الخبير في الهندسة المالية والمختص في العقار.. بن يمينة لـ «الشعب»:

اختيار مواد البناء يجب أن يستجيب لدفتر الشروط

حوار: فايزة بلعريبي

الإخلال بالآجال والتوقف عن النشاط.. مخلفات ارتفاع أسعار مواد البناء

بناء السكنات عملية اقتصادية قوية بالإضافة إلى كونها اجتماعية، تمكن من منح المواطنين حقهم في السكن، كل حسب احتياجاته وحسب قدراته المالية، هدف تسعى إلى تحقيقه السلطات العمومية منذ سنوات. و ما تلك المشاريع السكنية التي عرفت انتعاشا كبيرا بعد  استلام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مهامه إلا دليلا على عزم الدولة على معالجة أزمة السكن. الخبير في الهندسة المالية والمختص في العقار عبد الرحمان بن يمينة، سلط الضوء في حوار لـ «الشعب» على عدة جوانب تخص إنتاج السكن و شركات الانجاز والمشاكل التي تتخبط فيها سواء لأسباب خارجة عن نطاقها أو لأخرى ناتجة عن نقائص في إستراتيجية التسيير.

«الشعب»: لا يختلف اثنان أن الظفر بسكن سواء اجتماعي أو بأي صيغة كانت، يشكل انشغالا للمواطن، من جهتها، الدولة الجزائرية لم تدخر أي مجهود لتوفير السكن لمواطنيها من أجل حياة كريمة، إلا أن تحقيق هذا الهدف يخضع لشروط ومعايير تتدخل في عملية إنتاج السكن.
ما هي هذه الشروط في نظركم؟
عبد الرحمان بن يمينة : السكن حصيلة تفاعل بين قطعة أرضية ومواد بناء.  ومن اجل إنتاجه يجب توفر عناصر أربعة  مهمة، تتمثل في قطعة ارض مهيأة، هيكل بناء في أشغاله الكبرى،  حيث يتم انجاز الهيكل الحامل للبناية، انجاز الأشغال الثانوية، وانجاز الأشغال التقنية  كالكهرباء والسباكة بالإضافة إلى أن  العناصر السابقة الذكر تخضع إلى سوق مواد البناء باعتبار أن إنتاج العقار ينطلق من قطعة الأرض التي تتفاعل مع مواد البناء من أشغالها الكبرى إلى أشغالها الثانوية إلى أجهزتها الثانوية ليتم الإفراج في آخر المطاف على منتوج يتمثل في سكن.  كما تحتاج أشغال البناء إلى يد عاملة، تقوم بهذه المهمة في آجال  محددة من اجل تسليم منتوج يتمتع بالمميزات والنوعية المشترطة في دفتر الشروط. وبالتالي فاختيار مواد البناء لا بد ان يستجيب للشروط والمعايير المدرجة ضمن مواد هذا الأخير، لتمكين العمارة من القيام بالوظائف المحددة لها. كما تتدخل نوعية المواد و سعرها في تحديد منحنى عملية إنتاج السكن.

-  ما الدور الذي تؤديه شركات البناء كعامل له موقعه في معادلة إنتاج السكن ويتأثر بسوق مواد البناء؟
 بالفعل فالتفاعل يشمل كذلك القطعة الأرضية وشركات البناء، حسب تخصص كل منها من تهيئة و تسطيح و بناء الهيكل والأشغال الثانوية و التقنية، ما يتطلب استثمارا حقيقيا ومخصصات مالية معتبرة، على رأسها مستحقات اليد العاملة، الضرائب وغيرها، و شراء مواد البناء، إلا أن هذه الأخيرة تنتج البناء بفعل أدوات إنتاج الشركة المكلفة بالانجاز وبالتالي المصاريف المضافة لأدوات البناء هي مجموع مصاريف الشركة  والهامش الربحي وكل تذبذب في كمية و أسعار هذه الأخيرة ، سيؤثر على أداء شركات الانجاز و بالتالي على آجال الانجاز، أي أن  مواد البناء تؤثر بشكل مباشر على إنتاج السكن و نوعيته وسعره و آجاله.

العقار بين الترقية الخاصة وصيغ الدولة

هل لنوع الصيغ السكنية تأثير على إنتاج هذا الأخير؟
يخضع إنتاج السكن في الجزائر عموما إلى صيغتين أساسيتين وهما الترقية الخاصة الذي يخضع لقوانين معينة إلى جانب صيغ الدولة مثل سكنات عدل، السكن الترقوي التساهمي  والسكن الترقوي المدعم، إلا انه و بغض النظر عن صيغة السكن وطبيعة القائم بالإنجاز عموميا كان أو خاصا فهي تصب جميعها في فلك الصفقات العمومية و تحتكم بقوانينها.
و هنا تجدر الإشارة إلى أن سعر مواد البناء في سياقه الطبيعي بعيدا عن المعطيات التي تتمخض عن الأزمات المختلفة، فانه يضبط  بمعاملات تحيين الأسعار على مدى الآجال المخصصة لانجاز المشروع.
الترقية الخاصة لا تمتلك أثرا واضحا فيما يخص إنتاج السكن ببلادنا. حيث تنجز الدولة الآلاف من الوحدات السكنية مقاسة بوحدة الأمتار المربعة خاصة في السنوات الأخيرة أين عرفت المشاريع السكنية انجازات غير مسبوقة، ما تطلب استهلاكا لكم هائل من مواد البناء، أي تذبذب في وفرتها أو أسعارها سيدخل شركات الانجاز في أزمة  ينتج عنها نقص في السيولة ما سيحول دون دفع مستحقات اليد العاملة،  ويضعها أمام إشكالية احترام آجال التسليم.

عجز أمام تطبيق بنود الصفقات العمومية

- ذكرتم أن إنتاج السكن بجميع صيغه يخضع لقانون الصفقات العمومية ويحتكم بمواده..؟
ما قولكم؟
 تتميز الصفقات العمومية بالصرامة في تحديد  القوانين التي تحكم مختلف تفاصيل التعامل بين الدولة وشركات الانجاز، كآجال التسليم و غرامات التأخير و تحيين الأسعار ما يعتبر ورقة ضغط، خاصة في حالة تغيير أسعار مواد البناء بطريقة استثنائية، مثل تلك التي تعرضت لها جراء جائحة كورونا حيث توقفت أغلب شركات البناء إن لم تكن كلها عن النشاط و تضررت اليد العاملة نتيجة عدم تقاضيها لأجورها لمدة طويلة  ما أحدث خللا بالدورة المالية لهذه المؤسسات.
عودة شركات الانجاز إلى النشاط  العقاري وحركية أسواقه واندماجها في البرامج السكنية المسطرة من طرف الدولة، لم يكن بهذه البساطة، حيث اصطدمت بتغيير في معطيات السوق، أهمها ارتفاع في أسعار مواد البناء ما أحدث خللا في بنود الصفقة المتعلقة بالتأخر في تسليم السكنات وعدم احترام الآجال المتفق عليه في دفتر الشروط ضد المقاولين العقاريين المكلفين بإنجاز المهمة لأسباب خارجة عن نطاقهم، ما يدفعهم للتوقف النهائي عن النشاط و خسارة سنوات من الخبرة والكفاءات .

تعليمة حكومية لحماية شركات الانجاز

- هل من إجراء يسمح بحماية شركات الانجاز من أجل ضمان استمرار نشاطها بما يعود بالفائدة على الحركية الاقتصادية للبلاد؟
لتفادي خسارة شركات الانجاز جراء عدم قدرتها على تحمل تبعات ارتفاع أسعار مواد البناء، تدخل الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، منتصف شهر جويلية من السنة الجارية، من خلال تعليمة وجهت إلى أعضاء الحكومة تضمنت إعفاءات وتعويضات مادية وتمديد للآجال لصالح متعاقدي الصفقات، كما تعهدت ذات التعليمة بتسديد الفواتير المتعلقة بالصفقات العمومية.
إجراءات اقرّها الوزير الأول من أجل محو تداعيات الجائحة التي استمرت لمدة تزيد عن السنتين و كذلك من اجل امتصاص الارتفاع المهول في أسعار البناء الذي هزّ اقتصاد المشاريع السكنية  إلى جانب اتخاذ عدة تدابير لفائدة المتعاملين الناشطين في مجال الأشغال العمومية والري والنقل والبناء من شانها تخفيف وتفادي الصدمات الغير متوقعة.

أسباب وراء تضاعف مخلفات أزمة الأسعار

-  لكن ارتفاع أسعار مواد البناء لا يمكن إن يكون العائق الوحيد أمام انجاز السكنات، هناك حتما أسباب أخرى؟
 أكيد، ارتفاع أسعار مواد البناء  إذا ما اقترن بعدم دفع الفواتير من طرف الدولة سيحول دون تمكن شركات الانجاز من دفع الفارق في الأسعار وبالتالي عدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها بتسليم المشروع .
إذا لابد من هندسة إستراتيجية و صناعية من اجل استقلالية و تحكم في الأسعار، خاصة وأن التسيير المالي و التخطيط في بناء المشاريع، لا يزال ضعيفا و بالتالي على شركات البناء أن تعكف على تكوين الكفاءات واليد العاملة  من اجل تسيير امثل للمشاريع ما سيسمح بالتوغل في تشخيص المشكل بدقة من حيث ماهية مواد البناء المؤثرة في السعر، خصوصياتها وخلفيات التأخر في تجسيد المشاريع.

هندسة المشاريع بمؤشرات قياس تسمح بتحري الأزمات

-  ما هي حسبكم الإجراءات  الواجب إتباعها من اجل احتواء الحالات الخاصة بما يسمح بالتصدي للازمات ؟
 الحل يكمن  في تحيين بعض المواد في الصفقات العمومية، وهو الأمر الجاري تجسيده، من خلال مراجعة النصوص التطبيقية والقوانين من بينها قانون الصفقات العمومية كخطوة تكميلية وداعمة من اجل أكثر فعالية لقانون الاستثمار الجديد.
كما يجب على شركات الإنشاء، التخطيط المسبق لمشاريعها من خلال مؤشرات قياس استباقية وخبرة في مواجهة الأزمات وتفادي التأخير الذي يمكن أن يقحم المؤسسة في مجال زمني، يحمل متغيرات غير تلك التي اعتمدت في بداية المشروع، ككمية مواد البناء الواجب شراؤها وتخزينها، فمثلا ارتفاع أسعار مواد البناء بـ 20 بالمائة سيؤدي إلى اختلال اقتصادي حتمي للمشروع.
المشاريع السكنية يمكن تشبيهها بمراحل التعليم المختلفة التي يكتسب من خلالها المتمدرس المعارف و الخبرة اللازمة ، فالسكن الاجتماعي على قدر ما هو مشروع اقتصادي، هو مشروع اجتماعي سيسمح بتحقيق الاستقرار الذي سيمكن من إنشاء المصانع المنتجة لمواد البناء و الجامعات المكونة للإطارات المهندسة والكفاءات المنضبطة  التي تقوم بتجسيد المشروع، إضافة إلى العقارات التي تقوم عليها هذه الأخيرة ، و هو ما يمكن تسميته «بدورة حياة المشاريع». كما يتطلب نجاح المشاريع السكنية، التحكم في الهندسة المالية والاقتصاد العقاري و هندسة القروض التي غالبا ما تلجا إليها المؤسسات، إضافة إلى التخطيط الاحترازي من خلال تطبيق جدي لقواعد مناجمنت المشاريع.
كخلاصة ، يمكننا القول إن ثنائية المشاريع السكنية والمشاريع الاقتصادية تقوم على احترام منحنى الآجال واحترام مكونات دورة حياة المشاريع خاصة في ظل وفرة العقار إضافة إلى تاطير الأسعار من أجل جرد دقيق للاحتياجات المالية للمؤسسة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024