أحمد حماني رحمه اللّـه أفتى بجواز إعطاء لقب الكافل للمكفول، مع كتابة عبارة مكفول في شهادة الميلاد
مجهولو النّسب قد يكونون من ضحايا الكوارث الطّبيعيّـة والحـروب
الإثـارة تكرّسهـا بعـض القـوى التـي ترفـض التّجديـد
أثار المرسوم التّنفيذي الذي وقّعه الوزير الأول، عبد العزيز جراد، بشأن منح اللقب العائلي لمجهولي النسب بالأخص، جدلا ونقاشا واسعين في مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام، بالرغم من أنّ هذا القانون سنّ قبل 28 سنة وفصل فيه علماء ومشايخ الجزائر، وفي مقدمتهم الشيخ الفاضل أحمد حماني، رحمه اللّـه، الذي أفتى بجواز كفالة الأشخاص سواء تعلّق الأمر بمعروفي أو مجهولي النسب، مع التأشير على ذلك في الوثائق الثبوتية الرسمية بعبارة «مكفول»..وهذا المرسوم جاء في إطار تحيين قانون 1992.وبالنظر إلى الجدل الواسع واللّغط الذي رافق صدور المرسوم مؤخرا، وحرصا على تنوير الرأي العام الوطني وتسليط الضوء على هذا القانون والظروف التي جاء فيها والفئة المعنية ومساهمته في التخفيف من معاناتها، إضافة إلى إيضاح مدى تطابقه مع الشريعة الإسلامية وقانون الأسرة الجزائري من عدمه. كان هذا الحوار مع البروفيسور، سليمان ولد خسال، رئيس المجلس العلمي لكلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر2، والحاصل على إجازة في العلاقات القانونية والإدارية وشهادة الكفاءة المهنية في المحاماة.
الشعب ويكاند: أثار المرسوم التّنفيذي الأخير للوزير الأول بشأن منح اللّقب العائلي لمجهولي النّسب الكثير من اللّغط والنّقاش، على اعتبار أنّ التبنّي من المحرّمات في الشّريعة الإسلامية، ويمنعه قانون الأسرة الجزائري، بينما اعتبر فريق آخر أنّ الأمر يتعلّق بالكفالة ولا علاقة له بالتّبنّي، هلاّ أوضحتم الفرق؟
البروفيسور سليمان ولد خسال: في الحقيقة المرسوم الأخير الذي وقّعه الوزير الأول جاء بمناسبة تغيير اللقب وموضوع الكفالة جاء عرضا فيه، كما سيأتي بيانه فيما بعد. وعلى كل، التبني معناه إلحاق الولد لغير أبيه الحقيقي، أي ادّعاء شخص بأن هذا الولد هو ابنه، والحقيقة أنه لا علاقة تجمع بينهما، وصورة التبني هذه حرّمتها الشريعة الإسلامية ومنعها قانون الأسرة الجزائري صراحة بنص المادة 46 «يمنع التّبنّي شرعا وقانونا».
لكن قانون الأسرة أبدله بنظام الكفالة من خلال المواد 116 إلى 125 من قانون الأسرة الجزائري، والكفالة هي التزام على وجه التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقة وتربية ورعاية قيام الأب بابنه وتتم بعقد شرعي، وهذا المكفول قد يكون معلوم النسب أو مجهول النسب، وعليه فإنّ الكفالة من أعمال البر والخير أما التبني فهو تزوير للنّسب.
وحفاظا على الولد الصّغير، فإنّ الشّريعة ثم القانون راعا هذه المصلحة، فشرعا الحضانة للأولاد، ضحايا الطلاق وشرعا الكفالة لمجهولي النسب. والخلاصة أنّ هذا القانون له علاقة بإجراءات الكفالة ولا علاقة له بالتبني.
لماذا هذا القانون؟ وما هي آثاره الاجتماعية؟
لقد تمّ اللّجوء إلى هذا القانون نظرا للمشاكل التي كان يتعرّض لها مجهولو النسب خاصة في إثبات الحالة المدنية والهوية، بحيث يجد مجهول النسب نفسه مكبّلا لا يستطيع استخراج أوراقه الثبوتية، فيكون بذلك أشبه بعديم الجنسية، وإعطاء الاسم الثلاثي كما نصّت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 64 من قانون الحالة المدنية لم تستطع أن تعطي له صفة إثبات الحالة المدنية، فضلا على أن الاسم الثلاثي في المشرق العربي متداول بخلاف دول المغرب العربي، التي تعتمد على اللقب معيارا حقيقيا في تمييز الأسر، بسبب ظروف تاريخية.
وعليه، وبالنظر إلى هذه الإشكالات التي لحقت بمجهولي النسب، والذين هم بنص القرآن الكريم إخواننا في الدين، كان لابد من تفعيل هذه الآية بإيجاد آليات فقهية عملية، ذلك أن الفقه الإسلامي ليست وظيفته، وحسب بيان الحلال والحرام وإنما دوره الحقيقي هو إيجاد الحلول لمشاكل المجتمع، هذه المشاكل التي تستجد وتكثر مع مرور الزمن، ولهذا ظهر علم كبير تفنـّن فيه خاصة علماء الجزائر، وهو المعروف بفقه النوازل.
وتأسيسا على هذا، أفتى شيخنا أحمد حماني رحمه اللّـه بجواز إعطاء لقب الكافل للمكفول، مع كتابة عبارة مكفول في شهادة الميلاد، وعلى إثر هذه الفتوى جاء المرسوم التنفيذي رقم 92/24 سنة 1992، وفيه يمكن أن يتقدّم الشخص الذي كفل قانونا في إطار الكفالة ولدا قاصرا مجهول النسب من الأب أن يتقدّم بطلب تغيير اللقب باسم هذا الولد ولفائدته.
وهكذا، فإنّ هذا المرسوم وبناءً على فتوى بعض فقهائنا جاء من أجل أن يعالج مشكلة لطالما أرّقت مجهولي النسب، فضلا على أنّه وضع ضوابط كعبارة مكفول حتى لا تختلط الأنساب ولا يقع التوارث، وبذلك يتّضح أن الآثار الاجتماعية لهذا المرسوم جاءت إيجابية فتحقّق الاستقرار وخفّف من الآفات الاجتماعية، وتحقّق واقعا ملموسا مفهوم مجهول النسب باعتباره أخا في الدين ومواطنا يتمتّع بكامل حقوقه وواجباته.
هل يتعارض مرسوم الوزير الاول، عبد العزيز جراد، حول منح اللّقب العائلي للطّفل المكفول مع أحكام الشّريعة الإسلامية؟
لم يأتي مرسوم الوزير الأول بجديد وإنما بتعديل لقانون الحالة المدنية وللمرسوم التنفيذي رقم 92/24 الذي صدر سنة 1992، وعليه فإن مضمون هذا المرسوم الذي جاء به الوزير الأول هو نفسه الذي جاء به المرسوم الذي كان سنة 1992 والمتعلق بإعطاء اللقب للمكفول، وأما جديد هذا المرسوم فهي قضايا تتعلق بالشكل أو بالإجراءات مثل لو أن الكافل غيّر لقبه فإنه وبالضرورة لابدّ أن يغير لقب مكفوله بشروط وضوابط معينة.
وعليه فإنّ سؤالكم يطرح على مضمون مرسوم سنة 1992 القديم الذي وقع حوله خلاف بين الفقهاء بين مؤيد ومعارض، وقد أشرت أنّ شيخنا أحمد حماني رحمه اللّـه تعالى وغيره أفتى بجواز ذلك، وأنه لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وهذا الذي أميل إليه شخصيا.
وللعلم، فإنّ مجهول النسب ليس بالضرورة الذي يولد خارج إطار الزواج الشرعي، وإنما أيضا قد يوجد هذا الطفل ولا يعرف له نسب بسبب الحروب والزلازل، وبدل التفكير في معاقبة مجهوليي النسب فإن الأولى تحصين المجتمع من الانحرافات والتمييز بين الضحايا والمجرمين.
هل يستفيد الطّفل المكفول مع منح اللّقب العائلي من نفس أحكام الفروع؟
الطّفل المكفول يستفيد من مركزه القانوني بحيث يتمتّع بالحالة المدنية، ويستخرج وثائقه الإدارية، ويندمج في المجتمع بشكل عادي، والكافل يكون بذلك قد قدّم خدمة كبيرة للمكفول ليس فقط في جانبها المادي، وإنما كذلك في مجالها المعنوي، ولهذا يستحق هذا الكافل أن يكون قريبا من النبي ــ صلّى الله عليه وسلّم ــ في الجنة، لكن منح اللقب العائلي للمكفول لا يؤهّله لأن يأخذ نفس أحكام الفروع كالميراث أو النسب لأنه ليس من الورثة، كل ما في الأمر أنه يستحق الوصية أو الهبة، والغريب أن المادة 123 من قانون الأسرة أجازت أن تكون الوصية في حدود الثلث، وهذا مشروع ومعقول لكن غير المعقول أن تقيد التبرع أو الهبة أيضا بالثلث، وهذا فيه إجحاف فضلا عن أنه يتعارض صراحة مع أحكام المادة 206 التي تجيز للواهب أن يهب كل ممتلكاته.
هل أخذ أن هذا القانون حقه من النقاش في وسائل الإعلام؟
أعتقد أنّ القانون ليس جديدا وإنما قديم والذي جاء به الوزير الأول هو تحيين لهذا القانون في بعض جوانبه القانونية والإجرائية، والدليل أنّ المحاكم الجزائرية تتعامل بمقتضى هذا المرسوم بشكل طبيعي منذ سنوات طويلة، لهذا ليس مستغربا أن لا يأخذ حقه من النقاش في وسائل الإعلام، لكن إثارته إنما كان على مستوى التواصل الاجتماعي، ولا يخفى أن هذه الإثارة تكرسها بعض القوى التي ترفض التجديد وتسعى لإفشال مساعي الدولة الجزائرية، وللأسف هناك من تنطوي عليه الخلفية السياسية فيشيعها في المجتمع مستغلا العاطفة الدينية حتى نبقى نعيش ظاهرة التراوح بدلا من الانطلاق.
ومع ذلك تبقى مثل هذه المواضيع المتعلقة بمجهول النسب والكفالة بحاجة إلى اهتمام وبحث عن حلول أكثر إنصافا لكن في سياقاتها السلمية والطبيعية.
هناك من رأى في هذا القانون نهاية لمعاناة فئة كاملة من المجتمع، بينما يرى فريق آخر أنّه يشجّع العلاقات غير الشّرعية، ما رأيكم؟
أعتقد شخصيا أنّ هذا القانون هو حل من الحلول التي تعالج بعض معاناة فئة مجهولي النسب، والدليل أن الكثير من المواطنين يتعاملون معه بشكل إيجابي بحيث حقّق الكثير من الثمار، فضلا على أن مجهولي النسب ليسوا بالضرورة نتاج علاقة غير شرعية، إذ قد يكونون من بين ضحايا الكوارث مثل الزلازل والفيضانات أو الحروب والنزاعات.
مثل هذه العلاجات راعت ظروف هذه الفئة باعتبارهم ضحايا عانوا الأمرّين في ظل قسوة الكثير، وكثير منهم أجبروا على الانحراف وبالمقابل فإن هذه الفئة في ظل هذا القانون وجدوا المسكن المناسب والعائلة التي أمدتهم بالرعاية والعاطفة، واستطاعوا أن يندمجوا في المجتمع الجزائري.
ويبقى الباب مفتوحا أمام الباحثين لإيجاد حلول ومقترحات أخرى تنصفهم بشكل أفضل، أما مشكلة العلاقات غير الشرعية فهي بحاجة إلى آليات أخرى كالتشجيع على الزواج وتسهيله، وتوفير فرص العمل وتحصين الأمة أخلاقيا ودينيا وغيرها...
فإذا ما نجحنا في هذه المعادلة، فإن نسبة الضحايا من مجهولي النسب سيقل وينخفض، ولو فرضنا جدلا أن إنصاف مجهولي النسب فيه تشجيع للعلاقات غير الشرعية، فلماذا وصفهم القرآن الكريم في الآية ٥ من سورة الأحزاب كما يلي: ﴿فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدّين﴾.