الرسّام الكاريكاتوري طارق صخراوي لـ”الشعب”:

أرسم لأقول.. فلسطين قضية وجود..

حوار: رابح سلطاني

 الكاريكاتور سلاح يفضح أكاذيب الصهاينة

الرسم الكاريكاتوري يتطلّب المعرفة بالوقائع والاطّلاع الواسع

أطمح إلى مهرجان وطني للكاريكاتور ينتصر للقضية الفلسطينية

هو مثل أيّ جزائري في وفائه للقضية الفلسطينية، ونقل آلام وأوجاع أطفال هذا الوطن وشعبه المثخن بالجراح جراء تكالب العالم وتآمره عليه، إنّه الرسّام الكاريكاتوري طارق صخراوي، ابن ولاية برج بوعريريج.. يكرّس معظم وقته لدعم المقاومة عبر رسوماته الكاريكاتورية، من أجل إيصال صوت الطفل الفلسطيني إلى ما وراء البحار وإلى أحرار العالم، من خلال المراهنة على الفنّ في نقل القيم الإنسانية.

الشعب: كيف بدأت معانقة فنّ رسم الكاريكاتور؟
طارق صخراوي: في الحقيقة، بدأت تجربتي مع هذا الفنّ بشكل عام، منذ نعومة أظافري، ولم أتلق فيها أيّ تكوين أكاديمي، بل اكتسبتها من خلال التقليد، واختيار رسومات لفنانين لهم باع طويل في هذا اللون الفنّي، أمثال الرسام “أيوب” وغيره ممّن يملكون موطأ قدم في هذا اللون الفني، فقد كنت معجبا برسومات أيوب إلى درجة أنّي أقمت أول معرض للرسم الكاريكاتوري سنة 1997 في معرض للكشافة، وكانت تجربة فريدة من نوعها إذ لم يعرف أهل قريتي مثل هذا الصنف من الرسم، لاسيما وأنّ وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن منتشرة مثل ما هي عليه اليوم.

- يبدو أنّ الرسم كان له حضوره وأنت في مقتبل الطفولة..
عندما كنت صغيرا، أقمت معرضا للرسومات الكاريكاتورية، يحمل أشكالا وشخصيات، أبرزت فيها الجانب الهزلي لبعض الشخصيات، بالرغم من حداثة سنّي، وكانت المفاجأة أنّ بعض الأفواج الذين قدموا من بعض البلديات، تفاجأوا بهذا اللّون من الرسومات وعبّروا عن استغرابهم إزاء تلك الصور والرسومات التي قلّدت فيها شخصيات من أبناء القرية، فقد مثل المعرض فرصة لاكتشافهم وتعرفهم على مثل هذه الرسومات، كما أنّ قصتي مع هذا الفنّ حملت كثيرا من المغامرات، أبرزها أنّي كنت اتّخذ من جدران الحيّ وطاولات الحجرة التي أدرس بها، مكانا لإبراز هذه الموهبة من خلال رسومات وأشكال تحاكي بعض الشخصيات، لدرجة أنّ المعلّمة كانت تستعين بي في رسم الأشكال وغيرها من المواد التي تحتاج إلى رسومات في مادتها، على غرار مادة العلوم الطبيعية والحياة والجغرافيا وغيرها، وفي ظلّ الإمكانات المحدودة، كما أنّ ممارستي للرسم مرت بمراحل مهمة، بدأت فيها بالاستعانة بالرمل والزجاج، في صنع التحف والرسومات، وكنت في كلّ مرة اصطدم بتوبيخات العائلة، على غرار الوالد، الذي كان يرى في ممارسة هواية الرسم تأثير على مساري الدراسي، غير أنّ إصراري على ممارسة الهواية هو الذي تغلّب في النهاية.

- كيف كرّّست هوايتك في الدفاع عن القضية الفلسطينية؟
بخلاف الفنون التشكيلية الأخرى التي تخضع إلى ضوابط وشروط معيّنة، توجّهت إلى الرسم الكاريكاتوري كونه فنّ لا يخضع لمعايير أكاديمية من حيث القواعد ودرجة الالتزام، فالرسم الكاريكاتوري يتيح للفنّان الحرية المطلقة في التعبير، والقضية الفلسطينية تمثل بالنسبة لي، مثلما هي لكلّ الجزائريين، أم القضايا، فقد كبرنا على حبّ هذا الشعب المكافح.. فلسطين قضية وجود، وأنا أدعمها بأعمالي منذ أتقنت هذا الفنّ، إذ أركّز على خبر حصري ويجب أن أتناول فيه كلّ المعطيات.. أغلب أعمالي استفزازية للصهاينة وتحفيزية للفلسطينيين، فالقضية الفلسطينية، تمثل لنا ذلك المبدأ الذي كبرنا عليه منذ ولدنا في هذه الأرض، فالجزائري الذي تم احتلال أرضه لأكثر من 130 سنة، استطاع بعدها نيل حريته واستقلاله بتقديم ملايين الشهداء، يدرك جيدا معنى المقاومة ومعنى أن تحتل أرضك، لهذا اخترت المقاومة والدفاع بالريشة والقلم في إيصال صوت القضية التي لا تموت في قلوبنا إلى يوم الدين.. فلسطين جرح غائر في الأمة لن تخمد آلامه إلى غاية إخراج هؤلاء الشتات، ورميهم في البحر، فبالنسبة لي، يستحيل أن يمر أسبوع أو حدث ما، ذا علاقة بالقضية الفلسطينية إلا وأشارك بمجموعة من الرسومات أفضح من خلالها ممارسات الاحتلال، أشاركها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، استهدف جمهورا من وراء البحار ممّن لا يمتلكون فكرة أو تصوّرا عن القضية الفلسطينية، وإن وُجدت فهي مشوّهة بسبب الأذرع الإعلامية المتسلّطة عليهم، وتتحمّل جزءا كبيرا في تزوير الحقائق حيال القضية الفلسطينية.

- نشرت رسما عن المقاومة الفلسطينية، حقّق أزيد من 5 ملايين معجب على موقع التواصل الاجتماعي؟
نعم، لم أكن أتصوّر أن يصل ذلك الرسم إلى ملايين الإعجابات، فقد تم تداوله عبر نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي.. اللّوحة حملت مضمونا كوميديا، أبرزتُ من خلالها أحد عناصر المقاومة، وهو يعود بصيد سمين بعد رحلة الصيد، ويظهر فيها جندي المقاومة وهو يقوم بتعليق جنود صهاينة تم ربطهم في وتد خشبي يحمل علم فلسطين، تماما مثلما يقوم الصياد بقنص الأرانب أثناء ممارسة هواية الصيد خلال رحلة في الغابة، حيث حقّقت هذه الرسمة الملايين من الاعجابات وتعرضت بسببها إلى الحظر من موقع التواصل، بسبب التبليغات المستمرة.. فقد تزامن إطلاق اللّوحة مع انطلاق انتفاضة طوفان الأقصى، عندما قامت المقاومة بأسر عدد كبير من ضباط الكيان، بعد اختراقهم الجدار العازل في الضفة الغربية في ظرف ساعات قليلة، واندهشت لما تجاوزت اللّوحة في ظرف وجيز لم يتعد 24 ساعة، هذا العدد من المشاهدات.

-  الرسومات الكاريكاتورية الاحترافية تنمّ في مضامينها عن تراكم معرفي حيال قضية معينة؟
بطبيعة الحال، فكلّ لوحة احترافية وناجحة، تعبّر عن فكرة وتصور يتسم بالموضوعية، حيث يستقرئ الرسّام من خلالها، عددا من الأحداث بطريقة علمية، تبرز مدى اطّلاعه ومعرفته بالأحداث، فثمّة فرق شاسع بين لوحة مبتدئ، واللّوحة التي تبرز مدى علم الرسّّام بالأشياء وتبرز مدى اطّلاعه، منها الفكرة القويّة التي تتضمّنها اللّوحة الكاريكاتورية من حيث إلمام صاحبها بالمعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا يتحقق بالخبرة والمطالعة التي تحقّق التراكم المعرفي، فالرسّام الكاريكاتوري ابن بيئته، لذا وجب إبراز ميولاته واتجاهاته.. ولابد لأيّ رسّام أن يتحرى هذه العوامل بالإضافة إلى الصدق في انتقاء المعلومات، من أجل نقلها للجمهور أو المتلقي، مثله في ذلك مثل الصحفي الذي يتحرّى الصدق، يرفقه بنوع من التحليل خلال الروبورتاج والتحقيق الاستقصائي، ولهذا نجد معظم الجرائد تخصّص مساحة مهمة لقراءة وتصور الفنان الكاريكاتوري في قراءة الأحداث اليومية.
لقد وجدت في الرسم الكاريكاتوري ضالتي، والدليل عند عمل رسم واحد يمكنني تلخيص الكثير.. توجد رسومات بسيطة، فإذا أزحنا عنها الضغط، تحولت اللّوحة إلى مقال يمكن شرحه في ثلاث إلى أربع صفحات، وبهذا يمكن أن نعرف أنّ التعبير الكاريكاتوري يمكن استعماله كلغة يفهمها المتلقي، ويعالج من خلالها الفنّان كثيرا من القضايا، وليس كما يتبادر إلى أذهان الناس أنّّه فنّ محصور في السياسة فقط، بل يتطرق إلى جميع الميادين مثل الصحة، الاقتصاد، الفنّ، المجتمع..

هل لك مشاركات بالمعارض، وما هي أهم الجوائز التي حصدتها في مشوارك الفنّي؟
 شاركت في عديد المسابقات الدولية، أذكر منها، تحصّلي على مراتب مشرّفة ضمن قائمة الأسماء الأولى في معرض للفنّ الكاريكاتوري أقيم بمصر سنة 2022، تحت إشراف الفنانة شيماء شريف، هذا الإسم البارز الذي علا نجمه مؤخرا في سماء الفنّ، وقمت بتشريف الألوان الوطنية الجزائرية في دولة اليمن الشقيق، حيث تحصّلت على شاهدة خاصة بعنوان “الظلم”، وتم عرض أعمالي في كبرى الجامعات العراقية، كما تم تعييني ضمن طاقم تحكيم اللّوحات بمصر في مسابقة جمال عبد الناصر، وهذا الاختيار لا يأتي من فراغ وإنما هو وليد خبرة استمرّت طويلا في مجال الفنّ، بالرغم من حداثة سنّي، وكنت حكما لأسماء كبيرة في فنّّ الكاريكاتور..

-   ما الفرق بين الرسم الكاريكاتوري والرسم الرقمي؟
لا يوجد فرق، وأوجه الاختلاف قد تكون في دقّة أفكار اللّوحات فقط، لأنّ الرسم الرقمي يسهّل الكثير من الأمور والتفاصيل المتعلّقة بتكرار الرسومات، خاصّة من حيث التحضير، إذ يستدعي الرسم على الورق التحضير عبر استعمال الألوان الخشبية وطبقة اللّون، أمّا الرسم الرقمي فيتيح التدرّج في الألوان بطريقة سريعة..  بالنسبة للأوراق فقد يستغرق مزج ودمج عدّة ألوان من أجل الحصول على لون واحد معين مثل بشرة الإنسان، وأضحى هذا النوع من الرسومات الرقمية مطلوبا لدى معظم الجرائد مقارنة مع فترات سابقة، لكنّ اللّمسة التي تبقى، هي اللّمسة اليدوية لما فيها من ذوق وروح..
- هل يمكن القول إنّ الذكاء الاصطناعي يهدّد الرسم على الورق؟
الصورة المرسومة بالذكاء الاصطناعي تبقى رسومات بلا روح، كونها تفتقر إلى اللّمسة الإنسانية، شأنها في ذلك شأن التحف المصنوعة باليد، فمثلا الساعة المصنوعة باليد تبقى غالية وتملك قيمة رمزية، فالذكاء الاصطناعي هو عبارة عن قاعدة بيانات وأفكار يتم إدراجها، إذ لا يقدم فكرة مبتكرة جديدة، في حين أنّ الرسومات التي يقدّمها الإنسان تحتوي على عنصر الابتكار، فالحاجة التقليدية تبقى ذات رمزية، مثل صناعة الحرف التقليدية على غرار “البرنوس” مثلا، الذي تبدع في صناعته أنامل الإنسان، فبالرغم من وجود إمكانيات أخرى لصناعة هذا النوع من اللّباس، إلاّ أنّ الأصل هو الباقي مهما حصل من تطوّر.

- مجلة عالمية احتضنت أعمالك خلال الأشهر الأخيرة؟
 نعم لقد تم اختيار أعمالي، في الآونة الأخيرة، ضمن أفضل 75 رسّاما كاريكاتوريا في العالم، في مجلة أرجنتينية تعنى بالفنّ، حيث عرفت أعمالي الفنية خلال الأشهر الأخيرة اهتماما كبيرا من طرف الأجانب، وقد تم اختياري في العديد من المجلات التي تعنى بالفنّ، وهذه المكانة لم تأت من فراغ، وإنما كانت من خلال أعمال أخرى نشرت لي في مجلات عالمية، على غرار تركيا وغيرها من الدول.

- ماذا عن طموحاتك المستقبلية؟
أطمح إلى إقامة مهرجان دولي يتضمّن رسومات حول القضية الفلسطينية بدعم من وزارة الثقافة والفنون الجزائرية.. معرض يبرز موقف الجزائر الداعم للقضية الفلسطينية، لاسيما وأنّ الجزائر تتوفّر على طاقات هائلة في هذا الصّنف الفنّي من الرسومات الكاريكاتورية ومنها ولاية برج بوعريريج التي تملك طاقات كبيرة في هذا اللّون من الفنون التشكيلية، فأنا أريد أن أبرز من خلال المعرض معاناة الشعب الفلسطيني ووقوف الجزائر مع القضية التي هي امتداد وعقيدة عند كلّ جزائري.

- رسالة توجّهها إلى الفنّانين..
رسالتي عبارة عن مبدأ أعمل به وعنوانه “فلسطين قضية وجود وليست قضية حدود”، والقضية يجب أن يحشد لها الفنّان كلّ وقته وحواسه، وأتمنى أن يضع كلّ فنان لمسته ولو بلوحة واحدة، فقد تؤثر على الرأي العام بأكمله وتفضح الصهاينة أمام العالم أجمع.
 في الأخير، أريد أن أشير إلى أمر، هو أنّ الصهاينة لا يطيقون الحقّ، والدليل عمل واحد من أعمالي أثار حفيظتهم وبغضهم وتعرّضت للهجمات وتبليغات كثيرة على حسابي، بدون التطرّق إلى تعليقاتهم العنصرية ورسائلهم التي تحمل الكراهية، خلاصة القول “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024