المجاهد عبد الله عثامنية وأحد أعضائها البارزين لـ ”الشعب”:

هذه «أسرار» وقصّة جمعية العلماء المسلمين مع التعليم

حوار: سهام بوعموشة

أبنـاء الجمعيـة كانوا جزءا من ثورة التحريـر المبـاركة

شيــوخ جمعية العلمـاء أنقذوا أول دخـول مدرسـي بالجزائـر المستقلة

الشيخ بلقاسم اللوجاني.. والد المرحوم  لمين بشيشي فتح مدرسة في سدراتة عام 1911

هذا الحوار الذي نضعه اليوم بين أيدي قراء “الشعب”، يمكن اعتباره وثيقة تاريخية مهمّة، فقد قدّم فيه المجاهد عبد الله عثمانية معلومات فرية، وأبرز  - وهو عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين - دور الجمعية في محاربة الأمية بتعليم أبناء الجزائريين إبان الاحتلال الفرنسي الذي عمل على تجهيل شعبنا ومحاربة اللغة والدين.. الحوار أجريناه بمناسبة الذكرى الـ61 لاسترجاع السيادة الوطنية، وهو يقدّم صورة رائعة عن عزم الجزائريين وصمودهم، ويؤكد أن أبناء الجمعية كانوا وقودا للثورة المباركة، وسفراءها بالعواصم العربية، واستشهد كثيرون منهم بساحات الوغى..

-  ”الشعب”: بداية من هو عبد الله عثامنية؟
 عبد الله عثامنية: من مواليد 1935 بالمريج، وهي بلدية بولاية تبسة، درست القرآن الكريم، قبل الالتحاق بالمدرسة الابتدائية التي شيدتها جمعية العلماء في مدينة ونزة ابتداء من 1950 أو 1951، ثم التحقت بمعهد عبد الحميد بن باديس، رفقة ثلاثة من زملائي توفوا جميعا وهم عبد المجيد براكتية، فواتحية بلغيث، والشريف سهايلية.. كنا ننام في زوايا المساجد؛ لأن جمعية العلماء لم يكن لها مقرات بالمنطقة، أنا شخصيا سكنت في مسجد يسمى سيدي بومعزة.
نهاية 1953 شيدت جمعية العلماء دار الطلبة.. التحقنا بها وأتممنا دراستنا في شهر أفريل 1956، أغلق معاهد ابن باديس، لمدة شهر بسبب اغتيال رضا حوحو، نحن طلبة السنة الأخيرة، قررنا الالتحاق بالكفاح المسلح، لكن هناك من التحقوا وهناك من تمكنوا من مواصلة دراستهم بمساعدة جبهة التحرير الوطني التي كانت تتلقى المنح الخارجية من الدول الصديقة والشقيقة.
أثناء الثورة، درست بجامع الزيتونة ثلاث سنوات، وكان لدينا خلالها علاقات متعدّدة الجوانب مع إدارة جبهة التحرير الوطني، العلاقة الأولى شخصية.. كنت في إحدى خلايا الجبهة أتعامل مع المواطنين التونسيين من أجل التعريف بالقضية الوطنية، ومن أجل الاشتراك بها إن أمكن، والعلاقة الثانية كانت عن طريق الإتحاد الوطني للطلبة المسلمين الجزائريين.
كنا في إحدى شعب الإتحاد، كنت نائب رئيس جمعية الكشافة الجزائرية التي كانت آنذاك جمعية من جمعيات جبهة التحرير الوطني، ثم حصلت نهاية 1959 على منحة من ليبيا التي افتتحت أول جامعة في بنغازي، حيث منحت للجزائر عشرين منحة.
آنذاك لم يكن جاهزا للدراسة سوى 17طالبا، يتوفرون على شهادة التحصيل، فهؤلاء كانوا يلتحقون بكل سهولة بجميع الجامعات الرسمية، ويصلون أحيانا إلى السنة الثالثة، لكن لا يحصلون على التحصيل.. كانوا يوجهون إلى المدارس المهنية بمدارس غير جامعية.. مثلا في القاهرة الشرطة، البحرية، الطيران، وكان العدد كبيرا.
لم أواصل الدراسة في بنغازي لأسباب شخصية، ورجعت إلى تونس وبقيت على علاقة بالمصالح المتخصّصة العسكرية والمدنية التي تكوّنت، عشنا في مدينة الكاف الواقعة على الشريط الحدودي للجزائر، في قرية تسمى القلعة الجرداء، بعدها تنقلنا إلى قرية أخرى سميت تالة.
وعند الاستقلال، التحقت كجميع الجزائريين ببلادي، بواسطة الحافلة مع عائلتي التي كانت من بين العائلات اللاجئة في تونس. رجعت إلى تونس العاصمة ودخلنا إلى تبسة.. كنت أفكر في ممارسة مهنة التعليم بقسنطينة، وكان الشيخ أحمد حماني، مكلفا بقطاع التعليم في أكاديمية قسنطينة، وعينني كأستاذ في ثانوية قالمة آنذاك، وأحيطكم علما أن كلمة أكاديمية كانت قبل الاستقلال مخصّصة لأول شخص يتكفل بالتعليم في الجزائر، كانت لدينا أكاديمية واحدة مقرّها في المرادية، غذاة الاستقلال سميت أكاديميات في الولايات.
الصدفة الغريبة عندما كنت انزل السلالم التقيت بأحد زملائي في المعهد، رابح بلحاطم، التحق بالثورة ما لم يسمح له بإتمام دراسته، عينه الشيخ حماني، في متوسطة بعين مليلة وطلب مني المجيء معه، ما سمح لي بحضور الاحتفال بأول ذكرى لنوفمبر بعد الاستقلال، باعتباري كنت كشافا نظمنا في مدرسة العرفان، مع تلاميذتها حفلة أناشيد بسيطة ومسرحيات.
- حدثنا عن نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في ميدان التعليم؟
 هذا الموضوع يجرّنا إلى الحديث عن جوانب عديدة لجمعية العلماء، الجانب الأول هو أن رمزية تاريخ إنشاء الجمعية هي كبيرة وثابتة، وقد جاءت مباشرة في أقل من سنة بعد الاحتفالات الكبيرة والضخمة التي قامت بها الإدارة الاستعمارية سنة 1930، من أجل إبراز أن الجزائر قد خضعت، وأن الفرنسيين نالوا النصر النهائي على الجزائريين، فكان إنشاء الجمعية يوم 5 ماي 1931.. كان يوما مشهودا وكان بداية لمرحلة طويلة من النضال والكفاح والعمل الوطني الذي قام به العلماء الجزائريون.
أستطيع القول، إن بداية القرن العشرين كانت تقريبا منطلق العمل المعروف اليوم في التاريخ في ميدان التعليم بالخصوص، إذ من المعروف أن الشيخ عبد الحميد بن باديس، بدأ عمله الدعوي والثقافي والتربوي منذ 1913، لكن عليّ ذكر شيخ همام هو الشيخ بلقاسم اللوجاني، والد المرحوم لمين بشيشي، هذا الشيخ فتح مدرسة في سدراتة في 1911 أي قبل ابن باديس بسنتين.. التحق بالأزهر ودرس به، ورجع إلى قريته وبدأ عمله الدعوي منذ 1911، بعد ذلك جاء الشيخ عبد الحميد بن باديس، وخلال سنوات الحرب العالمية الثانية، ظهرت شخصية ثانية عظيمة، وأدت دورا كبيرا في دفع قضية الإستقلال وخاصة التعريف بأن استعمار الجزائر هو عملية وحشية وأنها يجب أن تنتهي، وهي شخصية الأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر، وكان له نشاط كبير في الميدان السياسي حتى إنه أرسل رسالة إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك حدّد له فيها فكرته عن وجود الاستعمار في الجزائر، وعن ضرورة اقتلاع جذوره من بلادنا، لكن فرنسا والمستوطنين الأوروبيين هنا في الجزائر ضاقوا به ذرعا ونفوه إلى المشرق، بحيث توفي ما بين القاهرة أو دمشق.
منذ العشرينيات بدأت تنتشر ظاهرة العلماء الذين يرجعون من الزيتونة أو من الجامع الأزهر ويبادرون بفتح دروس في الوعظ والإرشاد من ناحية الشكل، ولكنها في ناحيتها المعنوية كانت عبارة عن عملية سياسية لتوعية الجماهير، وتعويد الجزائريين على اللقاء والمناقشة والحديث في الوضعية القائمة آنذاك إلى أن وقع لقاء بين الشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ الإبراهيمي.. في ذلك الوقت كان هذا الأخير تقريبا مقيم في المدينة.. لكن ابن باديس كان في رحلة حج، والتقيا، وهناك انبثقت فكرة تكوين جمعية من علماء الجزائر للعمل في الميدان بثلاثة مطالب كانت هي دستور جمعية العلماء طوال فترة الاستعمار، وهي تحرير الأوقاف الإسلامية من يد المستعمر وتحرير الديانة الإسلامية بصفة عامة، يعني المساجد والأئمة والعمل الخيري والتعليم بالمساجد، كل هذا كان يقع بواسطة الأوقاف الإسلامية لكن الإدارة الاستعمارية استولت على الأوقاف الجزائرية، ومن ثم استولت على المساجد وعلى فكرة تعيين الأئمة.
ثانيا تحرير تعليم اللغة العربية في الجزائر، وثالثا تحرير القضاء الإسلامي أي القضاء ما بين المواطنين الجزائريين، يجب أن يكون قضاء جزائريا ويترك أمره للجماعة الإسلامية، هذه هي مطالب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
- ما هي وسائل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لنشر التوعية والتعليم؟
 وسائلها الإعلام والتوعية بواسطة الصحافة والجرائد والمجلات.. ابن باديس منذ بداية العشرينيات كانت لديه مجلات “السنة” و«المنتقد” وصادرتهما الإدارة الاستعمارية، لكنه كان يعاود إصدار جرائد أخرى بأسماء جديدة.. في النهاية الجريدة التي طال عمرها هي “الشهاب”، واستمرت 14 سنة تقريبا.
النقطة الثانية هي التعليم، وتجربة جمعية العلماء في ميدان التعليم نادرة ولا وجود لها لا في التاريخ القديم ولا في التاريخ المعاصر.. لم نعرف في بلد مستعمر بالخصوص أن جمعية استطاعت إنشاء نظام تعليمي، وشبكة من المدارس الابتدائية والمتوسطة ثم بعد ذلك سياسة بعثات الطلبة إلى المدن المشرقية والذين أكملوا فيها دراستهم الثانوية.
- وماذا عن دور جمعية العلماء في التعليم قبل وأثناء الثورة؟
 افتتح معهد بن باديس في 1947، وبما أنه يؤدي تعليم المرحلة المتوسطة أربع سنوات من 1947 إلى 1951، معهد ابن باديس، كان المؤسسة الثانية التي انشأتها جمعية العلماء في هذا المستوى، المؤسسة الأولى أنشئت في 1937، وهي إلى الآن قائمة وعلى رأسها أحد نواب رئيس الجمعية اسمه الشيخ آيت يونس، اسمها دار الحديث كانت في عهد الابراهيمي الذي اشترى قطعة أرض وشيد هذه المدرسة بتلمسان، وسجلها بأسماء عشرين عائلة من تلمسان كي يتفادى مصادرتها من طرف الإدارة الاستعمارية..  وبالفعل، هي المؤسسة الوحيدة التي بقيت في ملكية جمعية العلماء، في حين كل مدارسها وهي بالمئات، إضافة إلى معهد ابن باديس ودار الطلبة ومدرسة التربية والتعليم التي هي المؤسسة التربوية الأولى خُصّصت للعمل البيداغوجي للأطفال الصغار.
شيدت جمعية العلماء المسلمين مدرسة العرفان، أدارها الشاعر محمد العيد آل خليفة، ثم بعد ذلك حينما التحق ببسكرة، أدار هذه المدرسة شيخ جليل، وهو من تلاميذ عبد الحميد بن باديس، يدعى محمد الجلالي السماتي، وهو من المعلمين الرائعين بحيث أن بن باديس، اختاره بعد تخرجه ليكون مساعدا له في تعليم الأطفال، له كتيّب في الأناشيد المدرسية طبع نهاية الثلاثنيات بتونس.. هذا الشيخ كان في مدرسته عندما يلاحظ شابا قد بدأت تبرز رجولته، يقول له ماذا تفعل هنا؟! الرجال في الجبال، وهو نفسه التحق بالجبل وألقي عليه القبض في معركة ناحية عين مليلة. وقدم أمام المحكمة العسكرية، فطرح عليه القاضي سؤالا: أنت شيخ علم، لماذا تلتحق بالفلاقة؟!، فردّ عليه الشيخ السماتي: “كلنا فلاقة رافضون للاستعمار.. كنا نطالب بالاستقلال مطالبة سياسية، لكن أنتم لم تفهموا صيغتنا، فحولناها إلى الوسيلة الحربية، والآن أنا بين أيديكم ولا أتراجع عما فعلته”.
بقي في السجن ولم يخرج إلا بعد تطبيق اتفاقيات ايفيان ابتداء من 20 مارس 1962، وبالصدفة كنت ضيفا عند زميل لي في المعهد بعين مليلة، نتناول غذاءنا، وكنا نقضي الليالي في مدرسة العرفان، إلى أن حضر هذا الشيخ.. لم أكن أعرفه من قبل، قضيت في المعهد ثلاث سنوات. واصل التدريس في المدرسة إلى أن حصل على تقاعده ورجع إلى مدينة اولاد جلال أين توفي.
جمعية العلماء أسست حوالي 400 مدرسة منتشرة عبر الجزائر، كنت شخصيا أحد تلاميذها بمدرسة الونزة، تخرج منها عدد كبير من الطلبة منهم أحد زملائنا العقيد شريف براكتية.. عندما اندلعت الثورة، التحق بها وشارك في عشرات المعارك في الناحية الشرقية سوق أهراس، وما يقابلها في ناحية الحدود التونسية.
هذه المدارس كانت تخرج طلبة يلتحقون مباشرة بالمعهد، وكانت الجمعية تنظم سنويا امتحانا للشهادة الابتدائية وكنت من بين التلاميذ، الذين اجتازوا هذا الامتحان بنجاح، ومن يجتازون هذا الامتحان بنجاح، يمرون مباشرة إلى السنة الثانية من برنامج معهد عبد الحميد بن باديس، زيادة على المدارس، كانت الجمعية تتوفر على النوادي مثلا بتبسة.. كنا نشاهد الشيخ العربي التبسي، يخرج يوميا من مدرسته في أعالي المدينة وينزل إلى النادي مع كوكبة من زملائه من المعلمين في المدرسة نفسها.. النوادي كانت مقرا لعمل الجمعية والاتصالات وغير ذلك، زيادة على الصحافة.
عند قيام الثورة مباشرة يوم 2 أو 3 نوفمبر، صدر بيان عن الشيخ الابراهيمي الذي كان موجودا بالقاهرة آنذاك، حيّا الثورة وطلب من الثوار أن لا يعودوا أدراجهم، وفي 15نوفمبر 1954، صدر عنه بيان نشر في الجرائد المصرية.
الشيخ البشير الابراهيمي، مع مجموعة المسؤولين الذين كانوا موجودين بالقاهرة.. بن بلة، آيت أحمد، خيضر، وحتى ممثلي بعض الأحزاب التقليدية، كانوا موجودين بالقاهرة وأنشأوا حركة جامعة بينهم، وكان الشيخ الابراهيمي أول الموقعين على قانونها الأساسي جمعية العلماء لم تكن غائبة عن الثورة بل شاركت فيها مشاركة كبيرة.
اعطيك نموذجا.. أولا انطلاقا من مارس 1956، وقعت واقعة كبيرة في قسنطينة، وصدرت الأوامر بالمبادرة بالعمل الفدائي في المدن.../...
.../... أول عملية فدائية كانت تحييد محافظ شرطة كان يراقبنا نحن طلبة ابن باديس، كل يوم جمعة، كنا نجلس في مقهيين معروفين، وكان محافظ الشرطة شديد الوطأة على جمعية العلماء وطلبتها.
وظهرت عند الجيش الفرنسي آنذاك فكرة الانتقام المكافئ.. ذهبوا إلى منزل الشيخ رضا حوحو، واختطفوه وقتل بالطريقة التي قتل بها الشيخ العربي التبسي، لا يعرف له قبر هو من شهداء معهد ابن باديس، كان أمينا عاما للمعهد.
الظروف أوصلتني في شهر سبتمبر إلى تونس وسجلت في جامع الزيتونة، الأمر الذي انتبهت إليه هو أن خمسة أو ستة من شيوخنا الذين كانوا متواجدين آنذاك في تونس كانت لهم مسؤوليات كبيرة، مثلا الشيخ عبد الرحمن شيبان، كان رئيس أكبر هيئة كانت تسمى القاعدة الشرقية مهمتها الأساسية تمرير السلاح الذي يأتي من القاهرة إلى الحدود الجزائرية، سواء عن طريق تبسة أو واد سوف أو سوق اهراس.
كان لدينا جزائريين قدامى هاجروا من يوم احتلال الجيش الفرنسي لبلادنا، هاجرت عائلات كثيرة تحت الضغط والقمع الاستعماري.. مثلا بعد ثورة المقراني عوقب سكان المنطقة عقابا جماعيا وصودرت أراضيهم وأملاكهم، فهربوا إلى تونس، واعتبروا حكم الباي في تونس حكما إسلاميا، وجدناهم مازالوا على جزائريتهم.
كنت نائب رئيس جمعية الكشافة الإسلامية، أنشأناها لتأطير الطلبة، وكونت فوجا من الكشافة.. كان رئيسها عز الدين بوكردوس الذي تولى الإدارة العامة لجريدة “الشعب”، كان عضوا من أعضاء الكشافة الإسلامية.. كان من الجزائريين القدامى في تونس، هناك المرحوم محمد الصالح آيت علجت، هو الذي ذكرني بأنني أدخلته في الكشافة الجزائرية.. كانت تسمى الكشافة الاسلامية لمنع الفرنسيين من الانتساب إليها.
جبهة التحرير الوطني نظمت الجزائريين في تنظيمات عديدة، كانت هناك جمعية الشبيبة الجزائرية تتكفل بأبناء الشهداء.. دار كبيرة للسكن يأكلون ويدرسون، كان هناك جمعيتان للطلبة تسمى جمعية البعثة وجمعية الطلبة الزيتونيين، لما أنشئ اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين، وقع اتحاد ما بين الجمعيتين وأصبحوا يمثلون فرعا من فروع الإتحاد الوطني للطلبة المسلمين الجزائريين، بإشراف جبهة التحرير الوطني.
عبد الرحمن شيبان، هو الذي كان الأمين العام لهذه المنظمات في نطاق جبهة التحرير، كان لنا شيخ آخر أحمد حسين، قاضي الثورة يعمل عقود الزواج ما بين الشباب، أيضا الشيخ أحمد بوروح، سعدي الطاهر حراث، هذا الأخير كان مكلفا بعملية تنظيمية في شمال تونس.
كان يأتي أسبوعيا إلى مقر جبهة التحرير الوطني يحمل في سيارته عددا من جريدة “المجاهد” ليوزعها.
جبهة التحرير الوطني كانت قادرة على تأطير كل شيء تأخذ الشيوخ إلى الحدود لإلقاء دروس في الوعظ والإرشاد، سواء لأعضاء جيش التحرير الوطني أو حتى للاجئين حيث تقدم لهم أنشطة ثقافية.
أشير إلى أن في منتصف سنوات الثورة، جميع سفراء الثورة في عواصم البلاد العربية، كانوا من شيوخ جمعية العلماء.. في مصر الشيخ أحمد رضا حوحو.. أحمد توفيق المدني كان بمثابة قنصل، تكفل بجميع قضايا الجزائريين بالعلاقة مع السلطة المصرية، شيخان في السعودية الأول بن الشيخ العباس، شخصية كبيرة آخر منصب له بعد الاستقلال كان رئيس المجلس الاسلامي الأعلى، ثم عين كعميد لمسجد باريس، بعده جاء الشيخ محمد يكر، المعروف بمحمد الغسيري؛ لأنه من مدينة غسيرة، في الأردن كان الشيخ عبد الكريم العقون، صاحب كتاب بعنوان “التاريخ القومي للجزائر”.
في دمشق عين عبد الحميد مهري مكان الشيخ الغسيري.. أعرف مهري معرفة جيدة، هو مع الحق أينما يكون.. في بغداد كان شيخان من الزيتونة.. كانا في التعليم مع الشيخ العربي التبسي، وهما الشيخ حامد روابحية، من الشخصيات العتيدة في حزب الشعب، والشيخ محمد الربعي.. هذان الشيخان افتتحا في بغداد، وبمبادرة منهما، إذاعة “صوت الجزائر”، وبقي هذا البرنامج فاعلا إلى غاية الاستقلال.
 وأشير إلى أن العربي التبسي، انتقل إلى مدينة سيق بالغرب الجزائري، بعد مضايقة الإدارة الاستعمارية، وبنوا له مدرسة ومسجدا وعمل هناك، فغبط أبناء تبسة أبناء سيق، وطلبوا من الشيخ العودة، فرد عليهم أرجع إليكم بشرطين: الأول أن يقبل أبناء مدينة سيق، وثانيا أن تبنوا لي مدرسة ومسجدا، فقبلوا، وعاد وبنيت له مدرسة بعنوان “مدرسة تهذيب البنين والبنات”.. جمعية العلماء كان عندها التعليم للبنات والبنين دون تفريق.
نشاط أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لم يقتصر على الجزائر بل امتد إلى فرنسا أين افتتحوا مراكز عديدة للوعظ، مثلا، الشيخ الورتلاني، من أوائل الشيوخ الذين حولوا إلى فرنسا بما أنه كان شديد النشاط، أصدرت السلطات قرارا بمنعه من البقاء في فرنسا، وفعلا بقي طول حياته ممنوعا من الدخول إلى فرنسا. بعدها انتقل شيوخ آخرون.. أذكر الشيخ سعيد الصالحي، كان رئيس بعثة جمعية العلماء في باريس وقام بدور كبير، والمجاهد الكبير الشهيد عميروش، كان عضوا في خلية من خلايا جمعية العلماء، وهي مدونة في مذكرات عبد الحفيظ أمقران، من الجنود الذين كانوا يحرسون في مؤتمر الصومام.
- ما هي أول بعثة أرسلت؟ وهل لديك أسماء الطلبة الذين درسوا معك وأصبحوا إطارات للجزائر المستقلة؟
 الدفعة الأولى من خريجي المعهد أرسلوا إلى الكويت، حوالي 40 طالبا، أتذكر أسماء بعض الطلبة وأقربهم هو زميلي الدكتور عمار بوحوش، هو من الطلبة الذين أرسلوا إلى الكويت وتحصلوا على شهادة البكالوريا، طبعا اللغة الثانية في الكويت بعد اللغة العربية هي اللغة الإنجليزية، كان الدكتور بوحوش مهيئا للحصول على منحة إلى أمريكا.
وفعلا أرسل إلى أمريكا وتخصّص في علوم حديثة وهو علوم الإدارة، وهو الآن ما يزال يشرف على الدكتوراه في معاهد العلوم السياسية، كذلك هناك طالب زميله الدكتور محمد الصالح باوية، تخرّج من الكويت والتحق بدمشق وأتمّ دراسته الجامعية في الآداب أو الفلسفة ثم أرسل في بعثة إلى يوغسلافيا، وتخرّج كطبيب وأتمّ دراسته، عاد إلى الجزائر بعد الاستقلال أي في 1969 وسجل للتعليم العالي على يد أستاذ فرنسي في مستشفى الدكتور لمين دباغين حاليا بباب الواد، وأخبرني أن هذا الاستاذ عندما عرف أنه معرب درس في معهد بن باديس ودمشق، طلب منه إعادة الدراسة من جديد، وتركه الأستاذ.. لكنه وجد أستاذا جزائريا كان في بدايات التدرج بالتعليم العالي، هو الدكتور مهدي الذي أشرف عليه وتخصّص في جراحة العظام وعمل في المستشفيات الجزائرية ما بين الدويرة والبليدة، هو من مدينة المغير، وله مشاركات عديدة في الأدب العربي خاصة في جريدة المجاهد، التي كانت تصدر عدد أسبوعي يسمى “المجاهد الثقافي”.. أذكر قصيدته عن الفيضان الذي حدث بمدينته.
بعد ذلك تقاعد وأعد عيادة بمنزله يستقبل فيها مرضاه، وبعد ذلك يحولهم إلى المستشفيات، توفي في 1997.
شخص ثالث أعرف أنه من أهم أساتذتنا في جامعة الجزائر، وهو الدكتور أبو العيد دودو، أتمّ دراسته الجامعية في دمشق ثم التحق بالنمسا، وأكمل دراسته في ألمانيا ورجع إلى الجزائر وأصبح من الأساتذة المهمين جدا في جامعة الجزائر 1، وأصبح مترجما لبعض الكتب التي كتبت باليونانية؛ لأنه يتقن اللغات الأجنبية.
الدكتور أبو العيد دودو، ومحمد الصالح باوية في الدفعة التي سبقتني، وعمار بوحوش، كان من دفعتي وأيضا المرحوم العقيد محمد شعباني، التحق بعد إضراب 1956 الذي دعونا إليه مباشرة بعد اعتقال واغتيال رضا حوحو وتفرقنا، أغلق المعهد لمدة شهر؛ لأن كل طلبة السنة الأخيرة، لم يعودوا، فقد كنا كبارا نوعا ما، وقررنا الالتحاق بالكفاح المسلح، لكن بعدها، تكفلت إدارة جبهة التحرير الوطني بالموضوع، وأعادت عددا كبيرا من الطلبة إلى الدراسة في البلدان المشرقية ابتداء من تونس.
لدينا زملاء كثر أصبحوا فيما بعد مسؤولين في الدولة منهم المرحوم الهاشمي هجرس، الذي تقاعد من الجيش برتبة لواء.. هذا من زملاء القسم، وأيضا المرحوم عبد الرحمان بوساعة.
- كيف تعاملت إدارة الاحتلال مع نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؟
 في سبتمبر 1957، صدرت قرارات عن شخص عرف فيما بعد أنه من أشرس أعداء الحرية.. السفاح موريس بابون.. القرار الأول يتعلّق بحل جمعية التربية والتعليم وجميع فروعها الموجودة بقسنطينة، القرار الثاني مصادرة جميع أملاكها وأموالها والمدرسة نفسها وقرار بغلق معهد عبد الحميد بن باديس، ودار الطلبة الملحقة به وحوّلوه إلى مركز تعذيب، منذ ذلك الوقت انقطعت جمعية العلماء عن عملية التعليم، لكن انتشر أبناؤها من طلبة وشيوخ في الجزائر وخارجها.
- هل تتذكّر أسماء لشهداء من طلبة الجمعية؟
 شهداء معهد عبد الحميد بن باديس، أربعة من شيوخ المعهد ماتوا تحت التعذيب ذكرهم الشيخ احمد حماني رحمه الله في كتاب بعنوان “شهداء معهد عبد الحميد بن باديس”، الشيخ محمد العدوي، نسبة إلى قبيلة بناحية المسيلة تسمى قبيلة بن عدي، لكن لقبه الأصلي هو محمد جعفر، اعتقل وعُذّب وبعد خروجه بقي ينشط في قسنطينة رغم تهديدات الشرطة الفرنسية، ثم اعتقل مرة أخرى ولم يعرف عنه أي خبر.
الشيخ محمد الزاهي، من الشمال القسنطيني، أظن ميلة أو الميلية، كان من شيوخنا المباشرين التحق بالثورة واستشهد في معركة، ورضا حوحو، الشيخ العربي التيسي، من شهداء اطارات معهد ابن باديس،وعن الطلبة فهناك أعداد كبيرة منهم عبد الرحمن بوساعة من ناحية القبائل، استشهد في الولاية الثانية، وبومنجل بوسنان.
الشيخ حماني هو من درّس مجموعة شهداء.. كان نائب أو مساعد متطوّع مع رضا حوحو، في مكتب إدارة المعهد، والمدير الكبير الشيخ العربي التبسي، هذا الأخير كان موجودا في العاصمة لأن مركز الجمعية كان متواجدا هناك؛ لهذا كان يتعذر عليه التنقل لقسنطينة، من حسنات الشيخ أحمد حماني، أنه أعطى نموذجا لجميع الشيوخ في السجون بتنظيم الدروس والصلاة في المساجد وتعليم السجناء المناضلين الصلاة ليخرجوهم من الأمية.
هناك أشياء قامت بها الجمعية وكانت لها نتائج مباشرة على الثورة، في حوالي 1956، وجّه الشيخ البشير الابراهيمي  رسالة إلى ملك المملكة العربية السعودية آنذاك، يشكره على ما يقدمونه للثورة.. أموال بملايين الدولارات لشراء الأسلحة، ويقول له الثورة الجزائرية تأمل أن تمتد يدكم إلى جميل أخير وهو تعيين أحد الشخصيتين وتعيينه في سفارة السعودية بنيويورك، ليلقي خطابا عن الثورة الجزائرية باسم السعودية.
وفعلا وظّف الملك السعودي أحمد الشقيري الذي أصبح فيما بعد رئيس المنظمة الوطنية الفلسطينية، ابتداء من 1957 ليلقي خطابا في دورة الأمم المتحدة عن الثورة الجزائرية باسم الوفد السعودي.
آخر خطاب ألقاه كان أواخر 1962 بعد استقلال الجزائر وانخراطها في الأمم المتحدة وبحضور الوفد الجزائري، يقول فيه: “جمعية الأمم المتحدة كانت لها اليد الطولى في قضية تنظيم الاستفتاء لتقرير مصير الجزائريين..
- ما هو دور طلبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في استكمال مسيرة التعليم بعد الاستقلال؟
 دورهم بداية الاستقلال.. أبدأ بنقطة تغيب عن نسبة كبيرة من الجزائريين وهي أن الطلبة الجزائريين الذين تخرجوا قبل 1962، وهم كثر، أذكر محمود ملاوي، عقيد متقاعد، آنذاك كانت موجودة الحكومة المؤقتة، ووزارة تتكفل بالطلبة لها قسم التكوين، وعلى رأسه شيخ من شيوخ جمعية العلماء وهو المرحوم عبد المجيد حيرش، هو من خريجي الدراسات العليا في الزيتونة، بشهادة تسمى “التطويع” أو التحصيل تعادل البكالوريا حاليا.
 هؤلاء المتخرجون أرسلوا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية التي كان على رأسها عبد الحميد مهري.. انتظروا مدة شهرين ثم بدأ التذمر، فطلبوا لقاءً مع مهري، واستدعى رئيس مصلحة المنح والطلبة في البلدان الغربية، وهو المرحوم عبد السلام بلعيد، ورئيس مصلحة طلبة المشرق وهو الصديق أرزقي صالحي، ابن الشيخ السعيد صالحي، قالوا له إنهم أكملوا دراستهم ويودون الالتحاق بالثورة.
طلب منهم مهري، تعليم أبناء اللاجئين الجزائريين في الحدود.. كان هناك آلاف الأطفال الذين بلغوا سن الدراسة.
أرسل أرزقي صالحي إلى مدينة الكاف الحدودية من نظم مراكز للتعليم حيثما يوجد اللاجئون في الحدود، وأصبحوا يتلقون مساعدات من الهيئات الإنسانية والصليب الأحمر الدولي، حتى الأطباء كانت لدينا منظمة عظيمة على رأسها المرحوم الدكتور نقاش.
أبناء جمعية العلماء انتشروا في تلك الحدود وأصبحوا يعلمون، أنقذوا 12 ألف طفل من الأمية. حاليا أعرف من التلاميذ الذين بدأوا دراستهم على الحدود، طبيبا جراحا في مستشفى عين النعجة.. ابراهيم حمادة، وهو من الأطباء الناجحين في تخصّصه، وصالح سعود دكتور في العلوم السياسية.
جاء الاستقلال.. دخلنا جميعا خاصة بعد مغادرة الفرنسيين جماعيا، وأول قطاع متضرّر من هذه المغادرة هو قطاع التعليم، كيف أمكن للدولة الجزائرية الوليدة فتح الموسم الدراسي في سبتمبر 1962؟، نظموا مجموعات من خريجي المشرق، حيث نظم الدكتور بوعبد الله غلام الله، في تيارت عمليات تكوين سريعة لمدة ستة أشهر في شكل ورشات ثقافية يكونون طلبة القرآن، ومبادئ في التعليم.
 وهكذا أمكن إنقاذ خريجو جمعية العلماء من الطلبة الذين درسوا الحقوق في المدارس الشرقية، الافتتاح المدرسي غداة الاستقلال، كان أغلبهم في العراق ثم دمشق ثم في مصر، وتكوّن لدينا العشرات من الخريجين في ميدان الحقوق.
كان أول وزير للعدل المحامي الشهير محمد بن تومي، جمع القضاة وأرسلهم إلى الجنوب؛ ففي الشمال كانت الإدارة ما تزال مفرنسة، وطلب منهم الاجتهاد في تسيير الحياة العملية هناك وسيروا الجنوب عشرات السنين.
كنت إطار في وزارة التربية الوطنية، أظن أواسط السبعينيات.. شخصيا، كانت لي فرصة تعليم اللغة العربية لوزير العدل آنذاك؛ لأن الرئيس الراحل هواري بومدين، أصدر أمريه جمد فيها ترقيات موظفين في الإدارة العمومية إلى أن يدرسوا اللغة العربية، وتكون لديهم شهادة بمعرفة اللغة العربية ولو صغيرة، وفعلا تمّ البرنامج بالاتفاق بين وزارتي الداخلية والتربية الوطنية لتعليم العربية للموظفين.
بداية التعليم في الجزائر كانت على كاهل شيوخ وطلبة جمعية العلماء.. عدد كبير من شيوخ الجمعية الذين درسونا كانوا تحت سن الأربعين، وظفوا ما بين قطاعي التربية والتعليم كمعلمين وأساتذة، وفي الشؤون الدينية كمديرين للشؤون الدينية في الولايات وكمفتشين.
مثلا الشيخ أحمد حسين الذي كان قاضيا إبان الثورة في تونس، كان مديرا في وزارة الشؤون الدينية، وأيضا الشيخ أحمد بوروح، وشيوخ آخرين.
هؤلاء الشيوخ الذين كانوا يعلمون في المعهد أو المدارس.. كيف أمكن دخولهم للوظيف العمومي؟.. هذه الحركة قادها الشيخ شيبان، رحمه الله.. كان نائبا في أول مجلس نيابي في الجزائر في 1962، على أساس أنه يهيئ أول دستور للجزائر، بعدها ينظم عملية الاستفتاء لإبراز جمعية جديدة وتنتهي مهمته.
اغتنم الشيخ شيبان، فرصة وجوده مع وزير التربية آنذاك، وهو المرحوم الشريف بلقاسم، وحدّثه عن موضوع شيوخ المعهد والمدارس وأنهم في وضعية غير قانونية، واتفقوا على إصدار مرسوم رسمي من الدولة يفتح لهم باب الدخول في الوظيف العمومي.
تكوّنت لجنة من كبار إطارات جمعية العلماء على رأسها الشيخ أحمد حماني، يقدمون ملفاتهم وكل واحد أعطي شهادة عمل بسنوات الأقدمية، وتمّت العملية بسلاسة.. جميعهم وظفوا، وأُخذت فترة التعليم القديمة للمدارس الحرة في أقدميتهم في المناصب الجديدة.. هذه نقطة من النقاط المضيئة للشيخ عبد الرحمن شيبان الذي تمكّن من ترسيم معلمي التعليم الحر.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024