بعد مرور أكثر من شهر على اندلاع الحرب في أوكرانيا، وما تسبّبت به من تدفقات للنازحين واللاجئين لم تشهد لها أوروبا مثيلاً في تاريخها الحديث، وعقب مظاهر التضامن غير المسبوق الذي استقبلت به البلدان الأوروبية مئات الآلاف من المدنيين الأوكرانيين الفارين من أهوال الحرب، دقّت ساعة الحقيقة، كما يبدو، أمام هذا الواقع الجديد الذي من شأنه أن يعيد النظر بصورة جذرية في سياسة اللجوء، والهجرة التي يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبة كبيرة في التوافق حولها منذ سنوات.
بعد أن كان قاموس الهجرة الأوروبي مقصوراً منذ نهايات القرن الماضي على الموجات المتعاقبة من المهاجرين الذين يتدفقون عبر الحدود الجنوبية للاتحاد، والمعارضة الشديدة التي كان يلقاها استيعابهم في معظم دول الشمال، وخصوصاً في الدول الشرقية التي تحكمها أحزاب شعبوية أو يمينية متطرفة، تجد هذه الدول نفسها اليوم على الخط الأول من تدفقات النازحين على امتداد الحدود الأوروبية مع أوكرانيا، وعاجزة عن التعاطي في الأمدين المتوسط والطويل مع هذه الأعداد التي قاربت الأربعة ملايين حسب التقديرات الأخيرة، التي قد تصل إلى عشرة ملايين إذا اشتدّت المعارك أو طالت.
وتشاء المفارقات أنّ بولندا، وهي الدولة التي كانت تقود المعسكر المتشدد في المفاوضات حول سياسة اللجوء والهجرة في الاتحاد وترفض بشكل قاطع مبدأ توزيع الأعباء بين البلدان الأعضاء، هي التي سارعت اليوم إلى طلب مساعدة الشركاء الأوروبيين بعد أن زاد عدد النازحين لديها من أوكرانيا على 2.2 مليون نازح، أي ما يعادل 60 في المائة تقريباً من مجموع الذين دخلوا إلى بلدان الاتحاد الأوروبي.
وقد فاجأت بولندا، مدعومة بقوة من ألمانيا والمجر، الشركاء في الاتحاد، أمس الاول، عند افتتاح أعمال المجلس الأوروبي الاستثنائي لوزراء الداخلية والعدل عندما تقدمت باقتراح يعيد النظر جذرياً في المقاربة التي اعتمدها الاتحاد حتى الآن حول سياسات اللجوء والهجرة.
وكشف مصدر مسؤول أن المفوضية الأوروبية كانت تلقّت أواخر الأسبوع الماضي رسالة مشتركة من بولندا وألمانيا، تتضمّن اقتراحاً بتخصيص مبلغ 1000 يورو عن كل لاجئ للدولة التي تستضيفه، على أن يتجدّد كل ستة أشهر خلال بقائه في هذه الدولة، وتغطية نفقات السفر لمغادرة البلد الذي يصل إليه بعد خروجه من أوكرانيا.
ويذكر أنّ المفوّضية الأوروبية كانت خصصت الأسبوع الفائت 3.5 مليار يورو إضافية لمساعدة النازحين من أوكرانيا، لكن الاقتراح البولندي - الألماني المشترك يقتضي تنفيذه موارد مالية أكبر بكثير، خاصة إذا استمرت الحرب لفترة طويلة.