الدّكتور محمد النذير عبد الله ثاني لـ “الشعب”:

مواكبة تطـوّر البيئـة الإعلاميـة لتجويـد الوسائـل وضبط المهنة

حوار: سعاد بوعبوش

تكريس مبـدأ الملكيـة الفكريــة والأدبية في البيئــة الإعلاميـة

 دخل قانون الإعلام الجديد حيز التنفيذ بعد صدوره في الجريدة الرسمية الخميس الفارط، والذي ينتظر أن يكون إطارا تشريعيا من شأنه أن ينظم مهنة الاعلام بالجزائر كما وعد رئيس الجمهورية في التزاماته، بعد أن عرفت الكثير من التجاوزات والخروقات وصلت لحد الفوضى التي أضرّت بحقوق ممارسيها قبل المشهد الإعلامي ككل، كما تضمّن استحداث العديد من الهيئات التي ستسهر على مرافقة ممارسة الصحافة بشكل يوازن بين الحرية والمسؤولية المهنية، كل هذا ناقشته “الشعب” مع الأستاذ والباحث الجامعي الدكتور محمد النذير عبد الله ثاني.

-  الشعب: صدر أخيرا قانون الاعلام الجديد بعد طول انتظار، ما تعليقك عن الموضوع؟
د. محمد النذير عبد الله ثاني: صدور القانون العضوي المتعلق بالإعلام رقم 23-14 المؤرخ في 27 أوت 2023 في الجريدة الرسمية مؤشر على تنفيذ الحكومة التزامات رئيس الجمهورية بشأن قطاع الاعلام، ويدخل ضمن الإصلاحات التي باشرها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في تنظيم قطاع الاعلام منذ توليه رئاسة الجمهورية.
وجاء هذا الصدور نتيجة جهود عمل الحكومة في مواكبة التطورات التكنولوجية والمهنية التي تحدث في مجال الإعلام والصحافة، وضرورة تكييف وتعديل القانون الإعلام مع المستجدات الراهنة في البيئة الإعلامية الجديدة بعدما تمت إحالة قانون الإعلام الجديد على الأجهزة الرقابية القضائية التي اعتمدته، وأصدر من قبل الوزارة الأولى في الجريدة الرسمية في عددها 56.
-  القانون الجديد تضمّن عدّة هيئات كانت مطلب الكثيرين بهدف تنظيم المشهد الإعلامي، وإعادته للسكة بعد الفوضى الكبيرة التي عرفها لاسيما بالنسبة للجرائد والمواقع الالكترونية، وحتى بالنسبة للسمعي البصري، ما هي قراءتك لهذه الخطوة؟
القانون العضوي للإعلام الصادر في الجريدة الرسمية في العدد 56، في الباب الرابع الفصل الاول المادة 14 بشأن استحداث سلطة لضبط الصحافة المكتوبة والالكترونية، وهي هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة إداريا وماليا، غير أن المستجد في المادة 14 يكمن في إضافة مسمى “الصحافة الالكترونية للصحافة المكتوبة”، وبالتالي سيسمح لمخرجات السلطة متابعة المحتوى الالكتروني للصحافة الالكترونية، وهذا يدخل ضمن ضبط المحتوى الالكتروني ومخرجاته، والحد من التجاوزات والفوضى في الفضاء السيبراني لملاك ومستخدمي الصحف الإلكترونية.
وبخصوص سلطة وطنية مستقلة لضبط السمعي البصري، لم تستحدث وإنما كانت موجودة في القانون رقم 14-04 المتعلق بالنشاط السمعي البصري، ولكن المستجد في القانون العضوي للإعلام الجديد هو إضافة طابع الاستقلالية على سلطة وطنية مختصة في ضبط السمعي البصري، كما ورد في القانون العضوي المتعلق بالإعلام رقم 23-14 المؤرخ في 27 أوت 2023، والذي جاء ليعيد هيكلتها وتنظيمها لتكون أكثر نجاعة في ضبط السمعي البصري.
فالوظيفة لم تكن أكثر نجاعة نظرا لعدم استقلاليتها، فمبدأ الاستقلالية يعطي روحا قانونية وسلطة تسمح لهذا الجهاز بالحرية في اتخاذ قرارته بما يمليه الدستور والقوانين والأخلاق والأعراف في هذا النشاط السمعي البصري.

إلزامية التّكوين والحق في المعلومة..ضمان لجودة المنتوج الإعلامي

-  الكثير من المؤسّسات المستخدمة تخلّت عن التكوين، والقانون تطرق لهذه النقطة بإضفاء صفة الإلزامية من أجل القيام بذلك، ناهيك عن تمكينه من حق الوصول للمعلومة، ما مدى مساهمة ذلك في تحقيق جودة المنتوج الإعلامي؟
 فعلا هذا المتطلب الالزامي في القانون العضوي المتعلق بالإعلام رقم 23-14 المؤرخ في 27 أوت 2023 يدخل ضمن رؤية رئيس الجمهورية في تجويد مخرجات الإعلام، ويعتبر أقوى مؤشر في تحسين الخدمات الإعلامية، فالصحفي في حاجة ماسّة إلى تكوين مستمر وتأهيل مستدام، وهذا ما ينعكس على جودة المنتجات الإعلامية ونجاعة البيئة الإعلامية بما يخدم المصالح الوطنية والمجتمعية.
من جهة أخرى، جاء في القانون العضوي المعدل إلزام الهيئات الحكومية في تمكين الصحفي من حقه المتمثل في الحصول على المعلومة من ناحية، ومن ناحية أخرى يسمح للهيئات الحكومية الارتكاز على أحكام مواد قوانين في تزويد الصحفيين بالمعلومات بالرغم من أن المؤسسات لها ما يسمى بأسرار المهنة، والنظام الداخلي الذي لا يؤهل في أغلب الأحيان المستخدمين البوح أو التصريح بمعلومات تخص المؤسسة إلا بترخيص من صاحب الهيئة المستخدمة.
وهذا ما يتعارض مع نصوص القانون العضوي للإعلام المستجد ومع ما نص عليه الدستور، وفي نص المادة 33 فيه استثناء لبعض القطاعات الحساسة والحيوية كالدفاع الوطني وأمن الدولة، السيادة الوطنية، الوحدة الوطنية الترابية وبسرية التحقيق القضائي، مشروعية مصالح المؤسسات وما يهدد مصالحها والحقوق الخاصة للغير...، كل هذه الأحكام مستثناة من أحكام المادة 32، والتي تعبّر بصراحة على تسهيل للصحفي المهمة في الحصول على المعلومة استثناء ما جاء في احكام المادة 33 من القانون العضوي للإعلام التي أسلفنا ذكرها.
وبالتالي القانون العضوي المتعلق بالإعلام رقم 23-14 المؤرخ في 27 أوت 2023 أعطى ترخيصا للمؤسسات والهيئات بهدف تزويد الصحفي بالمعلومات التي لا تتعارض مع أحكام المادة 32 من القانون العضوي المتعلق بالإعلام رقم 23-14 المؤرخ في 27 أوت 2023.

تكريس الملكية الأدبية والفنية للصّحفي على أعماله  

-  القانون تطرّق أيضا ولأوّل مرة لحماية أعمال الصحفي من السّرقات الأدبية التي أصبحت ظاهرة منتشرة، ما أهمية ذلك في تحسين المشهد الإعلامي بالجزائر؟
 ورد في المادة 29 من القانون العضوي للإعلام الصادر في الجريدة الرسمية في العدد 56 بأنّ خضوع نشر أو بث أي عامل صحفي واستغلاله في صيغته الأصلية من قبل أي وسيلة إعلام أخرى للموافقة المسبقة من صاحبه، كما نصّت نفس المادة على استفادة الصحفي من حقوق الملكية الأدبية والفنية على أعماله، وهذا ما يعتبر المستجد في القانون العضوي للإعلام رقم 23-14 المؤرخ في 27 أوت 2023. هذا الحق هو حماية للسرقات الأدبية والفنية للصحفيين؛ فهذا الاطار التشريعي يسمح بتنظيم وضبط هذه الخروقات والتجاوزات التي كانت تقلق جمهور الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، فالموافقة المسبقة كإجراء قانوني تعتبر بمثابة الفيصل في أي نزاع أخلاقي أو قضائي يحدث في هذا الشأن.
وفيما تعلق باستفادة الصحفي من الحقوق الملكية والأدبية والفنية لأعماله، فهذا يعتبر تكريسا لمبدأ حماية الملكية الفكرية والأدبية والفنية في البيئة الإعلامية، ويعزّز حقوق الصحفي وحمايته من التجاوزات القانونية التي كان يمليها عليه صاحب الهيئة المستخدمة المتمثل في المؤسسات الإعلامية، فأحكام المادة 29 أعطت ضمانات وحماية قانونية لأعمال الصحفي وحقه المشروع الاستفادة منها.
-  أخيرا، تمّ استحداث مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحف، إلى أي مدى سيساهم ذلك في وضع إطار أخلاقي ومهني لممارسي المهنة؟
 المستجد في الفصل الثالث وبالضبط في المادة 34 من القانون العضوي للإعلام الصادر في الجريدة الرسمية في العدد 56، استحداث مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي، وهو المجلس الذي سيعزز مهام سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية، وأيضا السلطة الوطنية المستقلة للسمعي البصري.
ويعتبر هذا الجهاز الرقابي على مخرجات مهنة الصحفي، فقرارات مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي تعد بمثابة دفاع على مهنة الصحفي، ومراقبة نشاطات الصحفي في الجزائر في حالة التجاوزات الأخلاقية والمهنية التي ستبنى على ميثاق آداب وأخلاقيات مهنة الصحفي بعد المصادقة عليه من قبل المجلس ويتم نشره، فالمادة 34 نصت على إنشاء مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي، ويتم تحديد تشكيلة مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي من التنظيم نفسه.
ويتشكّل المجلس من اثني عشر عضوا على النحو التالي: ستة أعضاء يعيّنهم رئيس الجمهورية من بين الكفاءات والشخصيات والباحثين ذوي خبرة في المجال الصحفي، ستة أعضاء ينتخبون من بين الصحفيين والناشرين المنخرطين في المنظمات المهنية الوطنية المعتمدة، ويلاحظ من خلال التشريع الجديد في تشكيل المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي، وهو 50 في المئة من أعضاء المجلس أعضاء منتخبين من الصحفيين والناشرين المنخرطين في النقابات والمنظمات المهنية الوطنية المعتمدة.
أما النصف الآخر الذي يشكّل 50 في المائة، وهم تعيينات من قبل رئيس الجمهورية وتشمل الكفاءات والشخصيات والباحثين ذوي خبرة في المجال الصحفي، وهذا يشير إلى أنّ المشرع حرص على إدراج الباحثين في ميدان الإعلام والصحافة كممثل في المجلس لإضافة نجاعة لمهامه ومخرجاته.
في المقابل يتكفّل المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي بإعداد ميثاق آداب وأخلاقيات المهنة والمصادقة عليه، حيث يعد ادراج إعداد ميثاق آداب وأخلاقيات مهنة الصحفي في المادة 34 من القانون العضوي المتعلق بالإعلام رقم 23-14 المؤرخ في 27 أوت 2023 مؤشر من مؤشرات إرادة الدولة في ضبط الآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي، فالمجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي هو المؤهّل قانونا حسب ما ورد في المادة 34 من القانون العضوي المتعلق بالإعلام رقم 23-14 في إعداد ميثاق آداب وأخلاقيات مهنة الصحفي، ويعتبر هذا الميثاق بمثابة المرجعية الوطنية التي يلتزم بها الصحفيين في ممارسة مهنة الصحافة.

تجريم التدخّل الأجنبي في تمويل الإعلام الوطني

-  ممّا لا شك فيه أنّ الإعلام في الجزائر عرف الكثير من الفوضى، وصل لحد التدخل في توجيهه لخدمة أغراض لا تخدم المصالح الوطنية، سواء عن طريق الأموال أو بمنح الإشهار أو طرق أخرى من شأنها التأثير في النشاط الإعلامي، كيف ترى تعامل القانون الجديد مع هذه النقطة؟
 ورد في القانون العضوي المتعلق بالإعلام رقم 23-14 في الباب السابع بشأن الجنح المرتكبة في إطار ممارسة نشاط الإعلام، وشدّد في المادة 44 بأن تعاقب بغرامة من مليون دينار 1000000 دج إلى مليوني دينار 2000000 دج كل وسيلة إعلامية تلقّت سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة، تمويلا أو مساعدات مادية دون أن يكون لها ارتباط عضوي في الهيئة المانحة، أو استفادة من تمويل أو مساعدات مالية من هيئة أجنبية، خارج الأموال الموجهة إلى دفع حقوق الاشتراكات والإشهار، وذلك وفقا للتعريفات والتنظيمات المعمول بها.
ويمكن للجهات القضائية المختصة مصادرة الأموال محل المخالفة؛ وهذا يعتبر تشديدا وتأكيد المشرع على تجريم التدخل الأجنبي في تمويل الإعلام الوطني، كما جرم المشرع في المادة 45 بإعارة الأسماء إلى الأشخاص الطبيعية والمعنوية سواء بالتظاهر باكتتاب أسهم أو اقتناء حصص قصد إنشاء وسيلة إعلامية، ويعاقب بنفس العقوبة المستفيد من عملية إعارة الاسم، وقد يصل الأمر إلى غلق الوسيلة الإعلامية من طرف الجهات القضائية المختصة ومصادرة تجهيزاتها، وهذا خطاب موجه إلى جمهور الصحفيين وملاك وسائل الإعلام بأخذ احتياطاتهم من المتابعات الجزائية، في المقابل ورد في المادة 48 بمعاقبة كل إهانة لقادة الدول وأعضاء البعثات الدبلوماسية والقنصلية المعتمدين لدى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية بغرامة من ألف دينار 100000 دج إلى 500000 دج.
وفي سياق حماية الصحفي من الإهانة أثناء تأدية مهامه، يعاقب طبقا لقانون العقوبات كل من أهان بالإشارة المشينة أو بالقول الجارح صحفيا أثناء ممارسة أو بمناسبة ذلك، وتعاقب كل وسيلة إعلامية من 500000 دج إلى مليون دينار 1000000 لا تكتتب تأمينا على حياة الصحفي.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024