تكثيف إنتاجها كفيل بكبحِ غلاء الأعلاف واللّحوم

الذرة الصفراء.. مستقبلٌ واعدٌ لصناعة الأعلاف بالجزائر

سفيان حشيفة

يمثّل نجاح زراعة الذرة الصفراء بكفاءة وجودة عاليَتيْـن في الجزائر، سانحة حقيقية لمراجعة وضعية صناعة الأعلاف الوطنية وكبح ارتفاع أسعارها المطّرد المسجل في السنوات الأخيرة، الذي انعكس سلباً على سوق اللحوم الحمراء والبيضاء ومشتقاتهما.

تعتبر الذّرة الصفراء من أهم المحاصيل الاقتصادية المنتجة في العالم بعد القمح والشعير، لكونها ترتبط بشكل أساسي بصناعة الغذاء البشري والأعلاف الحيوانية. بَيْد أنّ مسار إنتاجها في الجزائر شهد تلكؤاً في الحقب السابقة، بسبب سياسات تغليب الاستيراد على حساب تطوير وترقية الإنتاج الوطني.

نجاحات تحققت

حقّقت تجارب زراعة الذرة الصفراء على مدار السنوات الثلاث الماضية عبر ولايات الوطن، شمالاً وجنوباً، بحسب ما رصدنا، نجاحاً باهراً، سواءً على المستوى التقني أو الكمّي في الهكتار الواحد، حيث يبقى الرّهان قائماً على تشجيع الفلاحين وكبار المنتجين على خوض غمار زراعتها بالتوازي مع توفير فرص التسويق والتخزين الملائِمَين في حِينها لهم.
ويَأتي التّقدم الملحوظ في زراعة الذرة الصفراء في هذه السنة 2022، منتشياً بالمحفزات النوعية التي أقرّها الرئيس عبد المجيد تبون، لفائدة منتجي الشعبة والمستثمرين في إنتاجها، من خلال تكفّل الدولة بشراء محصول الفلاح ورفع سعر القنطار الواحد منه إلى 5000 دج، قصد ضمان هامش ربح معقول ومشجّع له على المواصلة وتوسيع المساحات الزراعية قدر الإمكان.
كما حظي القطاع الفلاحي بعناية وإحاطة خاصيْـن من الجهات العليا في البلاد، وهذا سيكون له أثرٌ إيجابي محسوس على صيرورته في العامين المقبلين، بحسب المختصين الزراعيين، لا سيما في مجال المحاصيل الإستراتيجية ذات البعد الصناعي والاقتصادي كالقمح والبذور الزيتية.
وفيما تعلق بالصناعات التحويلية الغذائية، فقد أتاح قانون الاستثمار الجديد الذي دخل حيّز التنفيذ هذا العام، للمستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين، مزايا هامة ومناخ عمل ملائما، من شأنه تحفيز العملية الإنتاجية الفلاحية، واستقطاب المحاصيل الصناعية لأغراض التحويل الغذائي، وبالتالي الحد من استيراد مدخلات المنتجات الاستهلاكية، وتحقيق الاكتفاء الوطني فيها.

خيار أخضر

من جانبه، يعد محصول التريتيكال - بديل الشعير - عاملاً آخر معززاً لاستنهاض مجال صناعة الأعلاف وطنيا، وفضّ ارتباطها بعمليات الاستيراد المكلفة والمنهكة للاقتصاد الوطني، حيث سَجّل هذا المحصول الإستراتيجي مؤخرا، نجاحا وتأقلما مع المناخ الصحراوي، بمردود إنتاجي قياسي في الهكتار الواحد، حوالي 75 قنطارا.
وبما أنّ زراعة التريتيكال شبيهة تقنيا بمسار الحبوب المعتاد إنتاجها في البلاد، ويستخلص منه أيضاً مادة الفرينة، فإننا لاحظنا إقبالا من الفلاحين على زراعته مقارنة بباقي الشعب الإستراتيجية التي جُرّب إنتاجها في الأعوام الأخيرة عبر ولايات الوطن.
في هذا السياق، يُفضّل كثير من مربي المواشي وملاك الثروة الحيوانية، على ضوء المتغيرات الإيجابية المسجلة في القطاع الفلاحي، زراعة وإنتاج الذرة الصفراء والتريتيكال في حقولهم ومستثمراتهم، من أجل استغلالها كمنتجات خضراء خام، في التغذية الحيوانية، والتقليل من استخدام المواد الصناعية العلفيّة، في إجراء عملي يُراد منه كبح صعود تكاليف التربية والتسمين، وكذا الحفاظ على استقرار دورة الإنتاج الحيواني الداخلي لديهم.

تجارب قيّمة

كشف رئيس مكتب الإتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين بالوادي، بليمة العربي، أنّ الذرة الصفراء من المحاصيل الإستراتيجية الهامة المتفرعة لعدة أصناف هجينة كثيفة الإنتاج، يوجد منها بذور متوائمة مع المناخ بالولاية مثل “الواحة” و«عجيب” و«ماس سيدس”.
وقال المهندس الزراعي بليمة العربي، في تصريح لـ«الشعب”، إنّ زراعة الذرة الصفراء سجلت نجاحا كبيرا بولاية الوادي، نظير توفرها على مناخ صحراوي ملائم ومياه سقي مناسبة، لافتاً إلى تأقلم الشعبة مع الملوحة المتوسطة في حدود 4 ديسي سيمنز، وحموضة (PH) في نطاق 5.5 إلى 8.
وتابع بليمة قائلاً: “يُستغل محصول الذرة الصفراء في تحقيق الدورة الزراعية بعد حصاد المنتجات البقولية والخضروات، ويمكن زراعته في موسمين مختلفين خلال العام الواحد، يكون البذر الأول بداية فصل الربيع، والثاني وهو الأهم، مع نهاية الصيف، يستخدم فيه آلة البذر مونو قران بخطوط 70 إلى 75 سم وبين البذرات 20 إلى 25 سم، في حين يقدر وزن كثافة البذور من 60 إلى 70 كلغ في الهكتار الواحد”.

مَوسِمان مختلِفان..

يَشرع الفلاحون في زراعة الموسم الربيعي، مثلما يقول بليمة، بالأسبوع الأول من شهر مارس، وتستمر العملية حتى آخره، غير أنه يعتبر مكلفا نوعا ما ويحتاج إلى عناية دقيقة، خاصة في السقي، إذ يستهلك المحصول خلاله كمية كبيرة من الماء بسبب ارتفاع درجة الحرارة، وتزامنها مع مرحلتي الإزهار والإخصاب، مع احتمالية حدوث جفاف لحبوب اللقاح وعدم اكتمال الإخصاب، مما يؤدي إلى خفض مستوى الإنتاج في نهاية المطاف.
كما يشوب الموسم الربيعي انتشار الآفات الزراعية، وتنشط أكثر فيه عند حلول فصل الصيف، مما يجعل المحصول عرضة للأمراض، وتكرار استعمال المبيدات والأسمدة والوسائل الوقائية المختلفة، وقد ينجر عن ذلك ارتفاع في التكاليف.
أمّا الموسم الخريفي، بحسب المهندس الزراعي بليمة، فيكون بذره متأخرا، وأفضله نهاية شهر أوت، لأنه يحد من الإصابة بآفة دودة الذرة التي تصيب النبات في الساق والثمار، وتأثيرها يبقى ضعيفا بسبب انخفاض درجة الحرارة التدريجي مع بداية حلول فصل الخريف من جهة، كما تكون اليرقات - من جهة أخرى - في نهاية عمرها لتتحول إلى فراشات.
وبخصوص المعالجة الكيميائية للحشرات عن طريق التلامس، يُبرز محدثنا، أنها تكون غير مجدية بعد تسلل الديدان إلى داخل الثمار، ووسائل المعالجة الأخرى عن طريق امتصاص المادة الفعّالة وتعد غير صحية ومن المحتمل تسببها في تسمم، سواءً للماشية أو الإنسان، إذا لم تُـحترم آجال انقضاء العنصر المُشَكِّل للمبيد المستعمل.

طريقتان للبذر

نصح بليمة بعدم البذر بالنثر للذرة، مثل ما يجري عليه الأمر في محصولي القمح والشعير، لأن مرحلة جني الثمار الحُبَيْبِي للذرة تكون صعبة بالحاصدة ويترتب عنها إتلاف جزء من المحصول، يُقابله سلاسة في عملية البذر بالخطوط لتناسبها مع عمل الآلة وحركة لواحِقها أثناء الحصاد.
وبخصوص مدّة النمو البيولوجي للذرة الصفراء، سواءً بالخطوط أو النثر، تستغرق من 5 إلى 6 أشهر، حسب تطور مسار النبات وجودة التسميد، نجاعة الوقاية من الأمراض وكفاءة مكافحة الآفات الفلاحية التي تصيب المنتوج في فترات معينة من دورته الحياتية.
مـردود عــال..
 لفت المهندس بليمة العربي، إلى أنّ عملية حصاد الذرة تتم بطريقتين، الأولى عن طريق الجني الحُبَيْبِي ويصل مردودها إلى غاية 65 قنطارا في الهكتار الواحد، والثانية عن طريق اونسيلاج -جني كلي للنبات- ويناهز حجمه زهاء 400 قنطار في الهكتار الواحد.
وبحسبه، يحتاج هذا المحصول إلى متابعة مستمرة، معالجة وقائية ضد الحشرات والآفات الفلاحية المعروفة التي تصيب هذا النوع من النباتات، ويتطلب الأمر انطلاقها من الشهر الأول للبذر إلى مرحلة الجني.
أهمية بالغة
أوضح العربي بأنّ الدولة أوْلت لهذا المحصول عناية كبيرة ومنحته أهمية بالغة ببرمجته ضمن المخطط الخماسي الفلاحي بورقة طريق 2020 / 2024، تسخير عدّة هيئات للتكفّل به ومرافقته تقنيا، إتاحة دعم الأسمدة والطاقة الكهربائية الفلاحية والقروض البنكية وغيرها من التسهيلات التشجيعية لزيادة المساحات المسقية.
ووفقاً له، شكّل التأثير السلبي للأزمات الحاصلة في العالم على جميع المحاصيل الزراعية الإستراتيجية والحركة الاقتصادية عموماً، دافعاً للدولة الجزائرية إلى تطوير القطاع الفلاحي وإعادة الاعتبار للفلاحين وتحفيزهم للتوجه نحو تنويع وزيادة حجم الإنتاج الوطني، ناهيك عن فتح أبواب الاستثمار في المناطق الصحراوية لرفع التحدي وتحقيق الأمن الغذائي.
وأردف، “إنتاج الذرة الصفراء في الجزائر يتجه نحو التوسع أكثر، لكن ما يزال يعترضه مشكل ارتفاع التكاليف من الأسمدة والبذور والمبيدات واليد العاملة، وغيرها من وسائل الإنتاج الأساسية”.

الذرة.. بلغة الأرقام

يعتقد المهندس الزراعي بليمة العربي، أنّ تضخم أسعار المدخلات الفلاحية، في الآونة الأخيرة، رفع تكاليف الهكتار الواحد من الذرة الصفراء ما بين 170000 دج و180000 دج، يمكن أن تنتج مردودا قياسيا يقارب 60 ق/هكتار، أي بمدخول إجمالي يقارب 300000 دج للهكتار الواحد باحتساب سعر الشراء الرسمي 5000 دج لـ01 قنطار.
وفي حال كان معدل المردود ما بين 45 و50 قنطارا في الهكتار الواحد، يتراجع هامش ربح الفلاح ويكون ضئيلا، بالمقارنة مع المدة التي ينتظرها من 6 إلى 7 أشهر، هذا إذا لم يشهد المحصول أي تأثّر بالآفات الزراعية أو حدوث كوارث طبيعية.
وبناءً على ذلك، اقترح رئيس اتحاد المهندسين الزراعيين بالوادي بليمة العربي، إعادة النظر في وضعية شراء المحصول من الفلاحين لتشجيعهم أكثر على الإقبال والاستثمار في هذه الشعبة الهامة جدا، تحفيز المؤسسات الكبرى في البلاد على التوجه نحو إنتاجها ضمن مساحات واسعة، وكذا التفكير في تكثيف بذورها محليا على المديين المتوسط والبعيد، من خلال إعداد هياكل ومعاهد تقنية خاصة.
لا تقتصر استخدامات الذرة الصفراء على الجانب العلفي الحيواني للمواشي والدواجن، وإنما تدخل أيضاً كمادة أساسية في الصناعات التحويلية الغذائية البشرية وصناعات حيوية عديدة أخرى، من شأن تكثيف زراعتها كبح غلاء الأعلاف الذي لازم المُربّين منذ سنوات بسبب ارتفاع مدخلاتها المستوردة من الأسواق العالمية، والسيطرة مستقبلا على سوق اللحوم الحمراء والبيضاء ومشتقاتهما كثيرة الاستهلاك داخل البلاد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024