رئيس الجمعية الوطنية للمهندسين المعماريين، أحمد بوزيدي:

الذهاب نحو إنتاج معماري يحترم خصوصية الأسرة الجزائرية والبيئة

حوار: سعيد بن عياد

يثير المشهد العمراني بمختلف جوانبه المهنية والتنظيمية تساؤلات لا تنتهي ومعها أخرى حول مركز المهندس المعماري على مستوى مسار المشاريع من التصميم إلى الانجاز مرورا بالمراقبة. مشاريع ضخمة في البناء سواء للسكن أو المرافق المختلفة تمّ انجازها وأخرى لا تزال ورشاتها قائمة منها تلك التي تمّ رفع التجميد عنها. مع كل هذا يشكّل المهندس المعماري الرقم الثابت في المعادلة ما يضع المهنة في مقدمة النقاش. يتناول هذا الحوار الذي أجرته «الشعب ويكاند» مع رئيس الجمعية الوطنية للمهندسين المعماريين، أحمد بوزيدي جوانب عديدة مسلطا الضوء على طبيعة هذه الجمعية ومكانة المهندس المعماري مرورا بمسألة البناء الحديث تكيفا مع التحولات الطاقوية وأفكار أخرى يطرحها في هذه المقابلة.

-  «الشعب ويكاند»: إلى ماذا ترمي جمعية المهندسين المعماريين الجزائريين وما طبيعتها، وهل هي جمعية مهنية أم نقابة؟
 أحمد بوزيدي: بادئ ذي بدء، نشكركم على هذه المقابلة. جمعيتنا، التي تسمى الجمعية الوطنية للمهندسين المعماريين، بالاختصار «ANA» هي، كما يوحي اسمها، وطنية. وقد تأسست في 12 جويلية 2021 من قبل مجموعة من المهندسين المعماريين وتمّ اعتمادها وفقًا لأحكام القانون 06-12 المؤرخ 12 يناير 2012، المتعلق بالجمعيات. وهي مفتوحة، دون تمييز، لجميع حاملي درجة مهندس معماري أو درجة الماستر في الهندسة المعمارية، وتستوعب كل قطاعات النشاط مجتمعة.
وبالتالي، سواء كان المرء مهندسًا معماريًا يمارس بصفته الخاصة، أو مهندسًا أستاذا جامعيا، أو مهندسًا مقاولا، أو مهندسًا موظفا، أو مهندسًا مرقيا..، أو معماريًا باحثاً عن وظيفة،ANA، هي جمعية ذات طبيعة ثقافية وعلمية واجتماعية، تُعتبر إطارًا مفتوحاً للنقاش والتفكير بين الأعضاء الحاملين لنفس التكوين والشهادة والوظائف المختلفة.
تناقش الجمعية الوطنية للمهندسين المعماريين جميع القضايا المتعلقة بمهنة وحرف الهندسة المعمارية. تقوم بتنفيذ المشاريع والمساهمة في جميع المبادرات التي تهدف إلى تعزيز الجودة المعمارية والحضرية والبيئية والبناء المستدام واستخدام الطاقات المتجدّدة وترشيد استهلاكها.
للإجابة على سؤالكم بشكل أكثر دقة، فإن الجمعية الوطنية للمهندسين المعماريين ليست منظمة مهنية ولا نقابة عمالية. انها جمعية مواطنة، ومن ثمّة جميع المهندسين المعماريين الذين ينضمون إليها بشكل فردي أو جماعي، يستفيدون من مزايا متعدّدة، والتي ستستمر في النمو، مثل:
إنشاء فرص المساهمة وتنفيذ مشاريع ذات منفعة عامّة ومصلحة مشتركة.
تبادل وتشارك المعلومات والاتصال بين الأعضاء في مجالات نشاطهم؛ التبادل بين الأشخاص من نفس المهنة وأصحاب المصلحة الآخرين في مجالات العمارة والتخطيط والتخطيط العمراني والمدينة والبيئة الوصول إلى إطار مؤسسي معترف به للتعبير؛ المشاركة في الاجتماعات والأيام الدراسية والمؤتمرات والندوات والتكوين المستمر.
تقديم التسهيلات والامتيازات للأعضاء في إطار الاتفاقيات والشراكات التي أبرمت أو التي سُتبرَم لاحقا.
- كيف ترون مكانة المهندس المعماري في معادلة العمران وكيف يمكن تصحيح موقعه فيها، هل يكون ذلك عبر إصلاحات قانونية وتنظيمية؟
 كان للمهندس المعماري دائمًا دور رئيسي في كل ما يتعلق بالبيئة المبنية والتحضر وسيواصل القيام بذلك لفترة طويلة مقبلة. من المسلّم به أننا واجهنا مؤخرًا اضطرابًا وخللا في ممارسة وتنظيم الهندسة المعمارية، وهذا راجع إلى العديد من المعايير وليس هذا هو الحال بالنسبة لمهنتنا فقط. هذا هو الحال بالنسبة لجميع المهن تقريبًا، على المستوى الوطني وحتى الدولي.
يجب أن نتكيّف باستمرار مع الظروف المتغيرة لإنتاج البيئة المبنية. يجب علينا أن نجدد أنفسنا باستمرار لنكون منسجمين مع تحديات واحتياجات مجتمعنا ومواطنينا. صحيح أن النصوص التنظيمية التي تحكم مهنة المهندس المعماري الاستشارة الفنية للطلبية العامّة أوالخاصة، يجب أن تتماشى أيضًا مع الاحتياجات والتحديات التي يتمّ مواجهتها.
نحن نعلم أن الدائرة الوزارية للسكن والعمران والمدينة قد بدأت ورشة كبيرة لتحديث الترسانة القانونية التي تحكم القطاع. إنه مشروع طموح ولكنه أساسي، بل حيوي. وإنّنا نطمح أن نساهم بطريقتنا الخاصّة في تحقيق هذا المشروع من خلال تسخير خبرة أعضاء جمعيتنا ومنخرطيها، حيث أن بعضهم كوّن رصيدا من الخبرة المهنية في ممارسة الهندسة المعمارية وإدارة المشاريع تفوق الأربعة عقود.
- أنجزت الجزائر كما هائلا من المشاريع السكنية لكن لا تزال نقائص في عدة جوانب، مثل ضيق المساحة وكلفة المواد بعبارة أخرى الجودة، لماذا؟
 إن الإنجازات التي تحققت في العقدين الماضيين من حيث الإسكان والتجهيزات المرافقة، تشكل تحديًا حقيقيًا وليس أقلها. فيما يتعلق بالإسكان والمعدات المصاحبة، تهدف هذه الإنجازات إلى الحد من أزمة السكن والطلب لا يمكن تلبيته إلا من خلال البرامج العملاقة.
اليوم، حان الوقت ومن الحكمة إعداد حوصلةعامّة لما تمّ إنجازه في مختلف البرامج، يجب أن تتناول هذه التقييمات جميع الجوانب: إدارة المشاريع، الاستشارة الفنية، وأدوات الإنتاج، وجودة البناء، والإطار المبني والبيئية المنتجة بالإضافة إلى جوانب من الممكن الاستفادة من الخبرات لجعلها أساسًا لأي إنجاز مستقبلي.
وبالعودة إلى الوضع الرّاهن، صحيح إنه على الرغم من أنّ تصميم المساكن والمباني عموما يتمّ من قبل المهندسين المعماريين، إلاّ أنه غالبًا ما يعيد سكانها ومستعملوها تصميمها لتكييفها مع أسلوب حياتهم.
ولذلك يعكف الباحثون من مختلف التخصصات على محاولة فك رموز هذه التعديلات وإبراز معناها وأبعادها، بينما يقوم المعماريون بإعادة إنتاج نفس الأشكال والتخطيطات في نوع من التناقض مع الذات بدل البحث والذهاب نحو إنتاج معماري يحترم خصوصية الأسرة الجزائرية من ناحية وينسجم مع البيئة المحيطة من جهة أخرى.
يكمن تفسير هذا الواقع في حقيقة أنه في معظم الحالات، إن لم يكن في جميعها، يواجه المهندس المعماري حالات استعجالية للاستجابة للطلبية العمومية والتي لا تتيح له الوقت الكافي لإنضاج المشروع واقتصاره على دراسة مخطّط الكتلة، خاصّة عندما يتعلق الأمر بالاستجابة لأصحاب المشاريع المكلفين بإنجاز السكن الاجتماعي مثل دواوين الترقية والتسيير العقاري ووكالة عدل.
في الواقع، يخضع المهندس المعماري وفريق الاستشارة الفنية الخاص به لمواعيد تعاقدية قصيرة جدًا وغير كافية، وكذا لمواصفات فنية ووظيفية موحدة ونمطية مطبقة على جل مشاريع السكن الاجتماعي. إذ تعتبر معايير الاقتصاد والاكتفاء بأصغر الأرقام وبالحد الأدنى الذي لا يجب تجاوزه هي القاعدة، على سبيل المثال لا الحصر فإنّ أبعاد النوافذ والأبواب النافذة المطلة على الشرفات لم يتمّ استثناؤها.
- قطاع السكن من أكبر مستهلكي الطاقة، ما هي تصوراتكم لإدماج الطاقات البديلة في العمران والمرافق العامّة؟
 فعلا، إنّ قطاع البناء والعمارة هو المستهلك الأول للطاقة في الجزائر، فهو يمتص 41٪ من إجمالي الاستهلاك النهائي للطاقة، بحسب مسؤول بالوكالة الوطنية لتطويراستخدام الطاقة وترشيده (APRUE).
إنّ التنمية المستدامة هي واحدة من القضايا الأساسية في عصرنا الحالي. هدفها الأساس هو ضمان الحفاظ على كوكب الأرض والتضامن بين الأجيال.
يجب أن نسلك هذا الطريق لتجنب ضرر لا يمكن إصلاحه. إنها في الحقيقة مسؤولية أخلاقية مزدوجة بين الأجيال الحالية والمستقبلية. وتُعد إدارة الطاقة أحد التحديات الرئيسية للتنمية الاقتصادية، والتي تسير جنبًا إلى جنب مع التنمية المستدامة.
يتمثل التحدي الرئيس الأول في معرفة كيفية إدارة الموارد بكفاءة وقبل كل شيء بشكل معقول من أجل الاستجابة بأكثر الطرق ملاءمة للطلب المتزايد على الطاقة للسكان من خلال ضبط معدل معدات المنازل في الأجهزة المستهلكة للطاقة والتي تستمر في النمو. حيث تُمثل التدفئة وتكييف الهواء الجزء الرئيس، والماء الساخن المنزلي والطهي والكهرباء المحددة (التشغيل الآلي للمكاتب، والتجهيزات المنزلية، والإضاءة) هي عناصر استهلاك أخرى.
يفترض تحقيق كفاءة أفضل في استخدام الطاقة مرورًا إلزاميًا من خلال اللوائح التي وضعتها السلطات العمومية. وللقيام بذلك، سيتعين علينا مواجهة التحدي المتمثل في حشد جميع المتدخلين في فعل البناء: المهندسين المعماريين والمهندسين المدنيين والبنائين والمقاولين وأصحاب المباني والمشغلين والمصنعين لمواد البناء وشركات الطاقة وأيضًا الباحثين الجامعيين، لتقريب اهتماماتهم حول:
-  توسيع ودمقرطة استخدام الطاقة الشمسية.
- اعتماد نهج اقتصاد الطاقة في أعمال البناء، سواء من حيث التصميم أو التنفيذ؛
- تطوير مواد وأنظمة البناء ذات الأداء العالي الطاقوي، مثل نظام البناء القائم على اللبنات الحاملة المترابطة واستخدام المواد المحلية.
- ولكن أيضًا، وقبل كل شيء، تصميم إنجاز أبنيتنا مع احترام صارم لقواعد مضبوطة حتى لا تكون هذه البناءات، سواء كانت مساكن او تجهيزات عمومية ملتهمة للطاقة.
- تحضّرون للقاء علمي وفني حول دور المهندس المعماري، ما هي الخطوط العريضة؟
 في الواقع، تنظم جمعيتنا يومًا دراسيًا حول دفتر البنود الإدارية العامة المطبقة على الصفقات العمومية للأشغال الجديد CCAG وذلك يوم الأحد 27 مارس 2022، في سطيف. حيث تجدر الإشارة أن هذا الدفتر قد تم اعتماده بموجب المرسوم التنفيذي رقم 21-219 المؤرخ في 20 ماي 2021 للموافقة على البنود الإدارية العامة المطبقة على عقود الأشغال العامة. وقد نُشر في الجريدة الرسمية عدد 50 بتاريخ 24 جوان 2021.
يتوجه هذا اليوم الدراسي، الذي يرعاه وزير السكن والعمران والمدينة، إلى الجهات الفاعلة في الصفقات العمومية للأشغال (مكاتب الدراسات، المعماريون، المقاولون، وأصحاب المشاريع، مديرو المشاريع، المراقبون الفنيون، شركات التأمين، وغيرهم) بهدف تمكينهم من اللقاء والتدرب وتبادل الخبرات.
كما يهدف هذا اليوم الدراسي من خلال مشاركة هيئات رسمية وخبراء ومتعاملين اقتصاديين معنيين بالصفقات العمومية للأشغال، وسيتم خلاله بحث:

-  عرض السياق القانوني المتجدد لـ CCAG في منح الصفقات العمومية للأشغال وتنفيذها؛
- تبادل الأفكار ومناقشة الأحكام التنظيمية الجديدة لدفتر البنود الإدارية المعمول به منذ سبتمبر 2021.
- تسليط الضوء واستخلاص العبر لاستخدامها بشكل صحيح من أجل تثبيت الممارسات الجيدة في الصفقات العمومية للأشغال.

-  يسود الاعتقاد أن المهندس المعماري يأتي في مرتبة ثانية خلف صاحب القرار الإداري، ولهذا كلفة اقتصادية وبيئية، كيف يمكن إقامة توازن بين الشركاء لكسب معركة عمران حديث ومستدام واقتصادي؟
 زيعتبر موقع المهندس المعماري محوريًا في الثلاثية لإنجاز المشروع «صاحب المشروع ـ صاحب العمل أو المستشار الفني ـ مقاولة الإنجاز». ومن خلال الحوار مع الزبون أيضًا يقوم المهندس المعماري بتصميم المشروع من خلال دمج جميع القيود، سواء كانت محددة في البرنامج أو ما إذا كانت تتعلق بالمجالات الحضرية، والتنظيمية، والتقنية، والمالية، وما إلى ذلك، مع الاهتمامات المكانية والبشرية.
وكل هذا له تكلفة اقتصادية وبيئية، ولكن يجب أن يتمّ من حيث «التكلفة الإجمالية»، والتي تميز قيمة الاستخدام على الربحية الفورية وتؤدي إلى قيمة مضافة حقيقية.
الالتزام بمثل هذا النهج هو في المقام الأول مسؤولية الزبون (صاحب المشروع) الذي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار:

-  تكلفة الخدمات الفكرية (بما في ذلك دراسات البرمجة والتصميم).
- تكلفة البناء (المنتجات والبناء نفسه).
- تكاليف الصيانة وإعادة التأهيل.
- تكاليف التفكيك والهدم والعواقب الضارة لكوكبنا (إهدار الموارد الطبيعية، والاضطرابات المناخية، وما إلى ذلك).
- التكاليف البشرية والاجتماعية (معيشية فقيرة..).
لذلك يجب أن تدمج اقتصاديات المشروع بيانات «التكلفة الإجمالية» للاستثمار. وبهذا المعنى، يتعين على جميع الجهات الفاعلة، التعامل بشكل مناسب مع تأثير مشروعهم من الناحية الحضرية والاجتماعية والبيئية.
على هذا النحو، فإن المهندسين المعماريين ووفقًا لمهمتهم لتسهيل وتحسين «العيش معًا» من خلال المباني والمناظر الطبيعية، فإنهم مدعوون إلى جعل الجودة البيئية هدفًا لممارستهم المهنية من أجل الاستجابة بشكل أفضل لمتطلبات المجتمع وتحديات كوكبنا.
لقد ورد في التقرير الوطني حول تطبيق البرنامج المتعلق بالمدن، الصادر في مارس 2021، أن الجزائر جزء من تحديات التنمية الحضرية المستدامة، حيث تسعى بجد منذ كيتو 2016 إلى تنفيذ العديد من الاستراتيجيات المخطط لها في أفق 2030 لتعزيز التحضّر المستدام، على النحو المحدد في الخطة الجديدة للمدن وأهداف التنمية المستدامة، حيث يهدف هذا الالتزام السياسي إلى جعل تجمعاتنا الحضرية، مدنا شاملة مفتوحة للجميع وآمنة، تمارس فيها العدالة الاجتماعية والإنصاف وتجعل جميع الأفراد يتمتعون بنفس الحقوق ويستفيدون بشكل عادل من الفرص التي توفرها المدينة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024