رغم غطرسة الاحتلال المغربي الذي لا يتردّد في استخدام كل الوسائل والأساليب المنافية للقانون والشرعية بهدف إبقاء سيطرته على الإقليم الصحراوي، ورغم ما يتلقاه هذا الاحتلال من دعم وتواطؤ من بعض القوى الدولية التي تصر بانحيازها المفضوح على سد كلّ المنافذ أمام تخليص القارة الإفريقية من فصول الاستعمار، فقد استطاعت القضية الصحراوية خلال سنة 2024 التي نعيش آخر أيامها، أن تحقق مكاسب وانتصارات هامة تشكل بالفعل قوة دفع للصحراويين في كفاحهم المستميت من أجل تحرير أرضهم وبناء دولتهم المستقلة.
إذا كان حصاد المغرب طيلة السنة المودّعة مرّا، حيث أنه لم يجن من زرعه البائس غير الأشواك والأزمات التي تمدّدت كالأورام السرطانية تنهش مختلف القطاعات وتعصف بكل المجالات، فإن الجمهورية العربية الصحراوية وشعبها المقاوم، على العكس تماما، نجحا في انتزاع مزيد من الدعم والتأييد لقضيتهما العادلة ولتنظيم استفتاء تقرير المصير، والمفارقة أن التأييد هذه المرّة جاء من عمق المغرب نفسه، ما شكّل زلزالا مدمّرا للمخزن ولسياسته الاستعمارية التوسعية، حيث كسّرت شخصيات فاعلة داخل المملكة ومعارضين في الخارج جدار الصمت والخوف وأعلنوا بكل صراحة ووضوح دعمهم لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير ومعارضة ما يسمى “خطة الحكم الذاتي” ومحاولات الاحتلال فرض سيادته المزعومة على إقليم الصحراء الغربية المحتلة.
وقد أكدت هذه الشخصيات، وفي مقدّمتها رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان، عزيز غالي، أن تنظيم استفتاء تقرير المصير هو السبيل الوحيد لحل النزاع الصحراوي الذي طال أمده، منبّهين إلى أن النظام المخزني يستغل القضية الصحراوية لتوجيه الأنظار عن وضعه الداخلي المتأزم الذي بات بالفعل على حافة الانفجار من شدّة الاحتقان الاجتماعي والتذمر الشعبي.
وبالإضافة للدّعم والتأييد الذي انتزعوه، حصل الصحراويون خلال سنة 2024 على قرارات أممية جدّدت التأكيد على أن القضية الصحراوية هي قضية تصفية استعمار، وحازوا على أحكام قضائية تقر بأن الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية بلدان منفصلان ومتمايزان بحيث لا يحق للمملكة المغربية استغلال أو الاستثمار في الثروات الصحراوية إلا من خلال الشعب الصحراوي وممثله الشرعي “البوليساريو”.
إضافة طبعا إلى موقف الاتحاد الأفريقي المساند والداعم للجمهورية الصحراوية باعتبارها عضوا كامل الحقوق في هذا المنتظم القاري المتمسك بتحرير آخر مستعمرة فيه، وأيضا موقف الشعب الصحراوي نفسه الذي، ورغم مرور نحو نصف قرن على غزو أرضه وما تبع ذلك من محن ومعاناة، فهو مازال صامدا ملتفا حول قضيته متمسكا بوحدة صفه التي تمثل مصدر قوته لمواجهة كل التحديات التي تعترض طريقه نحو النصر.
قضية تصفية استعمار
كما سبق وقلنا، حقّق الصحراويون مجموعة انتصارات كبيرة خلال الأشهر 12 الماضية، آخرها تمّ انتزاعه بداية هذا الأسبوع بمناسبة الذكرى 64 لمصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار 1514 (د15)، الذي ينص على منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، حيث عاد التأكيد بالمناسبة على الإطار القانوني لقضية الصحراء الغربية التي تبقى آخر مستعمرة في افريقيا، وواحدة من الأقاليم 17 في العالم التي مازالت تنشد الاستقلال والحرية.
ويعد القرار 1514 (د15) الذي صدر في 14 ديسمبر 1960، من أهم القرارات التي صادقت عليها الأمم المتحدة ويظل مرجعيا، حيث لقي طريقه للتحقيق وشكّل حلا عادلا وتاريخيا للعديد من البلدان التي كانت مستعمرة سابقا، ما أتاح لها فرصة التحرر والتمتع بالكرامة.
ويعتبر الصحراويون هذا القرار التاريخي البوصلة القانونية والشرعية لقضيتهم، والممر الحتمي للتخلص من الاحتلال مستعجلين تنفيذه حماية لهم وللقوانين الدولية التي تتعرض للدوس والانتهاك.
وقد جاء تجديد التأكيد على أن الصحراء الغربية “إقليم خاضع لإنهاء الاستعمار”، ليعزز قرارا صدر بداية هذا الشهر وتحديدا في الرابع من ديسمبر، من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها 79، والذي أكدت فيه أيضا على الإطار القانوني لقضية الصحراء الغربية كقضية تصفية استعمار.
وقد استند قرار الجمعية العامة الى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المؤرخ في 24 الماضي الذي أكد فيه على أن لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار (اللجنة الرابعة) التابعة للجمعية العامة واللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة (لجنة 24) تتناولان قضية الصحراء الغربية باعتبارها مسألة تتعلق بإنهاء الاستعمار.
وأعادت الجمعية العامة من خلال قرارها التأكيد على حق جميع الشعوب غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال، كما جددت التأكيد على مسؤولية الأمم المتحدة حيال شعب الصحراء الغربية، وطالبت لجنة 24 أن تواصل النظر في الحالة في الصحراء الغربية باعتبارها إقليما معنيا بإنهاء الاستعمار، وأن تقدم تقريرا عن ذلك إلى الجمعية العامة في دورتها الثمانين، كما دعت الأمين العام أن يقدم إلى الجمعية العامة في دورتها القادمة تقريرا عن تنفيذ هذا القرار.
وقد شكل هذا القرار الجديد “ضربة قوية لدولة الاحتلال المغربي التي تزعم بأن القضية تم حسمها من خلال بعض المواقف التي عبرت عنها بعض الحكومات الداعمة لنظام الاحتلال، حيث أكدت الأمم المتحدة أن القضية الصحراوية على أجندتها كقضية تصفية استعمار، ويبقى للشعب الصحراوي الحق غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال وفي السيادة الدائمة على موارده الطبيعية”.
العدالة تقول كلمتها..
النجاحات المحققة على مستوى جمعية الأمم المتحدة، رافقها انتصار تاريخي على مستوى المعركة القضائية من أجل صون الثروات الصحراوية وحمايتها من عمليات النهب التي يمارسها الاحتلال المغربي والدول المتواطئة معه.
ففي الرابع من أكتوبر الماضي، أصدرت محكمة العدل الأوروبية حكما نهائيا يقضي ببطلان الاتفاقيات الموقعة عام 2019 في مجالي الفلاحة والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الاوروبي لشمولها منتجات الصحراء الغربية بطريقة غير قانونية.
وأكد قرار المحكمة بأن “المفوضية الأوروبية انتهكت حق الشعب الصحراوي بإبرام اتفاقيات تجارية مع المغرب تشمل أراضي ومياه الصحراء الغربية دون استشارته”.
ونص على أن “عملية التشاور التي جرت لم تشمل “شعب الصحراء الغربية بل السكان الموجودين حاليا في الإقليم المحتل، بغض النظر عما إذا كانوا ينتمون إلى شعب الصحراء الغربية أم لا”.
وجاء في حكم المحكمة أن “الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لعام 2019 بشأن مصايد الأسماك والمنتجات الزراعية، والتي لم يوافق عليها شعب الصحراء الغربية، أبرمت في تجاهل لمبادئ الحق في تقرير المصير لهذا الشعب”.
وأقرت المحكمة أن العلامات التي تحملها المنتجات الفلاحية التي مصدرها الصحراء الغربية يجب أن تشير إلى الصحراء الغربية وحدها باعتبارها بلد المنشأ لتلك السلع، مع استبعاد أي إشارة إلى المغرب، وذلك لتجنب تضليل المستهلكين بشأن المنشأ الحقيقي لتلك السلع.
هذا، وإذا كان الصحراويون يصفون هذا الحكم القضائي بالنصر التاريخي، فهم لا يبالغون بالمرّة، لأنّه بالفعل كذلك، ليس فقط لأنه يحمي ثرواتهم من النهب والاستغلال، بل لأنّه يشير بشكل واضح إلى أن الصحراء الغربية إقليم متمايز عن المملكة المغربية، وشعبها مختلف تماما عن المستوطنين المغاربة الذين يستعمرون الأراضي الصحراوية.
ندوات دعم وتضامن
بالموازاة مع معاركها الدبلوماسية والقضائية الناجحة، فقد كثّفت الجمهورية الصحراوية خلال العام المودّع من نشاطاتها، سواء بحضورها مختلف الاجتماعات التي عقدها الاتحاد الافريقي كونها أحد أعضائه المؤسسين، أو مشاركتها في ندوات ولقاءات نظّمت خصيصا لدعم القضية لصحراوية والترويج لها.
ونتذكّر جيّدا فضيحة المغرب المدوية عندما تحوّل فريقه الدبلوماسي الحاضر في اجتماع القمة الإفريقية اليابانية “تيكاد” بطوكيو في 24 أوت الماضي إلى مجموعة بلطجية وقاموا بالاعتداء على ممثل الصحراء الغربية معتقدين بأنّهم سيتمكّنون من طرده باستعمال القوة، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهيه سفن المخزن، فكانت السقطة المدوية للدبلوماسية المغربية، وبالمقابل كان الدّعم الكبير للجمهورية الصحراوية، حيث أقرّ البيان الختامي لـ “تيكاد” حقها بالمشاركة في الاجتماع كعضو كامل العضوية في الاتحاد الإفريقي.
بعد “تيكاد” استمرّ الصحراويون في حصد الدّعم والتأييد من خلال الندوات المختلفة التي عقدت هنا وهنا عبر العالم، على غرار الندوة التي نظمت قبل أسبوع بمقر الامم المتحدة في جنيف والتي شهدت حضورا لافتا وتطرقت إلى قرار محكمة العدل الاوروبية الذي أعطى الحق للشعب الصحراوي في السيادة على ثرواته عبر ممثله الشرعي والوحيد، جبهة البوليساريو. وشددت على حتمية تنفيذ هذا الحكم.
كما أوصت الندوة بتوظيف القانون الدولي لتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير، حيث أجمع المشاركون على ضرورة تطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 القاضي بمنح الاستقلال للأقاليم المستعمرة، مطالبين المجتمع الدولي وفي مقدمته الامم المتحدة بتحمّل المسؤولية وتمكين الشعب الصحراوي من تحقيق الحرية والاستقلال، كما نددوا بازدواجية المعايير والكيل بمكيالين التي تنتهجها قوى من داخل مجلس الأمن والتي تعمل على ضمان وتأمين مصالحها على حساب القانون الدولي والشرعية.
غيض من فيض
وفي السياق، احتضن البرلمان الأوروبي قبل أيام، ندوة دولية حول القضية الصحراوية تحت عنوان “الندوة الدولية للقانونيين من أجل الصحراء الغربية”، من تنظيم جمعية حقوقيين من أجل الصحراء الغربية بالتعاون مع نواب بالبرلمان الأوروبي ومكتب البوليساريو في أوروبا والاتحاد الأوروبي، وعرفت مشاركة واسعة من نواب وحقوقيين وسياسيين ونشطاء من الأراضي الصحراوية المحتلة.
الندوة التي ركّزت على الجانب القانوني للقضية الصحراوية واستعرضت مجمل القرارات واللوائح التي تقّر حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، خلصت إلى أن تواجد المغرب بالصحراء الغربية هو “تواجد قوة احتلال ينتهج العنف لفرض هذا التواجد في خرق سافر للقانون والشرعية الدولية التي تمنع سياسة الضم بالقوة”.
ولأنّ الندوة تزامنت وإحياء الذكرى 76 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد ذكّرت بأن القانون الإنساني إلزامي بالنسبة للمحتل المغربي، ودعت الى ضرورة التدخل الدولي لوقف انتهاكاته الحقوقية الجسيمة ضد الصحراويين.
يبقى في الأخير الإشارة إلى أنّ هذا غيض من فيض الإنجازات والانتصارات التي حققها الصحراويون خلال سنة 2024، والتي لا تكتمل دون تسجيل الحصيلة الباهرة التي حققها الجيش الصحراوي على ساحة الوغى في مواجهة القوات الغازية والذَّوْدُ عَنْ الوطنِ