الدكتور هشام دراجي لـ»الشعب ويكاند»:

شبح الانقسـام يطلّ مجـددا في ليبيــا

حوار: عزيز ـ ب

 المسـار الانتخـابي مرهـون بمنظومـة قانونيـة جديـدة

تطرّق الدكتور دراجي في هذا الحوار، إلى الأجواء السياسية التي تعيشها ليبيا، والخلافات التي بدأت ترتسم في الأفق بفعل العزم على انتخاب رئيس حكومة جديد، كما استغلّ الفرصة ليتحدّث عن الجهود الأممية ودور دول الجوار في حل الأزمة التي تعصف بهذه الدولة ومن خلالها بكلّ المنطقة، وخلص إلى حتمية إعادة بناء المؤسسات الانتقالية والتأسيس لنظام قانوني جديد لتنظيم الانتخابات وتسليم السلطة.

«الشعب ويكاند»: بعد تأجيل الانتخابات في ليبيا، عادت الخلافات والانقسامات لتطفو على السطح، كيف تقرأون الوضع الليبي اليوم؟
د. هشام دراجي:  أعتقد أن الخلافات والانقسامات الداخلية هي الميزة اللصيقة بالمشهد السياسي الليبي منذ الإطاحة بالنظام السابق، ولم تختف طيلة العشر سنوات السابقة، لكنها كانت تبرز بشكل جلي وخطير أحيانا، وتختفي ملامحها في أحيان أخرى، كل هذا حسب الأحداث الجارية وأهميتها، وعلى هذا الأساس فإن القراءة المتمعنة للوضع الراهن تدفعنا إلى الـتأكيد على صعوبة الوصول إلى حلول انتخابية أو توافقية على المستوى القريب.

- بدل تركيز السياسيين الليبيين على تحديد رزنامة جديدة للاستحقاقات، هاهم ينشغلون بمصير حكومة الوحدة، بين من يصرّ على تغيير رئيسها، ومن يتمسّك ببقائها إلى غاية تسليم السلطة إلى قيادة منتخبة، ما قولكم؟
 لا يمكن الرهان على أن تحديد الرزنامة الجديدة للاستحقاقات كافية للوصول إلى حلول جذرية للأزمة الليبية، لذلك أتفق تماما مع وجهة النظر التي تتجّه نحو ضرورة تهيئة البيئة المناسبة لنجاح الاستحقاقات، والحكومة اليوم في قفص الاتهام لأنها تتحمل جزءا من مسؤولية الإخفاق، وأنا هنا لا أحملها المسؤولية الكاملة لأنها شريك في الفشل مع المجلس الرئاسي ومجلس النواب، سواء بأدائهم المعرقل أو بالمنظومة التشريعية الباهتة التي تمّ الاتفاق عليها كأساس قانوني لتنظيم الاستحقاقات، لذلك أعتقد أن الأولوية اليوم هي إعادة تنظيم المشهد السياسي، وترتيب المؤسسات الانتقالية مع إعادة بناء وضبط المنظومة القانونية التي ستنظم الانتخابات وتسليم السلطة.

- تتحرك الأمم المتحدة ومن خلال مستشارتها ستيفاني ويليامز في كل الاتجاهات لإعادة تحريك المسار الانتخابي، وتتمسّك بأولوية الانتخابات على تغيير الجهاز التنفيذي، كيف تقيّمون جهود الأمم المتحدة، وهل بإمكانها اقناع الفرقاء بخوض غمار الانتخابات كما هو مقرّر؟
 ستيفاني ويليامز تعلم جيدا صعوبة تغيير الجهاز التنفيذي، أو إجراء أي تغييرات في المؤسسات الانتقالية نظرا للتوازنات التي ساهمت في وضع هذه المؤسسات منذ البداية، وهي تدرك جيدا الدور السلبي الذي لعبته هذه المؤسسات في عرقلة المساعي الانتخابية، لكنها بالمقابل تحاول اختيار أقرب الطرق وأسهلها لإنجاح مهمتها الأساسية المتمثلة في إجراء الانتخابات، فهي تعلّم يقينا أن فتح ملف الحكومة وبقية المؤسسات الأخرى، بالإضافة إلى إعادة النظر في قانون الانتخابات، يمكن أن يؤجل الاستحقاقات الانتخابية إلى مواعيد بعيدة، وهو ما يقود بشكل مباشر إلى فشل مهمتها، لذلك تحاول اليوم التركيز على تحديد رزنامة جديدة للاستحقاقات والتركيز على تحريك المسار الانتخابي مع محاولة الوصول إلى توافقات معينة تسمح بقبول الجميع للنتائج المتوّقعة.

- ولماذا تمّ التمديد ثلاثة أشهر فقط للبعثة الأممية في ليبيا؟
 تمديد مجلس الأمن ثلاثة أشهر إضافية فقط للبعثة الأممية أمر طبيعي جدا نظر للمهام الموكلة لهذه البعثة والتي ترتبط أساسا بالمسعى الانتخابي، وهو التمديد الذي يفسّر تركيز ستيفاني ويليامز على تحريك المسار الانتخابي، واستبعاد جميع الحلول والإجراءات الأخرى خاصة تلك المرتبطة بإعادة هيكلة المؤسسات الانتقالية.

- من خلال متابعة مجريات القمة الأفريقية الـ35 مؤخرا، كيف كان حضور الأزمة الليبية وماذا بإمكان الاتحاد الافريقي أن يفعله للمساعدة على حلها، خاصة مع شبه غياب أفريقي في جهود تسوية هذه المعضلة؟
 لقد هيمن على القمة الإفريقية الأخيرة شبح الانقسام بعد قرار المفوضية الافريقية منح الكيان الصهيوني صفة مراقب بالاتحاد، وهو القرار الذي تمّ تعليقه بعد الجهود الدبلوماسية الكبيرة للجزائر وجنوب افريقيا، لذلك لم تلق الكثير من الملفات الأخرى على غرار سد النهضة والأزمة الليبية الكثير من الاهتمام، لكن حسب بعض الأصداء الواردة من أديس بابا، فقد تمّ التطرّق إلى قضية المرتزقة في ليبيا خلال مداولات القادة الأفارقة بطلب من محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي، والذي أكد ضرورة دعم الاتحاد الأفريقي لخطط إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من بلاده مستدلا في ذلك بتقرير مفوضية الأمن والسلم الأفريقي.
- ارتفعت تحذيرات كثيرة من انتشار مجموعات ارهابية في الجنوب الليبي، وقد وقعت مواجهات بينها وبين قوات ليبية، ما تعليقكم على هذا الخطر الذي لا يهدّد ليبيا فقط بل المنطقة بأسرها؟
 أعتقد أن الجماعات الإرهابية الناشطة في الجنوب الليبي لم تعد تملك القوة الكبيرة التي كانت تملكها قبل سنوات نظرا للتواجد الكثيف والمتنوع سواء للقوات الليبية، أو المرتزقة والقوات الأجنبية، فالساحة في ليبيا أصبحت تعجّ بالمقاتلين على مختلف انتماءاتهم، لكن وبالرغم من ذلك تبقى الجماعات الإرهابية خطيرة جدا خاصة وأنها تستهدف بشكل أساسي حقول النفط والمنشآت الحيوية في ليبيا أو بدول الجوار، لذلك من المهم جدا التركيز على مواصلة التضييق على مثل هذه الجماعات، وعدم التقليل من خطرها مع الانشغال بمختلف الملفات الأخرى في ليبيا.

-  إلى أين وصلت مسألة إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب؟
 مسألة إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا هي مسألة داخلية لكنها بين أيادي خارجية، ففي جميع الأحوال لا يمكن الوصول إلى أي حلول في هذا الشأن بعيدا عن صنّاع القرار في دول خارجية لها نفوذ في الداخل الليبي، صحيح أن الساسة الليبيون يحاولون اليوم طرح المسألة كأولوية بدليل طرحها في القمة الافريقية الأخيرة، وفي مجلس الأمن، لكنها في اعتقادي الشخصي، وبحكم التجارب التاريخية المشابهة لا سيما في سوريا والعراق، فإن المسألة تتطلّب الوصول إلى توافقات محدّدة بين الساسة الليبيين وصنّاع القرار في الخارج.

- نعود إلى قضية الانتخابات، لتحديد الأسباب الحقيقية التي حالت دون اجرائها في موعدها، وهل بالإمكان تجاوز هذه الأسباب لاحقا؟
 كما سبق لنا الإشارة، فإن الأسباب الحقيقية التي حالت دون اجراء الانتخابات في موعدها، هي ضعف القانون الانتخابي، والحسابات الضيقة للساسة وصناع القرار الليبيين في المؤسسات الانتقالية لا سيما الحكومة، لذلك من المهم جدا أن نحدّد بدقة ماذا نريد كحلول للأزمة الليبية، إذا كنا نبحث عن حلول جذرية فحري بنا إعادة بناء المؤسسات الانتقالية والتأسيس لنظام قانوني جديد لتنظيم الانتخابات وتسليم السلطة، أما إذا كنا نبحث عن حلول ترقيعية وسريعة، فالحديث عن تحديد رزنامة جديدة للاستحقاقات قد تبدو مناسبة نوعا ما.

- لا شكّ أن وراء تأجيل الانتخابات كانت قائمة المترشحين التي شملت أسماء يدور حولها جدل كبير، ما قولكم؟
 قائمة المترشحين ليست السبب الرئيسي ولا الوحيد وراء تأجيل الانتخابات في ليبيا، تأجيل الانتخابات كان الحل المناسب والمتوقّع مع الفوضى الكبيرة التي شهدتها العملية، خاصة على مستوى الطعون، ودور القضاء، وضعف المفوضية المكلفة بالعملية، وعدم قدرتها على مركزية العمل، فتحوّلت كل مدينة ليبية إلى عاصمة لأحد المترشحين، وهو أمر غير مقبول في سياق تنظيم استحقاق انتخابي بحجم الانتخابات الرئاسية.
ومنذ البداية كانت الجزائر تدعو الجميع إلى عدم التدخّل في الشؤون الداخلية لليبيين، وترافع على أن الحل لا يمكن أن يكون سوى بأيادي ليبية، وهي المقاربة التي حاولت الجزائر تصديرها من خلال نقل تجربة المصالحة الوطنية للأشقاء الليبيين، لكن للأسف عرفت المسألة الليبية العديد من التدخلات، بل أصبحت بالفعل بين
«أيادي خارجية»، لكن تراجع جهود الجوار الأخيرة بين مؤتمري الجزائر وباريس يرجع بالأساس إلى عودة ستيفاني إلى ليبيا كمستشار للأمين العام، وتركيزها الكبير على إعادة بعث المسار الانتخابي، وهو المسار الذي يتوافق مع الرؤية الجزائرية.

- كيف تتصورون مآل العملية السياسية الليبية، وهل تتوقّعون العودة إلى المسار الانتخابي قريبا؟
 لا يمكن التنبؤ بمآلات العملية السياسية في ليبيا مع الأوضاع الراهنة والتطورات المتسارعة، لكن يمكن أن نرسم ثلاثة سيناريوهات لحل الأزمة؛ أحدها حل طويل الأمد يرتبط أساسا بإعادة هندسة الحياة السياسية في ليبيا، وما يترتب عن ذلك من إعادة بناء المؤسسات الانتقالية وفق رؤية وطنية بعيدا عن جميع التوافقات الأيديولوجية والعرقية، وبعيدا عن مصالح القوى الخارجية، وهو الحل الذي يتطلّب وقتا طويلا، وجهودا كبيرة، وحل ثان متوسط الأمد يرتبط بإعادة ضبط الرزنامة الانتخابية مع ضرورة إدخال بعض التعديلات على قانون الانتخاب، وتنظيم المفوضية، مع محاولة العمل على مركزية الطعون على مستوى «مجلس دستوري» أو «محكمة دستورية»، وحل أخير قريب الأمد يرتبط بإعادة ضبط الرزنامة الانتخابية في ظرف الثلاث أشهر المقبلة.

- كيف تتوقّعون تطورات الوضع إذن؟
  من الصعب جدا توقّع التطورات في ليبيا خاصة مع المتغيرات المتسارعة كما أشرت سابقا، لكن أعتقد أن هناك توافق على الأقل داخل أروقة الأمم المتحدة حول ضرورة اجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، والعمل على إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، وهي التطوّرات التي يمكن تصورها خلال الأشهر القليلة المقبلة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024