رئيس مصلحة جراحة الفك بوهران..البروفيسور حيرش لـ “الشعب”:

رهان على وعي المريض لنجاح الاستثمارات الباهظة في مكافحة الدّاء

حوار: حبيبة غريب

 أبرز البروفيسور حيرش بغداد كريم، رئيس مصلحة جراحة الفك والوجه والتجميل والترميم، بالمؤسسة الاستشفائية “أول نوفمبر 1954” بوهران، في حواره مع “الشعب” جهود الدولة للتكفل بهذا النوع من الأمراض الخطيرة التي يتطلب علاجها أموالا باهظة تحرص السلطات على توفيرها في كل وقت، لكن يهدرها المريض بلا وعيه وعودته للسلوكيات الخاطئة المتسببة في إصابته بالسرطان، وهو ما يحتاج مثلما ذكر إلى تغيير خطاب التحسيس والتوعية، واستهداف أطفال المدارس بإشراك المجتمع المدني ومختلف الفاعلين في الميدان.


-   الشعب: تشير الأرقام إلى تفشّ رهيب لسرطان الوجه خاصة بين الشباب، ما هي أسباب ذلك، وما العلاقة بينه وبين استهلاك السجائر والمخدرات والكحول؟
 البروفيسور حيرش بغداد كريم: يعتبر سرطان الفم ثالث أكثر سرطان انتشارا في جسم الإنسان في العالم بعد سرطان الثدي والبروستات، وتعود أسباب السرطان الذي يصيب الفم على وجه الخصوص عند الكبار إلى الاستهلاك المفرط أو الجنوني للمواد السامة مثل السجائر و«الشمة” التي يقبل عليها عدد كبير من الشباب رجالا ونساء دون أدنى شعور بالعواقب الخطيرة التي تنجر عنها. ومن الأسباب أيضا وجود سجائر مقلّدة في السوق حاليا مشبعة بمواد كيميائية سامة وخطيرة، ناهيك عن المخدرات والشمة المصنوعة بمواد لا تخطر على بال، ونذكر أيضا مشاكل الحياة اليومية، القلق، غياب التغطية الصحية وعدم الاهتمام بنظافة الفم وغيرها.

- ما هو علاج هذا النّوع من السرطان؟
 يحتاج علاج هذا النوع من السرطان إلى عمليات جراحية تعد الأصعب في هذا المجال، فهي تتطلب دقة كبيرة ووقتا ومجهودات بشرية وتكلفة مالية ضخمة، لأن الأمر يتعلق بمرض يشوّه الوجه، يسقط الأسنان ويمنع الإنسان من التنفس والأكل والتكلم ليصبح منبوذا في المجتمع حتى من أقرب الناس اليه، وحتى بعد العملية يلزم المريض فترة طويلة من النقاهة، والالتزام الصارم بالتعليمات الطبية مع الابتعاد التام عن التدخين، واستهلاك كل المواد السامة الأخرى واتباع حياة صحية متوازنة.
قبل العملية الجراحية، يستقبل المريض بالمستشفى لمدة عشرة أيام، يتلقى خلالها المضادات الحيوية والتحاليل والأشعة اللازمة، ويتطلب ذلك التكفل بطعامه وفراشه وتوفير اليد العاملة المؤهلة للعلاج .
أما بخصوص تكلفة العملية، إذا قمنا بعملية حسابية بخصوص تكاليف يوم واحد في قاعة العمليات مع التخدير، الفعل الجراحي وكل الخطوات الأخرى المرافقة تصل إلى 3 ملايين دينار جزائري، نضيف إلى ذلك العلاج ما بعد الجراحة وحوالي 15 حصة من العلاج الكيميائي، ومثلها من العلاج الإشعاعي بقيمة 3 إلى 4 ملايين دينار جزائري، وفي حالة إذا ما احتاج المريض إلى علاج آخر أو عمليات جراحية إضافية يصل إجمالي القيمة المالية للتكفل بمريض سرطان فجوة الفم إلى 10 مليون دينار جزائري أو 1 مليار سنتيم. وهنا يمكن القول أن الاستثمار في علاج هذا النوع من السرطان له تكلفة جد عالية تتحمّلها الدولة.

-   ما الذي يمكن فعله للتّوظيف الحسن لهذا الاستثمار؟
 إن الحق في العلاج لابد أن يبقى مجانا، لكن بالمقابل علينا أن نعرف كيف نستثمر أموال الدولة بعقلانية وترشيدها، فمثلا عوض إهدار 93 مليار سنتيم على مرضى لا يكترثون لحياتهم، ولا يتعاونون مع الفريق الطبي ولا يحترمون شروط وقواعد العلاج، علينا أن نوظّفها للتكفل بالمرضى الملتزمين والمتمسكين فعلا بالحياة، والذين يحاربون من أجل الشفاء والحياة.
قبل إجراء العملية الجراحية للمريض ينبغي التحدث معه، وتحذيره من مخاطر العودة لاستهلاك السجائر أو “الشمة” أو الكحول، وعليه هو أن يعي خطر تأثير هذه العادات السيئة على حظوظه في نجاح العملية، لذلك نقول للمريض دائما إذا أردت أن تستثمر الدولة في علاجك ضع كل حظوظ الشفاء إلى جانبك، عليك بالمقابل أن تعي أهمية هذا الاستثمار وأهمية صحتك، وأن تقلع عن استهلاك تلك السموم.
وفي حين لم يمتثل المريض الى التعليمات الطبية، ولا يتوقف عن استهلاك السجائر والشمة وغيرها، فستواصل الدولة حتما التكفل به وتوفر الدواء له طبعا، لكن هذا إهدار للصحة والوقت والمال العام.
مؤخّرا قمنا بإجراء عملية جراحية لمريض في عمر 48 سنة لاستئصال ورم خبيث في فمه، هو مدخن لمدة تزيد عن 30 عاما، دامت العملية يوما كاملا وكانت دقيقة جدا. وعندما أفاق المريض من التخدير أول فعل قام به هو تدخين سيجارة، ما أدى إلى تلوث الجرح وتطلّب منا إدخاله من جديد إلى غرفة العمليات ومحاولة ترميم الأضرار، لذلك تبقى الوقاية هي العلاج.

- هذا يعني أنه حان الوقت لتغيير الخطاب التّحسيسي لرفع مستوى الوعي بخطر هذا النوع من الأمراض الثقيلة؟
 أظن ذلك، فلقد بات من الضروري اليوم تغيير الخطاب لأن استهلاك التبغ وغيره من المواد الخطيرة وصل اليوم إلى تلاميذ المدارس الابتدائية، وهذا خطر كبير على المجتمع، لذلك لا بد من الذهاب إلى تحسيس وتوعية الناشئة لأن هذه الفئة العمرية من 5 إلى 11 سنة مهمة جدا ويمكن التأثير فيها وبها.
نحتاج اليوم أيضا إلى تغيير جذري في سياسة التحسيس، ومن البديهي أن يلعب المجتمع المدني دوره لأن لديه مسؤولية كبيرة في هذا المجال، ناهيك عن القائمين على الصحة المدرسية.
لماذا لا نخوّف اليوم هؤلاء الأطفال ونريهم الصور؟ وماذا يمكن للتبغ أو الشمة أو المخدرات أن تفعل بجسم الانسان؟ ونحن نعرف جدا مدى تأثير الأطفال على أوليائهم، ويمكننا حينها وبصورة عكسية توعية الكبار من خلال الأطفال.
لابد من الحفاظ على مجانية العلاج وحق المواطن في الخدمات الصحية، لكن حان الوقت لدق ناقوس الخطر أمام التفشي الخطير لهذا النوع من السرطان الذي يمكن تفاديه بسهولة من خلال تكثيف عمليات التحسيس والتوعية ومحاربة انتشاره بالقضاء على المواد المقلدة في السوق للحد من أخطارها، وتشجيع التشخيص المبكر لسرطان الفم من خلال تحاليل تعتمد على مسح بسيط للثة يقوم به طبيب الأسنان.
إنّ هذه العملية البسيطة يمكنها أن تجنّب خزينة الدولة الكثير، إذا ما اكتشفنا المرض في طوره الأول وتداركناه منذ الوهلة الأولى لأنّه للأسف الشديد معظم الحالات التي تصلنا تكون في المرحلة الرابعة، أي في حالة جد متقدّمة وتكون فرص الشّفاء ضئيلة جدا.

- ما هي النّصيحة التي تقدّمونها لتفادي هذا النّوع من الأمراض؟
 وجب على الفرد أن يعتني بنظافته الشّخصية، وعلى رأسها نظافة الفم، والابتعاد عن تناول السموم والتدخين والخمر ومختلف أنواع المخدرات، والكشف المتكرّر كل ستة أشهر عند طبيب الأسنان لتفادي الإصابة، فالوقاية خير من العلاج.

-  أشرفتم مؤخّرا على عملية جراحية الأولى من نوعها في الجزائر والخاصة بعملية زرع ذاتي لأنسجة للفك السفلي لمريضة في عقدها الثالث من العمر كانت تعاني من سرطان الفك، هل ستكون هناك عمليات مماثلة لمرضى آخرين؟
 بالفعل، العملية كانت عملا مشتركا بين الطاقم الطبي والشبه الطبي لمصلحة جراحة الوجه والفك وطاقم من مصلحة الإنعاش الجراحية، لفائدة مريضة كانت تعاني من سرطان الفك بعد أن تعافت نهائيا منه منذ ثلاث سنوات، وقد تسبّب لها الورم في تلاشي تام للفك السفلي والأسنان.
كانت العملية دقيقة ومعقّدة في آن واحد، ودامت حوالي 8 ساعات كاملة، الأمر الذي جعلها دقيقة ومعقدة لتعويض العظام المفقودة، الأمر الذي سيسمح للمريضة التي فقدت أسنانا بالحصول على بنية عظمية جديدة لتثبيت الزراعات السنية القادمة بشكل آمن، أي من أجل تجهيز الفك السفلي لعملية غرس الأسنان ثلاثي الأبعاد.
الهدف من هذه العملية التي تمت بنجاح هو تحسين المظهر الخارجي للمريضة، وإعادة لها الثقة بنفسها كي تعود للاستمتاع بالحياة، وسنسعى إلى إجراء مثل هذه العمليات بمعدل عملية واحدة كل أسبوع لإعطاء أمل جديد لمرضى السرطان.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024