يعد طابع المالوف لون موسيقي يصارع الزوال منذ القدم، بالرغم من تولي بعض الشيوخ مهمة المحافظة عليه من خلال تحفيظه لأولادهم وأحفادهم ووجود معاهد لتعليم هذا اللون الغنائي..فالمالوف نمط من أنماط الموسيقى الأندلسية المتأثرة بالثقافة العثمانية، ومن المغنيين المشهورين في هذا النمط عبد الكريم بسطانجي، عمر شنوفي شقلب الصغير، عبد الرحمن قارة باغلي، محمد طاهر فرقاني، ريموند ليريس ''الشيخ ريمون''، عبد المؤمن بن طوبال، مصطفى رملي، حمدي بناني، حسن العنابي.
ويعتبر البعض قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري رائدة في هذا النوع الموسيقي ''المالوف'' بفنانيها وفرقها المعروفة، كما أن المالوف القسنطيني يتفرع بدوره في هذه المدينة لعدة طبوع منها العيساوة، كذلك ما يعرف بالفقيرات والوصفان.
وموسيقى المالوف تتكون مادتها النظمية من الشعر والموشحات والأزجال والدوبيت والقوما، مع ما أضيف لها من لمسات لحنية أو نظمية محلية، جمعت بينها دائرة النغم والإيقاع وما استعير من نصوص وألحان مشرقية، حيث أن النوبة أهم قالب في المالوف على اختلاف موطنه.
يشير الكثير من فناني المالوف إلى أن الدولة لم تتخذ أي خطوة حقيقية وإيجابية لتدوين هذا الفن الذي يعبر عن عراقة الموسيقى الجزائرية، بهدف حفظه من الزوال وتلقينه للأجيال القادمة، مؤكدين بأنه لم يبق لهم سبيل آخر سوى العمل بأنفسهم على تدوينه وكتابته نوتة بنوتة.
وفي هذا الإطار دعا نصر الدين بغدادي المختص في الموسيقى الجزائرية من الفنان حمدي بناني إلى تسجيل بعض المقاطع التي يعرفها في فن المالوف وتدوينها بهدف حمايته من الاندثار وتركه كتراث للأجيال القادمة..
وقال نصر الدين بغدادي خلال مداخلة ألقاها على هامش تكريم الفنان حمدي بناني إن هذا الفنان أبدع في هذا الطابع الموسيقي الذي أوصله إلى العالمية، مشيرا إلى أنه شخصية يستحق أن يلقب بـ''الشيخ'' لعطاءاته الفنية، حيث أنه صوت فريد من نوعه خاص به وغير مقلد للأصوات التي سبقته في هذا النوع الموسيقي، كما أنه لها مهارة كبيرة في العزف على الكمان.
وأضاف نصر الدين بغدادي بأن بناني كان شغوفا ومولعا بالموسيقى منذ صغره، حيث بدأ في سن المراهقة بتعلم الموسيقى، حيث توج في سن السادسة عشرة، بالجائزة الأولى للأغنية في سنة ١٩٦٣، ليكتشف الجمهور العنابي ـ حسب المتحدث ـ فنانا في سن العشرين، بعد أدائه رائعة ''يا باهي الجمال''، التي كانت الانطلاقة لحمدي بناني في عالم المالوف، ليقدم الكثير لهذا الطابع الموسيقي الجزائري العريق، وتبدأ رحلته مع الشهرة والنجومية، وشارك في عدة تظاهرات فنية وطنية ودولية، وتحصل على عديد الجوائز من بينها جائزة الامتياز بسمرقند أمام ٦٢ دولة مشاركة، وأطلق عليه اسم ''ملاك الأندلسي'' من قبل الفنان جمال بن صاري لإعجابه بصوته الشجي، ومن هنا طالب بغدادي في سياق حديثه من الفنان حمدي بناني تدوين وتسجيل بعض المقتطع التي يعرفها في فن المالوف حتى لا يندثر.
كما أثنى علي بناني شقيق الملاك الأبيض على مسيرته، مشيرا إلى أنه ترعرع في عائلة فنية أبا عن جد، وقال بأنه رافقه طيلة مشواره الفني ليكون السند له.
للإشارة فإن المسرج الوطني الجزائري كان أول أمس فضاء صدح من ركحه موسيقى المالوف عاليا، حيث أطرب الفنان حمدي بناني الحضور بأجمل أغانيه من بينها ''عينين لحبارة'' و''يا باهي الجمال'' التي صنعت الفرجة، وأثارت إعجاب الحاضرين، وهو دليل على أن الجمهور الجزائري محافظ ومتشوق للفن الأصيل، والذي حضر بقوة ليستمتع كذلك بوصلات فنية قدمها ابنه كمال بناني، الذي أبدع في تقديم أجمل أغانيه التي أطرب بها الحضور، مقدما أغنية ''يا ليل'' بقيادة المايسترو عبد القادر بوجليدة، الذي رافق أيضا طيلة الحفل كل من الفنانين أمال زان وعبد القادر شاعو.
لحمايته من الزوال
الدعوة إلى تدوين فن وموسيقى المالوف
هدى بوعطيح
شوهد:4526 مرة