تربطني علاقة وطيدة بأدباء الجزائر
رواية «الأبيض لا يليق بك» ستكون حاضرة بسيلا 2022
«إنَّ فن النص الطفولي ليس بهذه البساطة التي يتوّهمها البعض، فهذا الفن عالي القمّة شديد الهمّة، وعر السبيل يحتاج إلى دليل، لا يسلكه بجدارة غير فنان تصحبه المهارة، قادر على فهم الشخصية الطفولية بكل جوانبها، لكي يضطلع بمهمة صياغة البنى التحتية البشرية».. هكذا يعرّف الأديب اللبناني الدكتور طارق البكري «أدب الطفل» وهو الضليع فيه من خلال تأليفه لأكثر من 500 قصة وكتاب بشغف وإبداع كبيرين. ويقاسم من خلال هذا الحوار قرّاء «الشعب ويكاند» نظرته لعالم أدب الطفل والبعض من أرائه بحكم تجربته الطويلة في الميدان.
- «الشعب ويكاند»: علاوة على الموهبة والإبداع، يستلزم أدب الطفل الإلمام بعالم الناشئة وأفكارهم وانشغالاتهم حتى يتمكّن الأديب من تمرير رسائله، أين يكمن السر وراء نجاح مؤلفاتك؟
د. طارق البكري: الإيمان العميق بأهمية عالم الطفولة كان الحافز الأول لي للانغماس في هذا المجال الجميل والممتع في آن معا، وكان سببا في الاهتمام الأكاديمي والمهني، فالموهبة والرغبة وإخلاص النية أمور لابدّ منها لأي عمل نسعى لنجاحه، لكن ذلك لا يتحقّق دون معرفة، فالعلم لا بد أن يسبق العمل، والأماني وحدها لا تكفي.
الكتابة للطفل ليست غاية في حدّ ذاتها أو سبيلاً لغاية، بل هي غواية عند الأديب المحب المجدّ، يقصدها الجامحون المولعون بلا تطلعات أو أهداف ذاتية، هم يتلذذون إذا كتبوا، ويستمتعون إذا انتهوا، لا يمنعهم بلاء ولا وباء، ولا قلة نشر أو انتشار، ولا مانع من الموانع من المضي قدماً كالثوار، مؤملين النفس بجيل من الأحرار، يمشون بصبر وإصرار، ولا يملون الانتظار، حتى وإن لم يكن الحصاد الطيب سريعاً وفيراً، وكانت الظلمة السخية على الدرب جاثمة والأنوار الساطعة ضعيفة باهتة.
والكلمة التي أكتبها أسعى لكي تكون منبر عطاء وبناء، لا آلة هدم وإفناء، فكم من شيء قدم للأطفال أساء وكم من نوايا صالحة أضرت أكثر من النوايا الطالحة. وأؤمن بأن على كاتب الطفولة المبدع أن يحصِّن نفسه ويعدّها الإعداد الأمثل، ويتزوَّد بكثير من الأدوات حتى يقدر على ولوج الزمن واختراق المدى، وصولاً إلى عالم الطفل الصغير. وتزداد خطورة وأهمية أدب الطفل حيث يقدم له عصارة فكره، ويلهم خياله بكرم وسخاء، ويبني مجد مستقبله بعيداً عن آفة الغلو والتعصّب والكراهية والعنف والفساد.
- هل كل ما يُقدّم اليوم من «كتابات للأطفال» مفيد لهم حقا؟
دور النشر تهتم بشكل عام بما تقوم بإصداره، وتعتني به، طباعة وإخراجا، فضلا عن المضمون، وقد تتفاوت المستويات نظرا للإمكانات المتاحة، لكن المنافسة تجعل من الضروري الاهتمام بكل ما يصدر، خاصة مع وجود رقابة اجتماعية وتربوية، فضلا عن النقد الذي قد يوجّه لأي إصدار لا يرتقي بالطفولة، وما ينفع الناس يمكث بالأرض، ويبقى ويستمر، والساحة الأدبية بحاجة للمفيد لذا يحرص الجميع على تقديم الأفضل، وإن وجدت بعض الإصدارات التي ينتقدها البعض فهي تكون استثناءات، والخير أكثر، وفي النهاية على الأسرة مسؤولية المراقبة وحسن الاختيار، فضلا عما تقوم به الوزارات والمدارس والدراسات المتخصّصة.
- هل الكتابة «للطفل» أم «عن الطفل» وأين يكمن الفرق بحكم تجربتك الطويلة في هذا المجال؟
طبعا نحن نكتب للطفل، وليس عنه، وأرى أنَّ النص الطفولي مثل أي نص آخر، لكن بما أنه يقصد جمهوراً خاصاً، فإنه يحتاج لكاتب خاص، يمتلك حسَّاً طفولياً صادقاً، ونفساً طفولية متَّقدة متجذرة، يعيش الطفولة بتفاصيلها، وليس مجرّد هاو مجرّب، يقتحم هذا المجال بكلمات يكتبها ويرى لها بعض الرواج، فيظن واهماً أن الكتابة للطفل سهلة الانقياد هينة طيعة، كما يعتقد كثير من الناس، وخاصة في بلادنا، لأننا لا نعطي الطفولة مكانتها، ولا نعي أهميتها المستقبلية كما يجب، فنبحث عن الرخيص من البرامج والنصوص، ونذهب هنا وهناك لكي نملأ مكتبة الطفل ومحطاته التلفزيونية ومجلاته الورقية أو الإلكترونية، ونعدو خلف ألعابه الإلكترونية، فينشأ الطفل على غير الشاكلة التي نريدها، ومن هنا يأتي الدور الكبير للكاتب الناشئ؛ فالدور ليس مجرد رص كلمات خلف بعضها، أو صوغ نصوص مضحكة مسلية، أو تلحين أنغام تطرب الطفل وتنوّمه، أو تصوير برامج أو دبلجة أفلام ومسلسلات ترقى في عقول الصغار حتى تفقدهم كيانهم..
- هل «الكتاب - الأطفال» أو «المؤلفون الصغار» ظاهرة صحية؟
وأنا لا أرى أن الطفل بإمكاناته المحدودة يمكنه أن يكتب بالمستوى المطلوب، علينا أن نقوم بتشجيعه على القراءة والكتابة، وقد ننشر له، ونحفزه، لكن تبقى الكتابة الأدبية فن، بحاجة لدراية وموهبة وتخصّص، وأنا عندي تجربة كبيرة في هذا المجال، وقد أجريت كثيرا من الدورات التدريبية للأطفال، ونشرت الكثير من القصص بأقلام الأطفال، سواء في الصحف أو المجلات أو في مجلد خاص بأقلام الصغار، لكن تبقى هذه محاولات طفولية، ضمن هذا الإطار.. لذا نقول إننا نكتب للطفل وليس عنه.
- أين أدب الطفل اليوم من الرقمنة وعصر التكنولوجيات الحديثة والعالم الافتراضي؟
هذا الأدب حاضر إلكترونيا بمجال واسع، لكن لابدّ من الاعتراف بأن قدرة الكلمة على منافسة حضور الإنتاج البرمجي ليس بالمستوى المطلوب، هناك عزوف عن القراءة سواء من الكتاب أو من الوسائط الإلكترونية، وكثير من المؤسسات والجهات والأفراد يبذلون محاولات لنشر الأدب الطفولي عن طريق الانترنت، وبمعونة الأسر والمدارس والمؤسسات الطفولية يمكن أن تحقّق هذه الوسائط أهدافها.
لكن لا بد من ملاحظة أمر، بعض الأشخاص أسّسوا قنوات للأطفال حقّقت مشاهدات بالملايين، لكنّها للأسف خالية من أي فائدة، ومع ذلك نجد عليها إقبالا كبيرا، فيما لا نجد هذا على المواقع الجادة والهادفة الخاصة بالطفل، وهنا خطر كبير، وهنا فرصة لدعوة الجهات المعنية لدراسة هذه الظاهرة ومحاولة الحدّ منها لأنها تشوّه عقول الأطفال وتؤثر على تقاليدهم ومعتقداتهم وأفكارهم ومستواهم التعليمي.
- هل غيّرت من أسلوبك في الكتابة للطفل الذي أصبح مولعا أكثر بالهواتف الذكية، أو بالأحرى تغيرت الاهتمامات لدى الأطفال مع العصرنة؟
لا أعتقد ذلك، فالتطوّر في الكتابة يتنامى مع مرور الأيام، وما كنت أكتبه في الماضي ما زال يصلح، لكن تبلور الأفكار، وتطوّر القدرة الكتابية أمر طبيعي بحكم السن، وبحكم الاحتراف مع مرور الأيام، لذا لا أجد أني متأثر بالتغيير بسبب الهواتف الذكية والتطورات الإلكترونية، لكني أعيش العصر، مثلي مثل أي شخص آخر.
- تخوض تجربة الكتابة إلى اليافعين أو المراهقين وكون هته السن حساسة جدا - أين يحاول الفرد البحث عن نفسه وعن مكانة له في المحيط أو فرض سلطته عليه - فما هي المواضيع التي تحملها كتاباتك لهم؟
بدأت الكتابة لليافعين منذ نحو عشر سنوات، حيث وجدت الحاجة لمثل هذه القصص والروايات، فهناك نقص كبير في ذلك، وفي السنوات الأخيرة اكتشف الكثير من الكتاب والمؤلفين ذلك، وباتت الساحة الأدبية مليئة بكتب اليافعين، وبات كثير من دور النشر مهتم بهذه الفئة من الأطفال، كما أن الجوائز العربية باتت تهتم كثيرا بأن تكون بعض جوائزها موجهة لكتابات اليافعين، أما الموضوعات التي أكتبها لهذه السن فعديدة وكثيرة، منها الروايات التي تدمج التراث بالمعاصرة، ومنها القصص الفكاهية، والألغاز، والقصص الدينية، والاجتماعية مثل تبيان مضار المخدرات.. وغيرها.
- كيف يمكن جذب الكاتب انتباه الطفل، من خلال القصة أم من خلال الكتابة المسرحية؟
في الحقيقة لكل مجال أدبي تميزه، لكن للمسرح مكانة خاصة عند الطفل، إلا أن هذا الفن أصبح مهجورا في الفترة الأخيرة ولم يعد هناك تشجيع كبير من قبل الجهات المعنية وباتت تكاليف العرض أكبر من المردود، فبات هناك إحجام عن المسرح في مجالات كثيرة، ولم نعد نجد سوى تجارب خجولة تمتد لأيام وفي مناسبات وطنية أو دينية أو في مسارح المدرسة.
- وماذا عن النقد في مجال الكتابة للناشئة؟
النقد في مجال أدب الطفل هو قليل جدا وأكثره مجاملات، وربما نجد دراسات نقدية جادة لدى بعض الباحثين، ولاسيما في دراسات الماجستير والدكتوراه.
- حدثنا عن نظرتك لواقع أدب الطفل في العالم العربي اليوم وكيف ترى التأليف في المجال عند الأدباء والكتاب الجزائريين؟
الواقع ممتاز، والمستقبل أكثر تفاؤلا، وقد شاركت مؤخرا بحضور معرض تونس ثم معرض القاهرة للكتاب، ووجدت إقبالا كبيرا من الأطفال وأولياء الأمور، كما وجدت اهتماما من الجهات الرسمية، فضلا عن أن كثيرا من دور النشر باتت تهتم بشكل لافت بأدب الطفل، ومعارض الكتاب العربية باتت تخصّص أجنحة كبيرة للأطفال، وأعتقد أن الآتي سيكون أفضل مع انحسار جائحة كورونا، كما أننا نسمع عن تحضيرات طيبة وممتازة لمعرض الكتاب في الجزائر هذا العام ونتمنى للمشرفين عليه وللعارضين كل توفيق ونجاح.
- أين تصنّف علاقتك مع الأدباء والكتّاب الجزائريين؟
بفضل الله حقّقت مؤلفاتي انتشارا واسعا جدا في العالم العربي، وامتد نحو الجزائر الحبيبة، حيث قامت بعض الجامعات بتقديم دراسات عن مؤلفاتي ومنها دراسة ماجستير عن رواية (الأبيض لا يليق بكم) كما كانت لي مشاركة طيبة في مؤتمر الإتحاد الأدبي في مدينة بسكرة عروس الزيبان، بدعوة من اتحاد الكتاب الجزائريين، ووجدت بينهم الكثير من المحبة والمؤازرة، ولا سيما الأخ العزيز رئيس الاتحاد الأديب يوسف شقرة ورئيس فرع بسكرة الكاتب المسرحي محمد الكامل بن زيد والناقد المعروف عبدالله لالي وعائلة آل حوحو الكرام الذين تربطنا معهم روابط القربى، وغيرهم من الأعزاء في الجزائر وفي كل الولايات.
- أنت على رأس رابطة أدب الطفل، لها صيت كبير في الفضاء الأزرق، كيف جاءت فكرة تأسيسها وما هي مهامها وأهدافها؟
قبل سنوات طويلة وأنا أفكر بجمع بعض المهتمين والأدباء والناشرين والرسامين في مجموعة متخصّصة بأدب الطفل، وأنشأت لهذه الغاية على الفايبسوك جماعة أدب الطفل العربي وتضمّ أكثر من خمسة آلاف مشترك، كما لدينا مجموعة مصغرة على الواتساب تضمّ حوالي 200 شخص من مختلف الدول العربية. وهي تهدف أولا إلى التعاون والتعاضد بين أفراد المجموعة والتعرف على إنتاج كل شخص من الموجودين، والتآلف فيما بيننا على امتداد الوطن العربي.
- هل سيكون جديدك الأدبي حاضرا في المعرض الدولي للكتاب بالجزائر شهر مارس؟
بحمد الله ستكون رواية «الأبيض لا يليق بكم» التي صدرت في الجزائر عن دار علي بن زيد للنشر والتوزيع، معروضة في جناح اتحاد الكتاب الجزائريين، وكنت قد تلقيت دعوة لحضور المعرض والمشاركة في بعض الأنشطة، لكن بسبب الوضع الراهن لم أقرّر الذهاب حتى الآن، ولعلنا نكون معكم في المعرض التالي بإذن الله.