الفائز بجائزة آسيا جبار..الأديب عبد الله كروم لـ «الشعب»:

«الرّوايــة» هي ديـوان الشّعوب والأمم

أمينة جابالله

الصّحراء..خزّان القضايا الغائبة في مدوّنة السّرد الجزائري

 أبرز وأجمل البصمات والرّسائل التي قدّمها الأديب عبد الله كروم في هذه الفضفضة الحصرية  لـ «الشعب»، تجلّت في الكيفية المثلى لبناء جسر بين النخبة المثقفة البسطاء من الناس، وبناء الثقة يكون عندما ينخرط المثقف في هموم ومشاكل الناس، ويكون لسان حالهم، المعبّر عن آمالهم وتطلّعاتهم، وعندما يقرأون ما يكتب، يشعرون أنه يقول ما كان يختلج بصدورهم، بمعنى أنه لسان حالهم وقريب منهم ومن همومهم..وغير بعيد عن هموم المثقّف، تكلّم محدّثنا عن منطقة توات بإسهاب، وتحدّث عن الشعر والرواية، وعن الكتابة ودورها في تغيير الوعي العربي.

-  الشعب: كيف كانت رحلتك مع كتابة ونشر روايتك «الطّرحان»؟
 الرّوائي عبد الله كروم: كانت رحلة شاقة لكنها ماتعة ومليئة بالمغامرة والتحدي، والإصرار على إتمام نصّي الأول في عالم الرواية، وهو عالم تلتقي فيه الخطابات وحقول معرفية متعدّدة، أعيش فيها مع شخصيات «الطرحان»، وأبني لهم مساراتهم السّردية وحيواتهم في الحكاية، أبكي لحزنهم وخيباتهم، وأفرح لأفراحهم، وأزعم أن أي نص مدهش ومذهل يحتاج إلى صناعة وبناء معماري، وتخطيط لكل مجريات القصّة وخطابها.
-  إلى ماذا يرمز عنوان رواية «الطرحان»؟ ولِم هذا العنوان بالذّات؟
 «الطرحان» معاملة ربوية تتطوّر في بعض الأحيان إلى رهن لممتلكات المديون، ظهرت في أزمنة الحروب والأزمات الاقتصادية في العالم على غرار الحربين الكونيتين وعام الغلاء، هذه المعاملة تبقي الإقطاعيّين متحكّمين في السوق وحركة المال..وهو يرمز إلى ممارسات استغلالية وجشعة لثقافة الأنا بمساهمة من المستعمر، وسكوت المؤسّسة الدّينية.
-  هل يعود سبب ظهور رواية «الطرحان» التي تقصّت جرائم المستعمر الفرنسي في الصّحراء الجزائرية، إلى شح الأعمال الأدبية التي تتحدّث عن معاناة سكان الجنوب؟
 الجنوب والصّحراء خزّان للعديد من المواضيع الجديدة والقضايا الغائبة في مدوّنة السّرد الجزائري، وظّفها بعض الرّوائيّين السّابقين في نصوصهم، وإن اختلفت زوايا النظر وأشكال التوظيف والظّواهر المعالجة، ولكل واحد منهم مقارباته وعوالمه ودرجة المعرفة، لذلك أظن أنّ «الطرحان» فرضت نفسها من خلال لغتها وثيمتها وحبكتها، وتنوّع خطاباتها ودهشتها بتنوّع فضاءاتها وتعدّد ثقافاتها، وتحوّلات أحداثها وعدم خروجها عن الذّاكرة الوطنية والخصوصية المحلية، إضافة إلى البعد العالمي.
-  هل ما هو رائج الآن من قصّة وشعر ورواية يعبّر عن الإنسان العربي وأزماته، وصراعه مع ضغوط الحياة ومع ذاته؟
 من وظائف الأدب أن يكون مرآة لبيئته، وانعكاسا لمجتمعه بمسافة جمالية ترفعه عن التماهي والتماثل، والأدب العربي المعاصر في حدود هوامش الحرية المتاحة له يمارس نقده للظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية للمواطن العربي، وصراعه مع الكون والوجود، وعلاقته المعقّدة مع الآخر والذّات، وإن اختلفت آليات التناول ودرجات العمق.
- في نظرك، هل بإمكان الكتابة أن تغيّر الوعي العربي؟
 أعتقد أنّ مشكلتنا ليست في الكتابة بل في المقروئية التي تعرف نقصا كبيرا في معدّلاتها، القراءة والوصول إلى نتائجها وثمراتها التي أدناها ملكة اللغة وأعلاها إنتاج المعرفة ووسطها الوعي بالذات هي المعضلة الكبرى..أزعم أنّ كتابا مثل علي الوردي وعبد الكريم بكار وعلي حرب وأدباء مثل طه حسين والطاهر وطار ونزار قباني (على سبيل التمثيل) يشكّلون منعرجا حاسما في بناء الوعي لدى قرّائهم، ونقد أنماط التفكير السائدة لديهم، ومنح المتلقي نظرة أخرى تسهم في تشكيل وعيه..لكنّنا أمة تعاني من انتشار الأمية والتخلف،  وقلة القراءة وغلبة الترفيه والتسلية، والجري وراء الوظيفة على حساب التثقيف، وبناء الشّخصية الواعية والنّاقدة والمتحرّرة والمرنة والمتّزنة، وهو ما لا يتأتّى إلا من خلال فعل القراءة المثمرة والنافعة.
- برأيكم..إلى ماذا يعود هذا الرّكود الإبداعي؟ وما هي العوامل التي من خلالها سيتدارك الأدب العربي نقصه؟
 في نظري، هذا الرّكود مرتبط بالوضع العام الحالي للأمة على كل المستويات، وأسهمت فيه سياقات حضارية وثقافية واجتماعية وسياسية، واجتمعت فيه عوامل كثيرة لعل أبرزها التخلي عن الواجبات والأدوار بدءاً بالبيت والمؤسسة التعليمية، وانتهاءً بالمؤسسة الاجتماعية كالمسجد والجمعيات الأهلية، ودور المثقّف والسلطة التي تغلب الترفيهي على التثقيفي لحاجة في نفسها.
- كيف تقيّمون الثّقافة العربية بما فيها الأدب والكتابة بكل فنونها؟
 الثّقافة العربية ما زالت هامشية وتابعة للمركز الغربي..ما زالت ثقافة مأزومة مرتبطة بأصوليات ماضوية أو بأصوليات حداثية لم تنبت في منبتنا..ورغم ذلك هناك أصوات في مختلف التّخصّصات تبحث عن التميز والتّفرّد، وتحقّق الدّهشة والفرادة.
- كيف ترون دور منصّات التّواصل الاجتماعي في بروز أعمال أدبية؟
 لها دور كبير في الترويج والتعريف بالأعمال الأدبية والأدباء والتواصل معهم، وقراءة بعض الممارسات النقدية وإحالات على كمّ معرفي ومراجع ونصوص رغم سلبياتها التي حملتها ديمقراطية العالم السبراني، وممّا تتيحه من معادلات تفرضها سلطة الرقمنة والفاعلون الجدد الذين يتحكّمون في الوسائط وصناعة المحتوى وبلاغة الصورة، وإتاحة ذلك للغث والسّمين.
-  هل أنت مع أم ضد الكتابة بالعامية؟ ولماذا؟
 أرى أنّ العامية لا تملك آليات التطوير والاستغناء والتوليد والنحت والتوسع بل لا تملك قواعد تؤهّلها للحفاظ على خصائصها وثوابتها ممّا يسهل اختراقها وتجاوزها..لكنّني شخصيا أستفيد من العامية معجما وصورة ودلالة، وأحاول أن أتناص مع مجازاتها وصورها وتركيبها من خلال الحوارية والتثاقف والتركيب والتحويل والنقل للفصحى.
- هل كتابة الحوار بالعامية تفسد الذّوق العام؟
 يمكن توظيف خطاب العامية بشكل جزئي ضمن المتن الكلي للرواية مثلا، وهنا لا يفسد الذوق بل يستملح في سياقه..أما الكتابة بالعامية كلغة إبداع، فأزعم أنها مشاريع مرحلة من العهد الاستعماري، لم ولن تنجح، لأنّها لا تقوى على الفرادة والاستقلالية والخصوصية.
- هل أنت مع أم ضد المعالجة الأدبية والفكرية للتابوهات؟
 أنا مع الإبداع حيثما وجد، فقط على المبدع أن يمتع ويقنع، والأدب عصي على القبض لا من متزمّت أو متحرّر، وفي كتاباتي أبتعد عن التجاوز الخطير وغير المسؤول لكل ما هو غير عائلي، وما يقدح في ثوابت الأمة..مع إيماني أنّ الأدب بحر لا ساحل له.
- أيّهما أكثر قدرة على التعبير والتواصل مع القارئ: الرّواية أم القصّة القصيرة؟ وهل انتهى زمن القصّة القصيرة؟
 أعتقد أنّ الزّمن زمن الرّواية، وأنّها جنس أدبي يهاجر إليه لا منه عكس القصة والشعر، لأنّ الرواية هي ديوان الشّعوب والأمم، ومنبر من لا منبر له، وأسهمت عوامل كثيرة في ريادتها مثل دور النشر والسينما، والإقبال عليها في العروض التجارية والمعارض المختلفة للكتاب..لا يمكن الحكم على القصة بالموت، فهي الجنس الأعرق لدى الإنسان، وقد تعود في أي مرحلة من مراحل المسار الأدبي، وتبدل الأذواق لاسيما مع العولمة والرقمنة والحداثة الفائقة وعصر السرعة، وربما بأشكال جديدة.
- هل توجد علاقة بين الأدب والعلوم الإنسانية؟ وما هي أهم المهارات الواجب توافرها لدى الكاتب؟
 العلوم الإنسانية رحم بينها، تتضافر فيما بينها كحقول متجاورة يغرف منها الأديب ليبني نصّه من خلال تلاقي الخطابات، وخاصة في الأجناس السردية كالقصة والرحلة والرواية..فهي تحتاج إلى تعدّد الخطابات لبناء سرد معرفي ينفتح على التاريخ والشريعة وعلم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة وفق مهارات وتقنيات السرد واللغة الشعرية التي تكيّف المعارف حسب المسافة الجمالية المناسبة لسيرورة الحكاية.
- ما هي نقاط التّميّز التي يمتلكها الأدب العربي؟
 يملك لغة بحجم الكون ومعجما وجماليات وانزياحات مدهشة، وتجارب ضاربة في عمق التاريخ، وأصواتا متعدّدة المشارب وخيالا جامحا تأسّس من أول يوم على أفق البداوة والفضاء اللاّنهائي للصّحراء..والأدب بحاجة لجناحين ليدهش لغة واصفة وخيالا مجنحا.
- ما هو تعريفك للمثقّف؟
 المثقّف في نظري هو الذي يسهم بإنتاج علمي أو أدبي للارتقاء بمستوى الوعي والذائقة على  مستوى نفسه أولا ومجتمعه ثانيا والإنسانية بصفة عامة.
- ما هي أهم المعوقات التي يصطدم بها الكتّاب الشّباب؟
 يصطدم الكتّاب الشباب بمعضلة اللغة وامتلاك ناصيتها، فالمدرسة - وحتى معاهد الأدب في الجامعات - وحدها لا تكفي لتجعل منك كاتبا، المحيط الذي لا يقرأ كثيرا ولا يشجّع على القراءة، غياب دور النشر المحترفة، إضافة إلى غياب النّماذج والمرجعيات البعيدة عن الأبوّة والتّعالي والتّضخّم.
- ماذا عن رصيدكم الأدبي؟ وكيف يمكنكم حصده؟
 لديّ مجموعتان قصصيتان «حائط رحمونة» و»مغارة الصابوق»، وروايتي الأولى والتي فازت بجائزة آسيا جبار «الطرحان»، أحاول أن أكون أنا بعيدا عن التكرار والتضخم.
- كلمتكم الختامية للشّباب العربي المحب للإبداع وللأدباء بصفة عامّة؟
 أقول لهم ما قال محمود درويش: اقرأ تجد واكتب تكن..وانطلقوا في رحاب الإبداع، ولا تلتفتوا فإنّ الملتفت لا يصل أبدا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024