سطع نجمها في سماء باريس محققّة حلمها وحُلم كل الجزائريين بالتتويج بميدالية ذهبية أولمبية في اختصاص الجمباز.. هي طموحة ومثابرة تحدّت العراقيل والصعوبات في طريق لم يكن سهلاً، ورغم صغر سنّها إلاّ أنها واثقة بإمكانياتها وبثقة كبيرة كتبت اسمها بين الكبار بأحرف من ذهب في الألعاب الأولمبية 2024، إنها كيليا نمور صاحبة الـ17 ربيعا، أهدت الجزائر أوّل ميدالية في جهاز المتوازي مختلف الارتفاعات بجدارة واستحقاق ودخلت سجل المرصّعين بالمعدن النفيس أولمبيًا.
حلمها تحقّق على أرض الواقع بعدما كادت تنتهي مسيرتها الرياضية قبل أن تبدأ بسبب إصابة خطيرة أدّت بها إلى إجراء عملتين جراحيتين، جعلت الأطباء يجمعون على استحالة عودتها للمنافسة مجددًا إلاّ أنها لم تصدّق ذلك، لتختار الطريق الصحيح من خلال تمثيل ألوان بلدها الأصلي الجزائر بكل قناعة، حيث وجدت كل التّرحاب وفتحت أمامها الأبواب وتلقت الدعم الكامل من الاتحادية الجزائرية للجمباز واللّجنة الأولمبية الرياضية الجزائرية من خلال التكفّل بكل المصاريف الخاصّة بالتحضيرات، بداية من مرحلة إعادة التأهيل التي كانت صعبة نوعا ما، وبعدها عادت بقوّة إلى الساحة الرياضية بعد معاناتها الطويلة مع الإصابة التي أبعدتها عن المنافسة لمدّة طويلة.
العودة إلـى الواجهـة.. بألـوان الجزائـر..
البداية مع المنتخب الوطني للجمباز كانت من بوابة البطولة الأفريقية بجنوب إفريقيا والتي تألقت خلالها نمور سنة 2022، محطة الانطلاق نحو النجومية كانت بألوان الجزائر عندما أهدتها أول ميدالية على الصعيد القاري، وبعدها جاء الدور على المنافسة المتوسطية التي جرت بوهران صيف 2022 وحضور جمهور غفير نالت نمور أول ميدالية متوسطية في تاريخ الجمباز الجزائري، لتشقّ بعدها طريقها نحو العالمية بجدارة واستحقاق وتمكنت من تحقيق ميدالية عالمية تاريخية بألوان المنتخب الوطني الجزائري في أكتوبر 2023 عندما نالت الفضية في بطولة العالم ببلجيكا، والتي حققت من خلالها تأشيرة التأهل للألعاب الأولمبية بباريس 2024 وهي ميدالية تاريخية للجزائر. المركز الثاني في بطولة العالم أخلط أوراق مسؤولي الجمباز الفرنسي الذين حاولوا زعزعة استقرار فراشة الجزائر، لكن دون جدوى، حيث واصلت العمل بثبات كبير وتركيز عالي من أجل الوصول لحلمها الذي بدأ في سنّ الرابعة، بعد التتويج وتحقيق التأهل للأولمبياد جاءت مرحلة الإثبات من خلال مراحل كأس العالم ورغم أنها ضيعت المرحلة الأولى في مصر بسبب الإصابة، إلا أنها عادت بقوّة، البداية من المرحلة الثانية التي جرت بمدينة كوتبوس الألمانية أين حققت ذهبية جهاز العمودين غير المتوازيين مختلفي الارتفاع بتسجيلها أعلى تنقيط 15.433 بدرجة صعوبة 7.0، كما احتلت المركز الرابع في جهاز عارضة التوازن، والمركز السادس في جهاز الحركات الأرضية، نتائج كانت بمثابة رسالة مباشرة للجميع قالت فيها إنها قادمة بقوّة لسماء النجومية.
في المرحلة الثالثة لمنافسة كأس العالم بباكو الأذربيجانية، أكدت نمور أنها من طينة الكبار، وأنها استعادت قواها الحقيقية، حيث حصدت خلالها ميداليتين ثمينتين، الأولى ذهبية جهاز العارضتين المتوازيتين مختلفتي الارتفاع بمجموع نقاط 15.433 بدرجة صعوبة 7.0، أما البرونزية كانت ولأوّل مرّة في جهاز الحركات الأرضية بتسجيلها مجموع نقاط 13.266 ودرجة صعوبة مقبولة 5.3، حيث تحسّن أداءها من مرحلة لأخرى أين كانت حاضرة بقوّة في المرحلة الرابعة والأخيرة من منافسة كأس العالم التي جرت بالدوحة والتي نالت خلالها 3 ميداليات منها ذهبيتين في كل من جهاز العارضتين المتوازيتين مختلفتي الارتفاع بمجموع نقاط 15.366 ودرجة صعوبة 7.0، وكذا جهاز الحركات الأرضية بعد نيلها مجموع نقاط 13.700 ودرجة صعوبة 5.7، والفضية كانت في جهاز عارضة التوازن بتنقيط 13.400 ودرجة صعوبة 6.2.
تحضـيرات فـي المستـوى العالــي..
واصلت بعدها كيليا نمور التحضيرات الخاصّة بالألعاب الأولمبية التي كانت هدفها الأول والمباشر ضمن السنة الرياضية الحالية، حيث تألقت في الدورة الدولية المفتوحة برومانيا التي حطمت خلالها الرقم الأولمبي في جهاز العارضتين المتوازيتين مختلفتي الارتفاع، بمجموع نقاط 15:667 وهي سابقة منذ أولمبياد لندن 2012، حيث أصبحت هناك حركة مسجلة باسمها «حركة نمور»؛ لأنها الوحيدة التي أتقنتها في طريقة التعامل مع عارضتي الجهاز، نتائج أعطت القوّة والعزيمة للنجمة الصاعدة التي أعطت درسا في التحدّي للجميع، وفي نفس الوقت أعطت أمل وثقة لكل من لديه طموح في مجال الرياضة لأنه لا يوجد مستحيل فقط يجب العمل والمواظبة.
قالوا لها في إحدى القنوات إنها أخطأت عندما اختارت الجزائر؛ لأنها لن تنجح.. عبارات من جهات ناقمة، ردّت عليها نمور واثقة أنها لن تندم، وأثبتت في الميدان.. بالفعل، دخلت بقوّة جوّ المنافسة وتمكنت من تحقيق التأهل لنهائيين الأوّل في اختصاص الفردي العام لكل الأجهزة بعدما احتلت المركز الخامس بمجموع النقاط.. والثاني في جهازها المفضل العارضتين المتوازيتين مختلفتي الارتفاع بمجموع نقاط 15:600، وهي ثاني أفضل علامة لهذا الاختصاص في تاريخ المنافسات، ورغم أنها ضيعت ميدالية في الفردي العام بعدما أنهت المنافسة في النهائي في المركز الخامس بمجموع نقاط 55:899، إلا أنها وضعت ذلك على جنب، وركزت على آخر محطة لها حيث تألقت وأبدعت من خلال الحركات التي قامت بها في جهاز العارضتين المتوازيتين مختلفتي الارتفاع.
القادم أفضل لفراشة الجزائـر..
أدهشت نمور كل المتتبعين من خلال الأداء الذي أصبح راسخا في أذهان محبي رياضة الجمباز، ما أهّلها لتنال على تنقيط بدرجة صعوبة 7:2 وهو رقم جديد للألعاب الأولمبية، أما العلامة النهائية كانت 15:700 تجاوزت من خلال منافستها ذات الخبرة الأمريكية سيمون بتيلز صاحبة 6 ميداليات أولمبية و23 لقب في بطولات العالم، لتنصّب نفسها بطلة وسط تشجيع كبير من الجماهير الجزائرية التي حضرت بقاعة بيرسي بباريس، حيث صنعت أجواء لا تنسى تعكس مدى تعلقها بالرياضة وكل ما يربطها ببلدها الأم، حتى الصحافة العالمية تفاعلت مع هذه الميدالية الأولمبية التاريخية وركّزت على أداء كيليا نمور، والقادم أفضل بالنسبة للفراشة الصغيرة التي ستكون مع رحلة جديدة لن تكون سهلة لكنها ستكون مليئة بالإنجازات.
التتويـج الأولمبـي.. حُلـم تحقّـق..
أكدت نمور بعد تتويجها بالذهبية الأولمبية، أنها جدّ فخورة بتمثيلها ألوان الجزائر وشكرت كل من قدّم لها الدعم خاصة المسؤولين على الرياضة في الجزائر؛ لأنهم اقتنعوا بإمكاناتها ووقفوا إلى جانبها ماديا ومعنويا من أجل العودة للتحضيرات، وأهدت الميدالية لكل الشعب الجزائري ووعدت أنها ستقدم الأفضل مستقبلا، وقالت: «المشاركة في الألعاب الأولمبية أمر خيالي ولا يوصف ورغم الضغط الكبير قبل بداية المنافسة إلا أنني حافظت على تركيزي، وحقّقت المركز الخامس في نهائي الترتيب العام وهي نتيجة مقبولة بوجود أسماء كبيرة، وأنا جدّ سعيدة بتحقيق الميدالية الذهبية في جهاز العارضتين المتوازيتين مختلفتي الارتفاع والتي كانت ثمرة مجهود وعمل لسنوات عديدة، ولهذا أؤكد أنه لا يوجد مستحيل للوصول الى الهدف».