«الاستفتاء على تعديل الدستور، حدث مهم نحو تغيّر السلوك السياسي والفعل الانتخابي، وموعده مرتبط بذكرى غالية لتلبية نداء الوطن. «من حق كل مواطن أن يدلي برأيه دون تعصب ولا إكراه ليكون الحوار حضاريا والصندوق الفيصل»، هذا ما يقوله الإعلامي والمحلل السياسي الدكتور محمد هدير أستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للصحافة وعلوم الإعلام، في حوار خاص مع «الشعب ويكاند»..
الشعب ويكاند: ما الإضافة التي تقدمها الحملة الانتخابية هذه الأيام تحسّبا للاستفتاء على مشروع تعديل الدستور؟
الدكتور محمد هدير: بالتأكيد هذه الحملة ستقدم إضافة إلى المسار الديمقراطي في الجزائر، أنها تأتي في مرحلة حاسمة من التاريخ السياسي الجزائري، خاصة بعد الحراك والجزائر الجديدة، هذه المرة المجتمع المدني هو الذي يقود الحملة الانتخابية باعتبارها فرصة سانحة لأحداث القطيعة والتوجه نحو الجزائر الجديدة.
* مشروع التعديل يعرض للاستفتاء في أول نوفمبر، ما قراءتكم للحدث والموعد الزمني؟
** الحدث مهم نحو تغير السلوك السياسي والفعل الانتخابي، أما الموعد الزمني فله دلالاة رمزية ووجدانية، مرتبطة بذكرى غالية على قلوبنا جميعا، وهي ذكرى اندلاع الثورة التحريرية المباركة التي أحدثت زلزالا لإزاحة أكبر استعمار عرفه التاريخ البشري، لذلك الجزائريون على موعد يوم أول نوفمبر المبارك لتلبية نداء الوطن من أجل الجزائر الغد..جزائر جديدة وتفويت الفرصة على أعدائنا وكم هم كثر، وعليه دعوتي لكل الجزائريين هي معا في هبة واحدة من أجل الجزائر الغد.
* هل ترون أن وثيقة التعديل نالت حقها في النقاش والإثراء بالنظر إلى تزامنها مع الظرف الصحي الاستثنائي ممثلا في وباء كورونا وتداعياته؟
** نعم أرى بأن وثيقة الدستور نالت حقها، خاصة في زمن جائحة كورونا، كان كل الجزائريين ماكثين في البيوت مع العائلات، مع توفر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ممّا جعل الوثيقة تعرف نقاشا واسعا وجدلا كذلك، ممّا يبين مدى اهتمام الشعب الجزائري بمشروع تعديل الدستور، وما رأينا من جدال وصراع واختلاف حول بعض المواد الا دليل قاطع على وعي الجيل الحالي بمصيره، خاصة وأن رئيس الجمهورية رمى بوثيقة الدستور في الأوساط الشعبية حتى يدلي كل مواطن برأيه.
* على ضوء المشاورات مع الفاعلين السياسيين والنخب والمجتمع المدني، هل ترون أن المشروع يستجيب لروح التغيير المطلب الملح والغاية المنشودة؟
** من خلال اطّلاعي على جل الدساتير العالمية، ودراستي لمقياس نظريا ت الدولة؛ أرى بأن وثيقة الدستور الحالية هي إثراء للدستور الجزائري الذي ظهر في وثيقة طرابلس سنة 1962 وتجسد سنة 1963 هو مكسب في التاريخ السياسي الجزائري؛ خاصة وأن دستورنا من الدساتير المرنة؛ يعني قابل للتطوير والإثراء وليس جامدا؛ بمعنى يتطور حسب تطور المجتمع الجزائري الذي يسير بسرعة فائقة وفقا للتطور التكنولوجي الحاصل في وسائل الإعلام الحديثة..وعليه فإن الوثيقة أجابت على جميع الأسئلة المطروحة، والقضايا العالقة منذ الاستقلال، وهي جسر نحو التغيير المنشود.
* يلاحظ أن النصوص المراجعة، تخضع إلى قراءات متباينة وتفسيرات متناقضة حسب المواقع والانتماء، كيف السبيل لبلوغ دستور توافقي مستديم وليس ظرفيا؟
** من حق كل مواطن أن يدلي برأيه؛ هذا مظهر من مظاهر الوعي والديمقراطية، ولكن يجب الابتعاد عن التعصب، وأن يكون الحوار حضاريا والصندوق هو الفيصل سواء التصويت بـ «لا» أو بـ «نعم»، لأن مبادئ الديمقراطية تبنى على الحكم للأغلبية، والأقلية تحترم وتحمى بالقانون؛ وهنا نرقى إلى مصاف المواطنة التي ينشدها الجميع وتنصهر فيها الفروق؛ يسود العدل والمساواة، يعلو القانون فوق الجميع ويصبح مبنى البرلمان هو أعلى بناية في المدينة.
لذلك كل المواد هي مكملة لبعضها البعض، والتي كانت محل نقاش، فسرت خطأ؛ كدسترة الامازيغية؛ أرى هذه المادة كانت ورقة للتجارة واستغلالها؛ ولكن مع دسترتها أغلقت الأبواب أمام تجار السياسة، كذلك فيما يخص السماح للجيش المشاركة في العمليات خارج الحدود؛ ليس لاستعمال الجيش في حروب خارج الجزائر؛ الحمد لله عندنا جيش له عقيدة ثابتة وهو سليل جيش التحرير الوطني، ولكن بهذه المواد نحمي أمننا الوطني والمجال الحيوي للجزائر، في إطار خوض ضربات استباقية قبل بلوغها التراب الوطني.
* تباينت دساتير الجزائر بين دساتير برامج ودساتير قوانين، أين نضع دستور 2020؟ هل الوقت مناسب لصياغة دستور قابل للاستدامة تشترطه الجزائر الجديدة وتراه أقوى الرهان والتحدي؟
** كما أشرت في البداية إلى التطور الهائل الدساتير الجزائرية منذ الاستقلال أي منذ أول دستور في عهد الاستقلال 1963، فإن الدساتير الجزائرية فيها مميزات مهمة منها؛ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة، ما يعني أن الحقوق الأساسية مضمونة؛ لاحظنا أن دستور 1989 يعتبر ثورة في التاريخ السياسي الجزائري ولكن دستور 2020 عزّز الهوية؛ ودعّم الحقوق الأساسية وإثبات الذات؛ وبيّن التطور الجيوسياسي والمجال الحيوي للجزائر الحديثة، ولذلك أذكر مرة أخرى بأن تغيير الدستور من صلاحيات رئيس للجمهورية؛ وتغيره خطيئة؛ بالعكس الدستور المستديم هو الذي يتطور وفق تطور المجتمع، والدول التي نراها مستقرة في دساتيرها هي دول قديمة عمرها يفوق 300 سنة.
* تعزيز الحقوق والحريات والمساواة، أبرز محاور التعديل، هل هذا مؤشّر للقطيعة مع ممارسات مضت ومحطة فاصلة في مسار استكمال بناء الدولة الوطنية؟
** نعم هذا ما سبقت الحديث عنه بالقول أن ميزة الدساتير الجزائرية وهي الحرية والمساواة والحقوق الأساسية دون أن ننسى مادة مهمة وهي الشعب مصدر كل السلطات، هذا مكسب مهم؛ حيث نرى بأن الدستور الفرنسي كرّس هذا المبدأ في التغير سنة 2008؛ أما الدساتير الجزائرية كلها احتوت مفهوما ومبدأ أن الشعب هو السيد ومصدر كل السلطات؛ ما جعل كل المجالس المنتخبة تحمل فسيفساء من الطبقات الاجتماعية من فلاحين، دكاترة وحرفيين.هذه مكاسب؛ ولذلك فإن دستور2020، جاء ثريا جدا وصحّح مواد مهمة، كما دعم الحقوق الأساسية وحرية الصحافة والتعبير.
* هناك حديث عن تولي وزير أول لرئاسة الحكومة في حال فوز الأغلبية البرلمانية الرئاسية، كيف تنظرون إلى هذه التجربة وأهميتها في توسيع صلاحيات الهيئة التنفيذية؟
** أرى أن هذه الخطوة مهمة؛ وستوسّع صلاحيات رئيس الحكومة الذي تفرزه الأغلبية؛ هذا يعني مزيدا من تعزيز الممارسة الديمقراطية؛ خاصة إذا لم يحصل أي حزب على الأغلبية المطلقة حتما سيلجأ إلى تكوين حكومة ائتلافية؛ وهذه العملية ستسمح بوصول أحزاب صغيرة إلى سدة الحكم؛ وتكون رقابة أكثر. أعتقد أنّنا نسير نحو الأحسن والابتعاد عن سياسة غلق اللعبة أوالديمينو مثلما حدث في الماضي عندما تحالفت الأحزاب الكبيرة؛ وسميت بالتحالف الرئاسي مما أدى إلى خنق العملية السياسية في الجزائر حيث أوصلوا البلاد إلى طريق مسدود كاد أن يعصف بالدولة؛
ولكن أخشى ما أخشاه هو أن يحدث انسداد بين الحكومة والبرلمان؛وتتعطّل مصالح الدولة؛ ولذلك نلح على الروح الرياضية في السياسة وتغليب مصلحة الدولة والوطن على النظرة الضيقة وتقديم التنازلات وترقية الحوار؛ وأخلقة العمل السياسي؛ وهذا عهد قطعه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون على نفسه بأنه يعمل على فصل المال القذر عن السياسة وأخلقة العمل السياسي.
كما ستفتح هذه العملية أي تعيين رئيس الحكومة من الأغلبية الفائزة المجال للمنافسة في الفكر والإبداع السياسي والتداول على السلطة؛ وإعطاء الفرص لظهور الكفاءات والاستثمار في رأس المال المعرفي،وهذا هو الرهان الحقيقي.
* بناء دولة المؤسسات مفهوم تردّد عبر مختلف مراحل جزائر الاستقلال، لكن اختلالات ظلت تسجل في التطبيق، هل الظرف الراهن يساعد على تحقيق هذه الغاية؟
** أقول نعم أمامنا فرصة سانحة من أجل تدعيم وتقوية مؤسسات الدولة وتعزيزها؛ خاصة أن رئيس الجمهورية؛ أبدى حسن النية والتزاما في ذلك، وما حدث مؤخرا في الصراع بين السلطة التنفيذية بإصدار مذكرات توقيف في حق برلمانيين؛ والعكس تعرض شخصيات من السلطة التنفيذية إلى نقد من السلطة التشريعية؛ وسجنه اكبر الشخصيات السياسية؛ وتجريدها من الحصانة؛ هذا مؤشر كبير على أننا نتجه نحو الفصل بين السلطات ؛وهذا ما يكرسه دستور 2020، ولذلك لابد من تأسيس وتعزيز مؤسسات الدولة؛ لأن الأشخاص تزول وتبقى المؤسسات، خاصة وأن الظرف الحالي خصب لذلك من كل النواحي؛ زيادة الوعي لدى الشعب مع وجود إرادة سياسية صلبة تمثلت في شخصية رئيس الجمهورية.
* كيف تنظرون إلى مرحلة ما بعد التعديل الدستوري في ظل تزايد الطلب على إقامة دستور دائم للأجيال يحصّن من أي انزلاقات وإقامة دساتير على المقاس؟
** شكرا على هذا السؤال الجوهري والمهم؛ للعلم أن المشكل الذي ميز كل الدساتير الجزائرية منذ الاستقلال؛ هو الانتقال السلس للسلطة؛حدث ذلك في سنة 1965عندما انتقد الرئيس الراحل احمد بن بلة بتعطيل الدستور؛ وكان السبب وراء إزاحته من زملائه وحدث تصحيح ثوري؛ وكذلك عندما توفي الراحل هواري بومدين كانت هناك أزمة في انتخاب الرئيس؛ واختير الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، وبعد استقالته ترك فراغا أدخل البلاد والعباد في دوامة العنف والفوضى؛ حيث عيّن المجلس الأعلى الدولة الذي ترأّسه الفقيد محمد بوضياف، ثم عيّن الرئيس الراحل علي كافي وبعده الرئيس اليمين زروال أطال الله في عمره؛ وأعيد انتخابه سنة 1995؛ حيث سلم السلطة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بعد الإعلان عن انتخابات مسبقة. جرى تسليم السلطة في عرس ديمقراطي أبهر العالم كاد أن يصبح تقليدا لو سلم الرئيس بوتفليقة سابقا السلطة لرئيس بعده بعد انقضاء عهدته.
ولذلك رسمت هذه الصور في مخيلة الشعب الجزائري الذي يطالب بالتغيير مراهنا على دستور 2020 الذي حدد العهدات بعهدتين، وفصل فيها تفصيلا في سابقة تحمل أملا في عهد جديدة يعزز دولة المؤسسات الطلب الملح والغاية المنشودة.