الإسلاموفوبيا واللاّسامية: المعايير المزدوجة

«ضربني وبكى وسبقني واشتكى”
  (مثل عربي)


رياح غير طيّبة تلك التي تعصف بالمسلمين الذين يحملون سبب كل مصائب الأرض، وخاصة في الغرب. هناك في واقع الأمر حملة إعلامية وإجماع بين كل الأطراف على تشويه صورة المسلمين من خلال الحرص على اختصار صورتهم في أقلية سلفية، متانسين إسهامات الإسلام في الحضارة الإنسانية.

رياح غير طيّبة تلك التي تعصف بالمسلمين الذين يحملون سبب كل مصائب الأرض، وخاصة في الغرب. هناك في واقع الأمر حملة إعلامية وإجماع بين كل الأطراف على تشويه صورة المسلمين من خلال الحرص على اختصار صورتهم في أقلية سلفية، متانسين إسهامات الإسلام في الحضارة الإنسانية.

الاعتداءات على المسلمين تتزايد في فرنسا

خلال الأشهر الأخيرة، صدر تقرير يندد بسلوكات إسلاموفوبيا في فرنسا. هذه التصرفات سجلت ارتفاعا بـ11.3 خلال الأشهر التسعة الأولى مقارنة بنفس الفترة من العام 2012، بحسب المرصد الوطني لمناهضة الإسلاموفوبيا الذي أبدى قلقه كذلك، وعلى وجه الخصوص من الاعتداءات على النساء المحجبات. خلال السنوات الثلاث الأخيرة على التوالي، التصرفات والتهديدات تجاه المسلمين في ارتفاع، بحسب التقرير السنوي للجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان. فللسنة الثالثة على التوالي، ازدادت التصرفات والتهديدات المناهضة للمسلمين (266 حادث في 2013 أي بزيادة 11.3 من النقاط مقارنة بـ2012). وهي أرقام لا تعكس حجم السلوكات العنصرية التي يعاني منها المسلمون يوميا، لأنه وكما أشارت إليه كريستين لازارغاس، رئيسة اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان: “قلائل هم الذين يتقدمون بشكاوى وهذا بسبب الإجراءات الصعبة من جهة استقبالهم بطريقة غير ملائمة في محافظات الشرطة من ناحية أخرى”.(1)

ماهي الأسباب العميقة لهذه النظرة السلبية حول الإسلام؟

يشرح ريجي غوت، عضو اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان، أنه من المنطلق فإن “عرب ومسلمي فرنسا يتعرضون لنوعين من التمييز: عرقي وديني”. “أصبحوا كبش فداء في المجتمع الفرنسي، وذلك بسبب الأزمة على وجه الخصوص”. وذلك ما ذهبت إليه كذلك كريستين لازارغاس(...) ومسلمو فرنسا هم كذلك ضحية “تحرير خطاب الإسلاموفوبيا خلال السنوات الأخيرة وليس ذلك على الشبكة فقط ولكن عند السياسيين كذلك”.
وبحسب مارك لينبيرجي، عضو لجنة حقوق الإنسان، “النقاش حول الهوية الوطنية، الصلاة في الشوارع واللحم الحلال خلال حملة انتخابات 2012، زاد المخاوف من الإسلام. علاوة إلى ذلك، فإن التوجس من الإسلام أصبح يتغذى من وقائع راهنة.(1)

الإسلاموفوبيا المبنية بيداغوجيا من قبل المثقفين في فرنسا

من المعروف أن الإسلام كان دائما في مرمى المثقفين الطائفيين على غرار آلان فينكيلكروت، برنار هنري ليفي وألكسندر أدلار. والشيء الجديد أن هناك “فلاسفة” آخرين، كنّا نعتقد أنهم محايدون مثل ميشال أونفراي، دخلوا في اللعبة بهدف شيطنة الإسلام. ففي حوار له حول كتابه الأخير: “لنجعل غايتنا شعبية” والذي خصصه بكل وضوح إلى الإنذار الإسلاموفوبي. من ناحية أخرى، يدعم أنه يرى أنه خلال 50 سنة سيتم أسلمة أوروبا “فرنسا بالطبع” وهذا باسم الديموغرافيا. وفي نفس السياق، يقدم القرآن على أنه “نص عدواني يدعو إلى الكراهية وقطع الرؤوس”... وبكل تأكيد، فإن كل هذه العبارات تم إعادة نشرها على كل المواقع الإلكترونية لليمين المتطرف وخاصة عبر تلك المواقع المعروفة بكراهيتها للإسلام”. (2)
«كتب كليمون دوسي، نظرة أونفراي، هي بداية نظرة إسلاموفوبية من حيث تقديم الإسلام أساسا على أنه ديانة سلبية تشكل مصدر خوف، مقارنة بأخرى ويختصر ذلك بالقول إن الاسلام “يعلم قطع الرؤوس”(...). يواصل الكاتب، وقول ذلك في بلد كاثوليكي تم فيه منذ 30 سنة فقط التخلي عن استعمال المقصلة يبدو شيئا معبّرا للغاية. يمكننا أن نضيف إلى ذلك انه في فرنسا وإسبانيا الكاثوليكية المتشددة، كان يتم حرق الناس بطلب من المحكمة الدينية.(...) يمكننا الاعتقاد من ناحية أخرى أن غالبية المسلمين يعرفون قراءة سور القرآن، كما يعرف المسيحيون قراءة الإنجيل؛ إنجيل لا يقدم صورة مشرفة لربّ يمارس الانتقام. ونرى على سبيل المثال في هذا الكتاب المقدس، كيف تمت إبادة سكان أريحا (رجال، نساء، شيوخ وأطفال) بعد أن ساعدوا يوشع بن نون في السيطرة على المدينة. ألا يمكن القول إن إبادة الهنود في الجنوب، كما حصل في أمريكا الشمالية وأن نقل العبيد السود ومخيمات الإبادة في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية والاستعمال الوحشي وغير الإنساني للطائرات من دون طيار، كل ذلك صدر ولازال من أناس يعتبرون الإنجيل منهاج حياة وليس القرآن؟”.
«في إعلان الحرب هذا على الإسلام، نجد عند أونفراي كذلك معادلة عنصرية غير مشرفة مطلقا. أونفراي يدعم فكرة أن الديموغرافيا تبيّـن علميا أنه خلال 50 سنة ستتم أسلمة فرنسا. (...) كيف يمكن لفيلسوف ذاع صيته في وسائل الإعلام وأصدر فوق ذلك لتوّه كتابا بعنوان “لنجعل التعقل شعبيا”، أن يدعم هذه الأقوال اعتمادا على فرضيات عنصرية، إنني أجد هذا مخجلا وبشعا في الوقت نفسه.(...) يبدو أن محاكمنا عليها الاهتمام بهذه الدعوة إلى الحقد العنصري الذي تحمله تصريحات أونفراي تجاه مواطنينا ذوي “الأصول المسلمة”(2).

شجاعة ادوي بلانال

أمام هذه الوضعية المنذرة، وأمام الصمت القاتل لوسائل الإعلام، فعلى سبيل المثال هناك إشارات أكثر إلى معاداة السامية على الشبكة العنكبوتية مقارنة بالتلميح إلى الإسلاموفوبيا في فرنسا. أما انتظار موقف مشجع من النخب المسلمة المستقرة في فرنسا، فإنهم لا يريدون تضييع منظرهم الذي يبدون فيه كمختصين في إسلام التنوير وتلكأت ألسنتهم عن قول الحقيقة. أكثر من ذلك، فإن كراهية الإسلام التي ينتهجها اليمين، على غرار أولئك الذين يطالبون بلجنة تحقيق في معاداة السامية، تعتبر “صرخة إنذار والتفاتة تضامنية”: “الصحفي والكاتب ادوي بلانال نشر كتابا رافع فيه “لصالح المسلمين” إنها جملة صغيرة للفيلسوف آلان فينكلكروت، هي ما أثارت غضب مؤسس الموقع الإعلامي ميديا بارت ودفعته إلى إنجاز هذا الكتاب “المضاد للتيار” الذي ظهر فيه قلمه الحي والملتزم: “هناك مشكل إسلام في فرنسا”.(3)
رغم أن الجالية المسلمة تعاني مغصا اجتماعيا في إطار هذا الجو المفعم بالتشويه والعدائية...  ادوي بلانال أطلق “صرخة إنذار والتفاتة تضامنية” لفائدة مسلمي فرنسا.
في كتابه الذي رافع فيه لصالح المسلمين (دار نشر. الاكتشاف) ردّ الصحفي والكاتب على أولئك الذين يستهدفون الإسلام ويجعلون “منه مشكلا حضاريا” وسلط الضوء على متاعب الجالية المسلمة في فرنسا. انتقاد “لاقى صدى كبيرا في أوساط الجالية المسلمة”، فقد ندد أنور كبيبش، نائب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بذلك، قائلا: “مسلمو فرنسا يبدون قلقا حقيقيا وسط هذا الجو المفعم بالعنصرية”. المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وبالتوازي مع وزارة الداخلية سجل ارتفاعا بـ30 من المائة في السلوكات الإسلاموفوبية مقارنة بالسنة الماضية وهذه السلوكات لم تطل المساجد فقط، ولكن الأشخاص كذلك.(4)
بكل صرامة فضح ادوي بلانال أكذوبة “اللائكية” التي انتقدها وشبهها بحصان طروادة للإسلاموفوبيا. “بهذه الطريقة في إثارة الوازع الديني وبث الكراهية ضد الإسلام الذي يعترف بثقافة الأقليات وبالقوى الحية لهذا البلد “منطق كبش الفداء هو آلية زمن الأزمة.(..) إنها وسيلة السلطات الاقتصادية والسياسية للتهرب من الكارثة ومن فشل سياساتهم المنتهجة وللالتفاف على الرهانات الحقيقية المتمثلة في توفير السكن ومناصب الشغل”.(4)

ماذا عن التصرفات المعادية للسامية في 2014

في الجانب الآخر من المجتمع، جالية مقدسة لا تتوقف عن تجريم السلطات العمومية من خلال اللعب على حبل سوء المعاملة وجعل معاداة سامية في المقدمة وتضخيم حجمها، نقرأ في هذه المساهمة: “هل أصبحت معاداة السامية «ظاهرة جماهيرية»” ؟ هذا ما يراه المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا بعد تقرير تم نشره الجمعة، أين أشار إلى تضاعف السلوكات المعادية للسامية خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة. اعتمادا على شكاوى جمعتها مصالح الشرطة، التقرير تنجزه (مصلحة حماية الجالية اليهودية) وهي مصلحة نظامية تسيرها العديد من المؤسسات الإسرائيلية. وبحسب هذا التقرير، فإن عدد التصرفات المعادية للسامية المنتهجة بين جانفي وجويلية 2014 بلغت 91 من المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2013 وبهذا انتقلت من 276 إلى 527.(5)
هذه التوجهات أكدها لصحيفة لوموند وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف. وأمام هذه الوضعية، صرح أنه “عازم على مكافحة هذه الأحقاد الصغيرة التي تنخر الجمهورية من الداخل”. الإعلان خلال الصائفة عن إمكانية حلّ رابطة الدفاع عن اليهود، أثارت غضب جزء من الجالية اليهودية التي ترى في الدفاع عن النفس ملجأ شرعيا لمواجهة التصرفات المعادية للسامية وبعد دراستها من وزير الداخلية تبقى هذا الاحتمال في الوقت الراهن دون متابعة(5)
ورغم أن رابطة الدفاع اليهودية هي شعبة فرنسية لحركة نيونازية، أنشئت في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية من طرف ميار خان، والمصنّفة منذ 2001 كمنظمة إرهابية من طرف الحكومة الأمريكية، كما تم حظر نشاطها في إسرائيل، رابطة الدفاع اليهودية تعتبر منظمة متطرفة وعنيفة، وقد ذكر موقع بوليتيس قضاياها التي أفلتت من المتابعة القضائية في إطار “التأكد من سياسة اللاعقاب” التي تتمتع بها العناصر المشكلة لنواة هذه المجموعة، وهذا بحسب استنتاج أحد ضحاياها.(6)
إننا هنا! هناك بطبيعة الحال فريقان. جالية لديها قواعد صلبة تسمح لنفسها إصدار الأحكام على تصرفات الحكومة في مآدب العشاء التي يقيمها مجلس المؤسسات اليهودية، وهي تعوي كالذئب لتمرير رسائل تجعلها تتمتع باللاّعقاب مهما كانت السلطة الحاكمة. وحول معاداة السامية تصر (الرابطة المناهضة للعنصرية ومعاداة السامية) على أن تصرفاتها المعادية للسامية هي نتاج أقلية بسيطة ولا علاقة لها مع اللاسامية من الصنف الموريسي لليمين المتطرف التقليدي. ما يعني ببساطة انه لا يوجد في حقيقة الأمر تصاعد لمعاداة السامية بصفة شاملة في فرنسا وفي أوساط الشعب الفرنسي، على نقيض الحملة الدعائية التي تمارسها كيكيرمان التي تدين بالولاء لإسرائيل.
 في العالم الغربي وحتى في الدول الكبرى التي توجد بها جالية مسلمة، هناك رفض مفاجئ للإسلام الذي أصبح يمثله، ولابد من قول ذلك، الوحش الذي صنعه الغرب “داعش”.
دومينيك دوفيلبان صرح على قناة “بي.اف.ام.تي” يوم 12 سبتمبر، أن “الدولة الإسلامية هي الإبن الوحشي لعنجهية السياسات الغربية”. دوفيلبان بهذا صنّف نفسه ضمن الديغولية التقليدية المتميزة بالاتزان وبتفهّم العالم العربي.
هناك ضرورة لخطاب شجاع في هذه اللحظات الحالكة التي أعلنت فيها حرب كونية على الإسلام. وأضاف قائلا، لقد ضاعفنا الجيوب الإرهابية وحين لم يكن هناك إلا واحد في 2001 نحن اليوم أمام 15، الحرب في كل مكان، الدولة الإسلامية هي نتيجة عدم انسجام المنظومة الغربية، وبهذا فإن الرأسمال المعولم الليبيرالي والمنافق يلفظ أنفاسه. كما حصل من قبل في 1914 إنه لا يصلح إلا للهروب إلى الأمام في حروب لا تنتهي. الدولة الإسلامية تقدم لهم خدمات جليلة، فهي تشرعن حروبهم التي لا تنتهي. وهكذا شأن العالم اليوم.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024