج تظهر على الصعيد العربي والافريقي وكذا العالمي، واقتطاع تأشيرات المشاركة في الألعاب الأولمبية، حيث سجّلت الجزائر مشاركتها في 15 طبعة أي أنها لم تتخلف منذ سنة 1964، حيث تملك في رصيدها 20 ميدالية، منها 7 ذهبيات، 4 فضيات و9 برونزيات، حيث نال الذهب الأولمبي كل من: حسيبة بولمرقة، نورالدين مورسلي، بنيدة مراح، حسين سلطاني، توفيق مخلوفي، كيليا نمور وإيمان خليف، في حين كسب الميدالية الفضية في الألعاب الأولمبية كل من: علي سعيدي سياف، عمار بن يخلف وتوفيق مخلوفي (2). أما الميداليات البرونزية في الألعاب الأولمبية فقد فاز بها كل من: مصطفى موسى، محمد زاوي، حسين سلطاني، محمد بحاري، عبد الرحمان حماد، سعيد قرني جبير، محمد علالو، صورية حداد وجمال سجاتي.
الألعاب المتوسّطية 1975
عمل كبير تمّ القيام به في قطاع الرياضة بعد الاستقلال من أجل تطوير هذا المجال الذي يعتبر مهما من كل الجوانب، وبعد الانضمام لكل الهيئات الرياضية الدولية والإقليمية والمشاركة في التظاهرات من طرف الرياضيين الجزائريين الذين شرّفوا الراية الجزائرية، جاء الدور على هدف آخر، والأمر يتعلق بالتقدم لتنظيم المنافسات الدولية بعدما تم إنجاز الهياكل الرياضية على غرار المركب الأولمبي محمد بوضياف، الذي يتكون من مجموعة مرافق بمقاييس عالمية على غرار ملعب كرة القدم، مضمار ألعاب القوى، المسبح الأولمبي، قاعة متعددة الرياضات بشكلها البيضوي، ملعب ألعاب القوى، ملحقات للتدريبات وكذا قاعة حرشة حسان، وبعدما كان أول حدث ينظم بالجزائر البطولة المغاربية للسباحة وكرة الماء سنة 1963، أي غداة الاستقلال جاء الموعد الكبير والأمر يتعلق بالألعاب المتوسطية سنة 1975.
احتضان الألعاب المتوسطية سنة 1975 كان أول حدث من هذا الحجم تنظّمه الجزائر بعد الاستقلال، ولم يكن بالأمر السهل إلا أن الارادة والعزيمة وحضور الجمهور كان النجاح كبيرا من كل الجوانب، انطلاقا من حفل الافتتاح الذي تمّ اختيار الفنك الذي يعيش في صحراء الجزائر رمزا للطبعة السابعة، حيث تم أدراج 18 اختصاصا بمشاركة 15 دولة بمجموع رياضيين بلغ 2095 تنافسوا على المراكز الأولى، أين تمكّن بوعلام رحوي من إهداء أول ميدالية ذهبية متوسطية للجزائر في سباق 3000 متر موانع، وبرونزية العداء حبشاوي في 10000 متر، برونزية محمد ماضي في 5000 متر، إضافة إلى 3 ميداليات في الملاكمة، وذهبية المنتخب الوطني لكرة القدم بقيادة المدرب رشيد مخلوفي بعد نهائي مثير ضد المنتخب الفرنسي، حيث كانت حصيلة الجزائر 20 ميدالية منها 4 ذهبيات، 7 فضيات و9 برونزيات احتلت من خلالها المركز الثامن في الترتيب العام.
بعد النجاح الكبير الذي حقّقته الجزائر خلال الألعاب المتوسطية 1975، أصبحت قبلة لتنظيم مختلف الاستحقاقات ومسرحا لأبرز التظاهرات الرياضية، أين نظّمت البطولة الأفريقية لكرة اليد سنة 1976، وبعدها استضافت الجزائر الألعاب الأفريقية سنة 1978، أين سجلنا بروزا لافتا للرياضيين الجزائريين من خلال التألق وحصد عديد الألقاب الأفريقية، أين كانت محطّة مزدوجة لعديد التخصصات التي كانت بمثابة بطولة أفريقية في نفس الوقت على غرار الكرة الطائرة، حيث توّج المنتخب الوطني للكرة الطائرة (سيدات) باللقب المزدوج بعد تحقيق الميدالية الذهبية بقيادة مجموعة من اللاعبات اللائي تألقن بقاعة حرشة حسان التي كانت شاهدة على التتويج، كما استضافت الجزائر البطولة الأفريقية للكرة الطائرة رجال سنة 1993، حيث توّج «الخضر» باللقب الثاني على التوالي بعد التتويج الأول الذي كان سنة 1991 بمصر.
اكتساب الخبرة ساعد في إنجاح عديد المواعيد
اكتساب خبرة التنظيم ساعد في احتضان الجزائر منافسات عديدة على غرار البطولة الأفريقية لكرة اليد سنوات 1989، 2000 و2014، كما نظّمت الجزائر دورة الألعاب العربية عام 2004، والتي كان التنظيم خلالها ناجحا، الى جانب تسجيل نتائج باهرة ثم نظّمت الجزائر الألعاب الأفريقية للمرة الثانية وكان ذلك سنة 2007، حيث كانت النتائج رائعة خاصة للرياضات الجماعية أين توّج المنتخب الوطني لكرة اليد رجال بالذهبية والمنتخب الوطني للكرة الطائرة (سيدات) توج أيضا بالذهبية، وكذا تألق كل من سليم ايلاس ونبيل كباب في السباحة وسيطرتهما على الميداليات الذهبية والفضية في مختلف السباقات، حيث احتلت النخبة الوطنية المركز الثاني خلف مصر بمجموع 204 ميدالية، منها 70 ذهبية، 58 فضية و76 برونزية، كما نظّمت الجزائر عديد المنافسات الفردية على غرار البطولة الأفريقية لألعاب القوى، كأس العالم للكراتي سنة 1993 التي جرت بالقاعة البيضاوية، بطولة أفريقيا للجمباز سنة 1993 التي احتضنتها قاعة عين البنيان، كأس العالم للفوفينام فيات فوداو سنة 2006.
أما بالنسبة للكرة الطائرة النسوية، عادت سيدات الجزائر للتربع على العرش الأفريقي سنة 2009 خلال الطبعة التي جرت فعالياتها بقاعة البليدة، البطولة الأفريقية لكرة السلة سنة 1996. التنظيم لم يقتصر على المنتخبات فقط بل كانت مواعيد بالنسبة للأندية سواء في كرة اليد أو في الكرة الطائرة، مراحل كأس العالم للمبارزة، بطولة أفريقيا للتجذيف بسد بوهارون بميلة، بطولة أفريقيا للملاحة الشراعية، البطولة الأفريقية للسباحة، وعديد البطولات العربية في مختلف الاختصاصات أبرزها البطولة العربية للسباحة والجمباز سنة 2022 بوهران، إضافة إلى الانخراط في الجمعيات العامة، المكاتب التنفيذية للهيئات الرياضية الدولية كان له دور كبير في إحداث هذه القفزة الكبيرة سواء من ناحية التنظيم أو تطوير الرياضة بصفة عامة.سجّلت العناصر الوطنية نتائج مشرفة وإيجابية في مختلف الاستحقاقات ستبقى راسخة، ويخلدها التاريخ منذ بداية المشاركات الدولية بعد الاستقلال، تعد الألعاب الأولمبية الحدث الأبرز حيث تملك الجزائر في رصيدها مجموعة مقبولة من الميداليات دشّنها ثنائي الملاكمة محمد زاوي ومصطفى موسى سنة 1984 بلوس أنجلوس. أما أول ميدالية ذهبية للجزائر كانت من إنجاز حسيبة بولمرقة في موعد برشلونة 1992 حيث أسمعت النشيد الوطني «قسما» في هذا المحفل الكبير، فتحت من خلالها شهية الرياضيين للتألق، وهذا ما حدث أين عادت الجزائر بذهبيتين من أولمبياد أتلانتا 1996 عن طريق نورالدين مورسلي في سباق 1500 متر، والملاكم حسين سلطاني الذي أهدى أول ذهبية للملاكمة الجزائرية.
المأمورية لم تتوقّف هنا بل استمرّت أين كانت أكبر حصيلة للجزائر في سيدني 2000، حيث حصدت 5 ميداليات أولمبية منها ذهبية بنيدة مراح في سباق 1500 متر، فضية سعيدي سياف في سباق 5000 متر، فيما نال كل من عبد الرحمان حماد في القفز العالي ومحمد علالو في الملاكمة، وسعيد قرني في سباق 800 متر الميداليات البرونزية، وبعد غياب عن منصات التتويج في 2004 عادت الجزائر للواجهة في أولمبياد بكين 2008 عن طريق عمار بن يخلف، الذي فاز بالفضية في اختصاص الجيدو، فيما نالت صورية حداد برونزية الجيدو، أما في أولمبياد لندن برز العداء توفيق مخلوفي وأهدى الجزائر ذهبية سباق 800 متر، وأضاف فضيتين في 1500م و800 متر في ريو 2016،
وعادت الرّياضة الجزائرية بقوة الى منصة التتويجات في أولمبياد باريس 2024، وكان ذلك من خلال ذهبية تاريخية للجمباز الفني الجزائري عن طريق كيليا نمور في جهاز العارضتين المتوازيتين مختلفتي الارتفاع وذهبية تاريخية للملاكمة النسوية الجزائرية عن طريق إيمان خليف، إلى جانب برونزية جمال سجاتي في سباق 800 متر، لتؤكّد النتائج التألق الذي كان في الألعاب المتوسطية بوهران 2022 التي كانت محطة لعودة الجزائر للواجهة سواء في التنظيم أو في النتائج، أين برزت مجموعة من الرياضيين الشباب الذين أكدوا قدراتهم على منافسة الكبار، وبالفعل هذا ما تجسّد من خلال نيل 53 ميدالية منها 20 ذهبية، تلتها مباشرة تنظيم الألعاب العربية للمرة الثانية في تاريخ الجزائر، وكان ذلك سنة 2023، حيث حقّقت نجاحا كبيرا وفي ظرف قياسي مع تحقيق حصيلة تاريخية للرياضيين الجزائريين بـ 253 ميدالية، منها 105 ذهبية.
كرة اليد..الأكثر تتويجا
يبقى الفريق الوطني لكرة اليد الأكثر تتويجا على كل الأصعدة في الرياضات الجماعية، من خلال حصد 7 ألقاب إفريقية منها 5 ألقاب متتالية، إضافة إلى ميدالية ذهبية في الألعاب المتوسطية باللاذقية سنة 1989، ومشاركات بانتظام في البطولات العالمية، و4 مشاركات في الألعاب الأولمبية. كرة القدم هي الأخرى حققت لقبين إفريقيين في 1990 و2019، مع أربع مشاركات في كأس العالم سنوات 1982، 1986، 2010 و2014، كل ذلك تحقّق بمجهودات الدولة الجزائرية والقائمين على الرياضة، كما نظّمت الجزائر عديد التظاهرات الرياضية على غرار بطولة العالم لكرة اليد للشباب سنة 2017، الألعاب العربية سنة 2004، الألعاب الأفريقية 2007، الألعاب الأفريقية للشباب 2018.
ذوو الهمم..نتائج مميّزة
تحضيرات استثنائية لذوي الهمم بتوفير كل الإمكانيات والظروف المعنوية والمادية جعلتهم يرفعون التحدي لمواصلة الإنجازات، ورغم تغيير القوانين الخاصة بالتأهيليات للألعاب البارالمبية، إلا أنهم كانوا في الموعد خلال الألعاب البارالمبية بباريس 2024 بتعداد متكون من 26 رياضيا في 4 اختصاصات، وقدّموا ما عليهم خلال المنافسات رغم قوة المنافسة، أين حصدوا 11 ميدالية منها 6 ذهبيات و5 برونزيات مع تحطيم 4 أرقام قياسية بارالمبية، سمحت لهم بالتقدم للمركز 25 في الموعد البارالمبي، رافعين رصيد الجزائر إلى 96 ميدالية منها 28 ذهبية.
المنشآت الرّياضية الكبرى
توفير المنشآت والمراكز الرياضية كانت النقطة الأبرز لعودة الجزائر للواجهة في تنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى، على غرار المركب الأولمبي ميلود هدفي، القاعة المتعددة الرياضات وكذا المركب المائي بوهران، بالإضافة إلى ترميم المرافق التي كانت موجودة، والتي ساهمت فيما بعد في احتضان الألعاب المتوسطية 2022، الى جانب منافسات أخرى على غرار البطولة العربية للسباحة، البطولة العربية للجمباز، الملتقى الدولي لألعاب القوى، إضافة إلى مباريات هامة في البطولة الأفريقية للاعبين المحليين سنة 2023، ما جعل وهران وجهة جديدة للرياضة والرياضيين سواء في التظاهرات المحلية والقارية والعربية، والتي ستساهم في إعطاء دفعة قوية للشباب الصاعد في مختلف الاختصاصات.
كما كانت الملاعب الجزائرية على موعد مع منافسة البطولة الأفريقية لكرة القدم للاعبين المحليين (الشان) في جانفي 2023، والتي جرت في أربعة مدن كبرى، والأمر يتعلق بكل من الجزائر العاصمة، وهران، قسنطينة وعنابة، حيث انبهر الضيوف بالملاعب التي صمّمت بمقاييس عالمية، والتنظيم الذي كان في المستوى من كل الجوانب حيث بلغ الخضر النهائي بجدارة، وبعد ذلك مباشرة نظمت الجزائر البطولة الأفريقية لكرة القدم لأقل من 17 سنة، أين كانت فرصة للجمهور الجزائري لمتابعة مباريات من المستوى العالي وفي ملاعب عالمية.