حفيـدة الشهـداء تتحدّى المؤامـرات وتُعطـي درسًا للحاقديـن
عملت وثابرت حتى أصبحت نجمة عن جدارة واستحقاق، لم يكن الطريق سهلاً، ففي سنة 2018 كانت الانطلاقة نحو أولى خطواتها المنيرة، وبالنظر لإمكانياتها الكبيرة وإرادتها العالية ثبتت نفسها ضمن تشكيلة المنتخب الوطني، لتتغير الأمور نحو الأفضل، إنها النجمة الأولمبية الملاكمة إيمان خليف التي حققت حلمها بطريقة ستظل راسخة في أذهان كل من تابع أولمبياد باريس 2024، رغم الحملة المسعورة التي طالتها للتأثير عليها.. لكن ذلك زادها قوّة لأنها ببساطة ابنة الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد.
حلم تحوّل إلى حقيقة بالنسبة للملاكمة إيمان خليف التي تعرضت للظلم في مارس 2023 أين تم إقصاؤها بطريقة تعسفية من نهائي بطولة العالم.. مرحلة صعبة مرّت بها بطلتنا التي سبق لها أن تألقت ورفعت الراية الوطنية عاليا وشرّفت القفّاز النسوي الجزائري، خاصّة أنها كانت على بعد أشهر قليلة من الدورة المؤهلة للألعاب الأولمبية باريس، إلا أن ذلك لم يدم طويلا لأن اللجنة الأولمبية الدولية أنصفتها وأعطتها الضوء الأخضر للمشاركة في دورة السنغال شهر أكتوبر 2023 افتكت خلالها ايمان خليف التأشيرة بجدارة.
التأهل للأولمبياد للمرّة الثانية على التوالي بعد تجربة أولمبياد طوكيو 2021 حققت خلالها المركز الخامس، إلا أن هذه المرة هدفها كان الذهب دون غيره وعملت بجد حيث كانت تحضيراتها في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعدها انتقلت إلى باريس قبل الدخول في المنافسة الأولمبية احتكت في هذه المرحلة مع أسماء كبيرة سمحت لها بضمان أفضل جاهزية، عشية انطلاق المنافسة الأولمبية بباريس بدأت حملة مدعومة من طرف الاتحاد الدولي للملاكمة غير المعترف به، من أجل تحطيم طموح خليف قبل البداية لتجد التفافا كبيرا ومساندة منقطعة النظير.. دخلت المنافسة وفازت بأوّل منازلة ضد الإيطالية انجلينا كاريني بسهولة كبيرة.
التأهل للدور ربع النهائي أعطى ثقة أكبر لملاكمتنا، حيث ركزت على المنافسة وابتعدت عن كل الأجواء التي كانت ضدها، وبالفعل تمكنت من الفوز ضد المجرية أنا لوكا هاموري وتأهلت للدور نصف النهائي وضمنت أول ميدالية أولمبية للجزائر، وحوّلتها للفضة بعدما تجاوزت التايلاندية جانجام سوانافينغ التي تعرفها جيدا لأنها هزمتها في بطولة العالم بالهند وفي نفس الدور وبنفس النتيجة، لتتأهل إلى النهائي الذي وصفته خليف بنهائي الحلم، حيث واجهت الصينية يانغ ليو التي كان من المقرر أن تلتقي معها في بطولة العالم لولا حرمانها من ذلك، لتضرب لها موعدا جديدا في نهائي الألعاب الأولمبية.
«وان، تو، تـري فيفـا لالجـيري».. في شـــوارع باريـــس
أجواء أكثر ما يقال عنها أنها خيالية صنعها الجمهور الجزائري خارج وداخل قاعة رولوند غاروس بباريس التي امتلأت عن آخرها، الراية الجزائرية مرفوقة بالراية الفلسطينية كانت حاضرة بقوة خارج وداخل القاعة، الهتافات والأغاني الجزائرية التي تعوّدنا عليها في مختلف الملاعب الجزائرية والقاعات أعطت الموعد طابعا آخر، « وان، تو، تري فيفا لالجيري»، « فلسطين الشهداء».. إلخ، كان بمثابة ردّ صريح لكل من يريد المساس ببنت الجزائر في أي مكان من العالم، مساندة وأجواء أدهشت العالم وأسكتت الحاقدين.
.. رابـــع رياضية جزائريـة تنـال الذّهـب الأولمبـي
دقائق قليلة فقط حسمت خلالها إيمان خليف المواجهة النهائية لصالحها وسط أجواء رائعة في قاعة رولوند غاروس وتفاعل كبير من الجمهور الحاضر الذي كان يهتف باسم إيمان، تمكنت ابنة مدينة تيارت من تدوين اسمها بأحرف من ذهب وكتبت تاريخ جديد للرياضة الجزائرية في الأولمبياد، وهو انجاز جديد يضاف للقفاز الجزائري الذي عاد لمنصة التتويج بعد غياب طويل أي منذ أولمبياد سيدني 2000 عن طريق محمد علالو، لكنه هذه المرّة من المعدن النفيس وفي ظروف استثنائية أعطت هذا التتويج قيمة أكبر وشعبية أوسع تخطّت كل الحدود.حفيدة الشهداء سطع نجمها في سماء أولمبياد 2024، لتصبح ثاني متوجة بالمعدن النفيس في هذا الحدث الأولمبي بعدما سبقتها فراشة الجمباز كيليا نمور، وقبلهما كانت حسيبة بولمرقة التي تألقت في أولمبياد برشلونة 1992 وثم بنيدة مراح التي تألقت في أولمبياد سيدني 2000، وبهذا فإن بنات الجزائر يثبتن للعالم أنهن حاضرات لتشريف بلدهن ورفع الراية الوطنية عاليا مهما كانت الظروف والصعاب. تغطية إعلامية كبيرة لمنازلات إيمان خليف من أكبر القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية والمجلات والجرائد التي كانت حاضرة في قلب الحدث، كل ذلك يعكس مدى النجاح الذي وصلت إليه إيمان خليف.. مساندة كانت بمثابة جرعة ثقة ودفع نحو النجاح بعدما أرادوا التأثير عليها.. لتصبح نجمة الأولمبياد ومفخرة الجزائر وقدوة في التحدي لكل شابات العالم، لأن الميدالية الأولمبية تكسب بالعمل والمثابرة والتحدي والجدّية والأكثر من ذلك الثقة بالنفس والإيمان بالقدرات الشخصية، لتلتحق بقائمة المتوجين بالذهب بعد كل من بوالمرقة في سباق 1500 متر سنة 1992، نور الدين مرسلي ذهبية سباق 1500 متر في أتلانتا 1996، حسين سلطاني صاحب الذهبية التاريخية للملاكمة في أتلانتا 1996.. نورية بنيدة مراح صاحبة ذهبية سباق 1500متر في سيدني سنة 2000، توفيق مخلوفي الذي توّج بالمعدن النفيس في سباق 1500متر في لندن 2012، لتأخذ بعده الجمبازية نمور المشعل سنة 2024 لتلتحق بها بعد أيام قليلة إيمان خليف بجدارة واستحقاق لتحقق ثاني ذهبية للملاكمة الجزائرية بعد سلطاني وهي الميدالية التي غابت عن الفن النبيل الجزائري لمدة 24 سنة.
المكتـب المسيّــــر لاتحاديـة الملاكمــة يهنّـــــئ..
وفي رسالة نشرها الطاقم المسير للاتحادية الجزائرية للملاكمة عبر الصفحة الرسمية فايسبوك شكر خلالها الملاكمة خليف على هذا الإنجاز جاء فيها: «لا تسعنا الكلمات والعبارات لشكرك وتقديرك، يا ابنة الجزائر وبطلتنا الغالية «إيمان خليف»، لإنجازك الكبير وغير المسبوق في الملاكمة النسوية الجزائرية والإفريقية والعربية، لقد تابعنا رفقة سكان المعمورة مواجهتك النهائية التي تفننت وتألقت في حسمها للجزائر بالنتيجة والأداء، وبشهادة العالم الذي أجمع رفقة حكام المنازلة على أحقيتك في المعدن النفيس، كمسك لختام مشاركتك التاريخية في محفل الأولمبياد».«الطريق كان طويلا وشاقا، ومليئا بالعراقيل التي زالت كلها أمام إرادتك الصلبة، واستطعت الانتصار فيها على أعداء النجاح داخل وخارج الحلبة، من الذين تحالفوا لتحطيمك دون جدوى، نعم أيتها المحاربة فقد أظهرت لهم وللعالم بأنك الأجدر بهذا التتويج، بعد ما تجاوزتي الجميع بكل قوّة، وأعدت صنع أمجاد الملاكمة الجزائرية في محفل الأولمبياد، من نواعم قفازك الذهبي، محاربتنا الباسلة «إيمان»، تتويجك هذا اليوم، هو خير جزاء لك بعدما وفيت بالعهد، واجتهدتي بكل ما عندك لتشريف بلدك ورياضة وطنك، وكنت خير سفير لها في هذا التحدّي الأولمبي، وأسعدتي كل الجزائريين ورفعتي راية الجزائر عاليا في هذه الطبعة مدوية بالنشيد الوطني «قسمًا».