لم تكن التجربة الشعرية لإبراهيم صديقي مصدر تخيله الإبداعي ولكن الموهبة هي مصدر إلهامه التي ركزت على الجانب الجمالي للعمل الإبداعي . يعتبر الشاعر ابراهيم صديقي من المبدعين الذين صقلوا موهبتهم الفنية من خلال التجارب التي تركز خاصة على المفاهيم الكامنة في مختلجات الفكر الأدبي المفعم بالأحاسيس الفياضة في ظل تقلبات الأزمات الفكرية والأدبية للمبدعين، تحدث الشاعر لـ ''الشعب'' عن أزمة الشعر في الوطن العربي والجزائر خاصة، فكان هذا الحوار.
- ''الشعــب'': يشهد الشعر نوعا من التراجع عن المكانة التي كان يحتلها في السنوات الماضية، هل يمكن أن نسمي ذلك تلاشي قيمة الشعر في ظل التطور الكبير التكنولوجي الذي يشهده العالم؟
@@ ابراهيـم صديقــي: لا أوافقك هذا الكلام، فالشعر لايزال يحتل المكانة المرموقة التي احتلها منذ القديم أي منذ ظهور الشعر الجاهلي وإذا أردنا أن نحكم على مستواه الحالي، فإن نظام التفعيل والسرد بمختلف ألوان الشعر لا يستلزم إظهار فهم عميق للتمكن من استيعاب المعنى الحقيقي لسلطان الفنون وهو المصطلح الذي أحب أن أسميه باعتبار انه لم يفقد بريقه وجماهيره العريضة و ما يجب أن أقوله، أين هو فن العربية الأول في سياق الفنون الآن؟ أين الكلمة الرصينة والإيقاع المنفرد والإحساس المتدفق، أين الكلمة الشاعرة في زحام أيامنا وضجيج ليالينا؟ هذا ما أنا اليوم أبحث عنه وأتساءل عليه.
- ولكن هناك من أصبح ينفر من سماع القصائد الشعرية مهما كان مستواها الفني ورقيها، فما هي الرسالة التي توجهونها لهؤلاء؟
@@ فعلا لقد كان للشعر وجوده المؤثر في حياتنا، فكانت الصحافة تستقبل قصائد الشعراء وتنشرها في صفحاتها الأولى وكانت الأمسيات الشعرية محافل للجمال والتذوق مازلت أذكر الامسيات الشعرية التي كانت تقام في مختلف المحافل الثقافية في بلادنا من خلال المهرجانات التي كانت تقام على المستوى الوطني وكأنها من ليالي ألف ليلة وليلة وكنا نحضرها على استحياء ونحن ندرس في رحاب الجامعة ولابد أن نعترف أن مكانة الشعر تراجعت على مستويات كثيرة تراجع الشعر إبداعا.. وتراجع الشعر نقدا.. وتراجع الشعر تذوقا.. ومن هنا تراجعت مكانته بين الفنون الأخرى، ولم يكن غريبا أيضا أن تشاهد إحدى الندوات الشعرية ولا تجد غير الشعراء المشاركين فيها أما الجمهور، فقد غاب تماما وسط الانتشار المحزن و الكبير للأغاني الهابطة التي أفسدت تذوق الناس للفن الجميل و الابداع الشعري الساحر.
- وماهي الأسباب الحقيقية لهذا التراجع؟
@@ لابد أن نعترف أن هناك أسبابا وراء هذا التراجع، وربما كانت معروفه لدينا ولكننا أحيانا نفتقد الشجاعة في مواجهه مشاكلنا. ومن هذه الأسباب سقوط عدد كبير من الشعراء في فخ التقليد الأعمى للنموذج الغربي خاصة الفرنسي في كتابة الشعر، وهو ما يسمى قصيده النثر.. ولا شك أن عددا من شعراء الجزائر خاصة الأجيال الجديدة سقطوا في هذا الشرك وسايروا اتجاهات غريبة. كا نت قصيده النثر أول خطايا الشعراء.. لقد أبعدت عنهم جماهير الشعر وجلسوا يغنون لأنفسهم حتى ضاقوا ببعضهم البعض، وأنا لا أتصور شعرا بلا جمهور، ولا أتصور فنا من الفنون بعيدا عن الناس.. وهنا سمعنا من يقول، سوف تفهم الجماهير شعري في الأجيال القادمة.. وقد نسي هؤلاء أن الشاعر ابن زمانه وعصره، وبجانب خطيئة ما يسمى بقصيدة النثر وجدنا الشعراء وقد انقسموا على بعضهم البعض وكل اتجاه يرفض الآخر.. رغم أن أجمل ما في الشعر تنوعه، وأن البساتين تشمل أنواعا كثيرة من الزهور وأن الفنون بصفة عامة تقوم على التفرد والتميز والتنوع.
- ماهي نصيحتكم إلى الجيل الجديد من الشعراء؟
@@ ما يجب أن أناشد به و أدعو إليه هو أنه يجب أن نختار بعناية كبيرة القصائد الشعرية التي يدرسها أبناؤنا في المدارس لأن الشعر المقرر في البرنامج الدراسي الآن يجعلهم يكرهون اللغه العربية نثرا وشعرا كما ينبغي أن نهتم باللغة العربية لأنهاالأساس الذي ينطلق منه إبداع الشعراء وتذوق الجماهير.. وكتابات النقاد.. وأتمنى أن نرى يوما يعود للشعر فيه سلطانه القديم.