مدينة الجسور المعلقة قسنطينة ....

معــالم أثريـــة وسياحيـــة بحاجـــة إلى تثمــين

قسنطينة: مفيدة طريفي

 تتوفر ولاية قسنطينة على كافة الإمكانات الضرورية والشروط الأساسية لتجسيد سياحة رائدة ووجهة آمنة للمستثمرين الجزائريين والأجانب باعتبارها بوابة الشرق الجزائري، فضرورة تحسين مناخ الاستثمار وتوفير الظروف المناسبة لتحرير روح المبادرة وتنويع الاقتصاد الوطني باتت اليوم ضمن رؤية شاملة ومستقرة لإعادة الروح للمعالم الأثرية والمناطق السياحية بمدينة الجسور المعلقة.

 حسب الخبراء الاقتصاديين، فإنّه لابد من توفير فرص استثمارية في سوق توصف بالعذراء، فبدءا من قطاع الطاقة، الزراعة والمناجم وصولا لقطاع السياحة الذي يعتبر رافدا مهما لجلب الاستثمار الأجنبي، وبديلا لاحتكار عائدات النفط.
 قسنطينة، ورغم ما تملكه من إمكانات سياحية، غير أنّها تبقى بحاجة إلى الدفع بهذا المجال قدما، حيث تعتبر ثالث ولاية جزائرية متروبول كبير ومركزا اقتصاديا هاما، وقطبا علميا مشعا، إضافة إلى إمكاناتها الاقتصادية المتعددة وغير مستغلة والباحثة عن المستثمر المناسب لتطويرها؛ ولهذا يجب تهيئة محيط مناسب لجلب واستقبال المستثمرين، خاصة وأنه تم بعث مجموعة من الدراسات والمشاريع المبرمجة مسبقا لتحقيق انطلاقة جدرية، لكنها لم تجسّد على أرض الواقع بعد.

إمكانات طبيعية وبيئية عالية

تتمتع قسنطينة بطبيعة خلابة ومناظر متميزة، تجعلها مقصدا لهواة السياحة الجبلية من أجل التخييم في أعالي المدينة، وممارسة الرياضة بمناطقها الغابية، وفي مقدّمتها غابة “جبل الوحش” التي تمتاز بتنوع بيئي فريد، حيث تتوفر على أنواع الأشجار النادرة كأشجار الأرز الأطلسي، وأشجار الزان وشجرة السيكويا التي تعتبر من أضخم الأشجار في العالم والموجودة فقط بمدينة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية وتزينها البحيرات.
 إلى جانب توفرها على مناطق غابية أخرى، على مستوى منطقة ذراع الناقة، المريج، غابة شطابة وغابة البعراوية والتي تعتبر مناطق جبلية بامتياز إضافة إلى صخرة الشهداء المتواجدة بجنان التشينة وهي صخرة طولها 15 متر تميزها نقوش يونانية، نحتت على ما يشبه الشاهد يصعب حاليا تمييزها بسبب تراكم طبقات الطحالب على سطح الحجر بشكل يجعل الحصول على صورة واضحة للنقش كاملا.
معلم يجهل بوجوده معظم سكان المدينة رغم أنه قد مر على اكتشافه زمن طويل، هذا إلى جانب وجود عدة حدائق تأتي في مقدمتهم حديقة سوسة المتواجدة أسفل جسر باب القنطرة وغيرها من الحدائق التي تتميز بتنوع نباتاتها وكثافتها، وتحفة طبيعية منفردة النظير تقع في هاوية باب القنطرة، وأسفله واد الرمال تحفها الصخور من كلّ جانب، إلا أنّ إهمال تنظيفها والوقوف على تسييرها، حولها لمجرد مكان مهجور يسكنه المنحرفون.

مصعد سيدي مسيد ودرب السياح.. تحف من رحم الطبيعة

تتوفر المدينة على صرح سياحي فريد يسمى بـ«درب السياح” والذي كان من إنجاز المهندس الفرنسي “ريميس” سنة 1895، والمتمثل في ممر يبلغ طوله 2.5 كلم وعرضه 1.5 م يمتد بمحاذاة واد الرمال، ابتداء من جسر الشيطان مرورا بحمامات القيصر إلى أن يصل إلى النفق تحت جسر سيدي مسيد، وتتخلل الدرب العجيب مناظر مثيرة للدهشة، لكن للأسف لم يتبق منه إلا آثاره المترامية أسفل الجسور المعلقة، هذه الإمكانات الطبيعية الفريدة لم تشفع لمدينة قسنطينة التي لم تجد لحد اليوم طريقا نحو استغلالها وإعادة هياكلها وتفعيلها رغم المجهودات التي تطلقها الجهات المعنية لإعادة تهيئتها.
 كما تمتلك المدينة عدة معالم سياحية أخرى، في مقدمتها “مصعد سيدي مسيد” أحد جواهر مدينة قسنطينة الذي يعتبر تحفة فنية ورافدا سياحيا هاما، توقف عن العمل منذ 1965 يتواجد في أحد أنفاق شارع زيغود يوسف، دشن سنة 1934 تم حفره في الصخر على عمق 200 متر نزولا حتى مستوى وادي الرمال يمينا بالقرب من جسر الشلالات.
 وتبقى عملية إعادة تشغيل مصعد ‘’سيدي مسيد’’ في صدارة جدول الأعمال، ويندرج مشروع إعادة تأهيل هذه التحفة المرصعة داخل جدار من الصخور المرموقة التي تعود إلى 3 آلاف سنة، في إطار خطة تحديث وعصرنة المدينة، ويبقى ‘’الشروع الفعلي في أشغال إعادة تشغيل’’ هذا المصعد مرتبطا باستعادة واسترجاع مخطط شبكات الكهرباء الخاصة بهذه المنشأة وهي المهمة التي أوكلت لمؤسسة مختصة في إنجاز مثل هذه المنشآت الفنية.

عراقيل وعوائق..

رغم أنّ المدينة تحتوي على العديد من المؤهلات السياحية الهامة، إلا أنّها تواجه كثيرا من العوائق والعقبات التي تقف في وجه تنمية السياحة، حيث تنعدم مخططات وخرائط سياحية شاملة تضم مناطق الجذب السياحي، بدءا من عدم وجود مسالك سياحية واضحة للمدينة، مع غياب إحصائيات ومعلومات حول أسباب ودوافع عزوف السياح لزيارة المدينة، والتي تساعد على معرفة الوجهة التي تستقطب أكبر عدد من الزائرين، وبالتالي تطويرها وتنميتها، إلى جانب عدم معرفة الإحصائيات الخاصة بوسائل النقل المستعملة في المجال السياحي حتى يتسنى لنا توفير وتطوير هذه الوسائل لتنمية قطاع السياحة، فضلا عن عدم معرفة رغبة وميول السياح للاستجابة لتطلعاتهم، وهذه المعطيات والإحصائيات تساعد في وضع خطة سياحية مستدامة ومتلائمة وشاملة تتلاءم ومؤهلات الولاية.
 كما يعاني القطاع من سوء عمليات التسويق والإشهار اللازم، من أجل استقطاب أكبر عدد من السياح، ومن أجل تنشيط الحركة السياحية من خلال السماح للغرفة بتنظيم معارض وصالونات دورية وسط المدينة، باعتبارها تمثل صورة المدينة، إلى جانب خلق فضاءات دائمة للصناعة التقليدية، من أجل الترويج للصناعة التقليدية وتسويق المنتوج والمساهمة في التنمية المحلية وتخصيص أحد المقرات الشاغرة للبلدية أو أملاك الدولة، عن طريق الكراء لتهيئتها كمدرسة التكوين وتحسين المستوى للحرفيين والشباب من أجل الحفاظ على المنتوج التقليدي للمنطقة.
وقد بات من الضروري، اليوم، التفكير في تنظيم رواق خاص بالصناعة التقليدية ضمن محلات النفق الأرضي بوسط المدينة، ليكون نقطة من نقاط المسلك السياحي للمدينة، مع تخصيص فضاءات دائمة للحرفيين من أجل تسويق منتجاتهم في البلديات الكبرى والسعي مع السلطات الولائية والمركزية من أجل إعادة تسجيل مشروع دار الصناعة التقليدية والذي كان مسجلا سابقا وبسبب عدم الإسراع في اختيار الأرضية تم تجميده، مع العلم أنّ مدينة قسنطينة تعتبر الوحيدة من بين ولايات الوطن لا تملك دار الصناعة التقليدية.
 كما أنّ عدم توازن توجهات الاستثمارات السياحية جعلها محتشمة وبسيطة حيث يتوجهون نحو بناء الفنادق المصنفة ذات الخدمات البسيطة أو الفنادق غير المصنفة إضافة إلى المطاعم المصنفة والتي تقدم الأطباق والوجبات العصرية والخفيفة، وبالتالي غياب الاستثمار في المشاريع المتعلقة بتنمية استغلال المعالم والأماكن السياحية التي تزخر بها الولاية، وهذا راجع إلى ضعف رؤوس الأموال بالنسبة للجزائريين وصعوبة الإجراءات البنكية والإدارية بالنسبة للأجانب.

الوكالات مطالبة بتفعيل العمل السياحي

إنّ وكالات السياحة والأسفار الموجودة على مستوى الولاية لا تقوم بالدور الأساسي والمتمثل في جلب واستقطاب السياح من مختلف الدول والجنسيات، ذلك عن طريق التعريف بمميزات الولاية، حيث أنها لا تتوفر على الكثير من الضروريات على غرار المرشدين السياحيين، حيث يقتصر عملها حالياعلى تصدير السياح نحو الخارج، كما يعتبر قلة الوجهات الخارجية لمطار قسنطينة من بين أهم الأسباب التي تعيق توافد السياح للمدينة، فضلا عن غلاء التذكرة والواجب إعادة النظر في سياسة شركات الطيران، خصوصا الجزائرية منها كما تعاني الولاية من نقص في وسائل النقل، حيث لابد من تكوين سائقي سيارات الأجرة مع رفع عددها والتي تشهد نقصا كبيرا في الأوقات الليلية.
وإضافة لهذه المشاكل يعاني أيضا قطاع السياحة من ضعف الخدمات التي تقدمها هياكل الاستقبال للسياح والتي تساعد على المنافسة الدولية، فنظرا للنقل الحضري الذي يعاني من تدهور كبير بالنسبة للحافلات إلى جانب القطاع الإداري وتحديدا “البنوك” وسياستها الخانقة، خصوصا في حالات المبادلات النقدية كما أنّ القطاع الثقافي يعتبر من الأساسيات الداعمة للسياحة، حيث نجد أنّ هذا القطاع لا ينشط إلا في مناسبات محدّدة فقط وعليه لابد من التنسيق بين كافة القطاعات.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024