الخبير في التّخطيط الاستراتيجي والعلاقات الدولية الدكتور ضروي لـ «الشعب»:

مخزون الغاز الاحتياطي للاتّحاد الأوروبي يجب أن يتعدّى 80 % قبل الشتاء

حوار: فايزة بلعريبي

 التّوتّرات التي تعرفها الدّول المورّدة للطّاقة وراء الأزمة النّفطية العالمية

 اختلالات الإمداد الطّاقوي..سينجم عنها ارتفاع في مستويات التّضخّم

-  الشعب: هل من الممكن إعطاءنا لمحة عن المشهد الطّاقوي العالمي؟
الدكتور محمد شرف ضروي: في السّنوات الأخيرة، اتّضح جليّا أنّ العالم بات في حاجة ماسّة إلى كميات أضخم وأكبر من المواد النفطية من البترول والغاز، ما يذكرنا بنهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، عند الوصول إلى الاكتشافات الكبرى من مادة البترول، حيث بقي العالم متعطّشا لهذه الأخيرة وغير قادر على تحقيق اكتفائه منها، بالمقارنة مع تزايد الكثافات السكانية، وتزايد الاستهلاك الطاقوي حتى الفردي بالنسبة لمواطني الدول، إلى جانب التطور الصناعي الهائل والتطور التكنولوجي المستهلك بشكل متزايد، ومتتالي ومستمر للموارد الطّاقوية بشكل رهيب، جعل العالم يعيد جدولة أولوياته، وينضوي تحت لواء منظمات جديدة أو قديمة بأطر جديدة.
بالنسبة للمنظمات القديمة التي بدأت تتأطّر بشكل يتناسب ويتكيّف مع الوضع العالمي الجديد، نجد منظمة «أوبك +» ومنظمة الدول المصدّرة للغاز الكائن مقرها بقطر، إلى جانب منظمات حديثة على غرار منظمة البريكس، التي أصبحت هي الأخرى تسعى لضمان عضوية العديد من الدول الطاقوية الكبرى، كالجزائر حيث صرّح رئيس الجمهورية مؤخرا بإمكانية الانضمام إلى منظمة البريكس.

-  سبق وأن حذّرت منظمة «أوبك +» من تقلص الاستثمارات النفطية، وما يترتّب عنه من  ضعف الطاقة الإنتاجية النفطية وتقلص الإنتاج عام 2023. كيف سيؤثّر ذلك على سوق الطاقة ومستقبل نمو الإنتاج؟
 التّحذيرات التي تصدر في «أوبك +» في كل مرة من تقلص الاستثمارات النفطية، يعود إلى العديد من العوامل المختلفة، ترجع بالدرجة الأولى إلى غياب المحافظ المالية المخصصة للاستثمارات على رأسها، الاستكشافات النفطية و الطاقوية. إلا أن هناك أسباب أخرى أولها مرور العالم بما يقارب ثلاث سنوات من جائحة كورونا التي أثرت على العمل المؤسساتي، وبالتالي على الاستكشافات النفطية والإنتاج النفطي.
وثانيها الوضع الجيو-استراتيجي الأمني للعديد من الدول الموردة للطاقة، حيث أن وجود العديد من الدول المنتجة  للنفط، التي تملك احتياطات كبرى من هذه المادة، ضمن  المناطق المصنفة «حمراء»، بحكم التوترات والأزمات التي تعيشها كالعراق وليبيا، أوكرانيا وروسيا، سيكون له  تأثير كبير على الأسواق العالمية للطاقة، وذلك بداية من النصف الثاني لشهر سبتمبر المقبل، وهذا بعد الارتدادات التي يمكن أن تحدث على مستوى أسواق  الطاقة الأوروبية.
وتعتبر الأسواق الأوروبية الصناعية، بالرغم من عدم قدرتها على الوصول إلى القوة الاقتصادية والصناعية  للولايات المتحدة الأمريكية التي تقاس بتلريونات الدولارات أو الاقتصاد الصيني، إلا أنها تتمتع بخاصية المحرك أو القلب الصناعي للاقتصاد العالمي، وأي اختلال طاقوي من شأنه أن يهدد هذا المحرك، ستكون مخرجاته جد سلبية على الاقتصاد العالمي ككل، من حيث ارتفاع الأسعار، زيادة مستويات التضخم، نقص الإمدادات، بالإضافة إلى نقص التسلسل اللوجيستي، وغيرها من العوامل ذات الصلة بالطاقة و الاقتصاد.

- كيف ستتأثّر أسواق  الطاقة العالمية، بأزمة الغاز الجارية، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء؟ وكيف ستكون مخرجات ذلك على الاقتصاد العالمي؟
 تبقى تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، الفيصل في تحديد مدى تأثر الأسواق الأوربية بالدرجة الأولى والعالمية بالدرجة الثانية، باعتبار أن نهاية سبتمبر المقبل وبداية أكتوبر هي بداية دخول فصل الشتاء، حيث تغطي أوروبا حاجتها الطاقوية من مادة الغاز بنسبة 45 %، من دولة روسيا التي تعتبر الطاقة، السلاح الحقيقي للتأثير على الدول الأوربية لاعتبارها طرفا مباشرا في الصراع.
تفيد تصريحات رسمية مؤكدة لحكومات الاتحاد الأوروبي، وكذا صندوق النقد الدولي، أن معدلات استهلاك المواد الطاقوية ستتضاعف من 5 إلى 6 مرات خلال فصل الشتاء، ما يعتبر إنذارا كارثيا خاصة وأن متوسط التخزين والامتلاء وصل إلى حد 30 % بالنسبة لكل دول الاتحاد الأوروبي، باستثناء ألمانيا، في حين يجب أن تبلغ نسبة مخزون الغاز الاحتياطي للاتحاد الأوربي 80 %، قبل شهر نوفمبر.
بالإضافة إلى تضاعف أسعار المواد الطاقوية في كل الدول الأوربية بما يتجاوز 12 مرة، على غرار فرنسا، ألمانيا، إيطاليا وسويسرا التي عرفت قفزة قياسية في سعر الغاز من 30 أورو إلى 345 أورو، هو ما يمكن وصفه بالكارثة الطاقوية، بالرغم من أن روسيا لم تبدأ بعد بتنفيذ تهديداتها بالقطع النهائي لإمداداتها من الغاز، وما يحدث حاليا هو جراء توقيف الأنابيب التي يمر منها الغاز الروسي ليضخ إلى أوروبا من طرف أوكرانيا بحجة عدم تقاضيها لحقوق العبور.
من بين المؤشرات كذلك، ارتفاع أسعار الكهرباء من  4 % إلى 6 %، وكذا غاز التدفئة الذي ارتفع بنسبة 12 % إلى 15 %، إلى جانب الزيوت المستخلصة من النفط التي ارتفعت من 60 % إلى 80 %. ودائما حسب تقرير صندوق النقد الدولي، فقد وصل معدل الارتفاع الإجمالي للأسعار إلى 26 %، هذه الزيادات، من طرف دول الاتحاد الأوروبي المرغمة، قابلها إجبار هذه الأخيرة على تخفيض الضرائب على الاستهلاك الطاقوي،في محاولة منها لضمان استقرارها الاجتماعي.

-  قرّرت «أوبك +» رفع الإنتاج، ولو كان ذلك بقيمة إنتاج طفيفة، كما يرى الخبراء، ما انعكاسات هذا القرار على تطورات السوق النفطية وأسعار النفط؟
 قرار «أوبك +» وللمرة الثانية على التوالي رفع قيمة الإنتاج، بكميات طفيفة، يندرج ضمن رؤية واضحة وتعامل براغماتي مع الأزمات العالمية المتتالية (جائحة كورونا والأزمة الروسية – الأوكرانية)، حيث تأتي هذه الزيادات، إلى حد ما إرضاء لبعض الدول الكبرى على غرار الولايات المتحدة الأمريكية التي تطالب برفع كميات الإنتاج بشكل كبير، حتى يتسنى لها التحكم في أسعار الطاقة التي تتزايد بشكل كبير، التي قفزت من 45 دولارا كحد أدنى، إلى 115 دولار كحد أقصى، ما سيؤثر على الصناعات النفطية وحتى غيرها من الصناعات، باعتبار هذه الأخيرة تعتمد في عملياتها الإنتاجية على المواد النفطية ومخرجاتها.
النقطة الثانية تتمثل في الرؤية الاستشرافية للدول الأعضاء في منظمة «أوبك +»، للتخلص من الضغط السياسي الممارس عليها من طرف القوى الكبرى، حيث تنتهج منظمة أوبك مسارين للتحكم في سوق الأسعار النفطية، أولا البعد الاستراتيجي والتقني المتعلق بالإنتاج، إذ يمكنها تحديد وتسقيف مستويات الإنتاج، مع محاولة تحكمها في الأسعار، إلا أن هناك إشكال جانبي يتعلق بالدول المنتجة للنفط، التي لا تملك العضوية داخل منظمة «أوبك +»، ما يحرمها من الاستفادة من أي اتفاقية  تضعها المنظمة.
ثانيا البعد السياسي، حيث تخضع المنظمة بطريقة غير مباشرة إلى الضغوطات الجيو- استراتيجية التي تفرضها الدول العظمى، باعتبار أن وزراء الطاقة للبلدان الأعضاء يخضعون إلى القرارات السياسية لبلدانهم.  ليبقى الفصل بين الجانب التقني المتعلق برفع الأسعار والجانب السياسي المتعلق بالعلاقات الجيوسياسية بين مختلف الأطراف، أمرا معقدا تتحكم به الشراكات الدولية والإقليمية بين الدول.

- هل يمكن تقديم بعض الأرقام عن انعكاسات التوتر الدولي على الاقتصاد العالمي؟
 من الناحية الاقتصادية الإقليمية، تمّ توصيف أنه هناك انكماش في الناتج المحلي، تجاوز 6 % على مستوى كل دول الاتحاد الأوروبي، وذلك لارتباطه بخفض الإمداد بـ 60 %، من جهة أخرى تم تسجيل انخفاض في معدلات استهلاك المواد النفطية من طرف المستهلكين، وصل إلى 9 %، بسبب الارتفاع الذي شهدته أسعار هذه الأخيرة.  إلى جانب انخفاض النشاط الاقتصادي والصناعي، الذي يعتمد إلى حد كبير على النفط الروسي، وصل إلى 12 %.
مع التأكيد على بقاء هذه المؤشرات آنية، حيث سيكون تأثيرها متباينا على دول الاتحاد الأوربي، في حالة توقف الإمدادات الطاقوية، خاصة الروسية منها، حيث ستكون دول أوروبا الشرقية أول المتضررين، لتليها بعد ذلك دول أوروبا الغربية، مخلفة ارتدادات وخيمة على الاقتصاد العالمي باعتبار هذه الدول المحرك الحقيقي لهذا الأخير.

- ما موقع الجزائر الجيو-استراتيجي من الأزمة النّفطية؟
 في ظل هذه المتغيرات العالمية، تحركت الجزائر، من خلال كل المعطيات والمؤشرات، حسب منظور استراتيجي محدد على الأمدين القصير والمتوسط،  مستفيدة من الظروف المتوترة عالميا، التي كانت في صالح اقتصادها الطاقوي.
أثبتت الجزائر وفاءها لالتزاماتها الطاقوية مع شركائها، بزيادة بحوالي الضعفين من إمداداتها من الغاز، إلى دولة ايطاليا التي ترى في الجزائر، حسب وصف الرئيس الايطالي « دولة موثوقة»، بالمقابل يرى رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أن إيطاليا «شريك استراتيجي»، على مر العقود، ما جعل الجزائر بوابة للصناعة الايطالية نحو القارة الإفريقية.
قرب الجزائر الجغرافي من دول الاتحاد الأوروبي، وتواجدها في منطقة جنوب المتوسط والتراكم الخبراتي الكبير في مجال الطاقة الغازية والمنتجات الطاقوية بصفة عامة وحيازتها على أنابيب مجهّزة مسبقا، جعلها في موقع سيادة طاقوية، من شأنها إحداث الفارق في العلاقات السياسية والاقتصادية للدولة الجزائرية مع دول الاتحاد الأوروبي، وغيرها من الدول الكبرى.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024