الأتربـة النـادرة والمعـادن ...

سلاح الجزائر لتطوير الصناعة والفلاحة والتصدير

سيف الدين قداش

لتطـوير الاحتياطـي الوطنـي مـن الذهب وتعزيـز التنافسيــة

تزخر الجزائر بثروات شتى فوق الأرض وتحت الأرض وفي سماء وبحر الوطن، ومن هاته الثروات البارزة، الأتربة النادرة حيث تنام أرض الجزائر على حوالي 20 بالمائة من الاحتياطيات العالمية من هذه المادة النادرة التي تحتل فيها المرتبة الثالثة عالميا. وتمثل هاته الثروة الهامة سانحة إستراتيجية لتنمية القدرات الوطنية في هذا المجال وتطوير سبل استغلالها وتنمية القطاعات التي يمكن أن تستغلها وتطورها بشكل يساهم في تعزيز مداخيل وقدرات البلاد التنموية، بينما تعد معادن الحديد والفوسفات والذهب قاعدة الرهان الوطني لتطوير الصناعة والزراعة المحلية والدفع قدما بإمكانيات البلاد نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير في المواد الإستراتيجية والقطاعات الحيوية والغذائية.

تكشف تقديرات مكتب البحوث الجيولوجية والمعدنية، التابع للوكالة الأفريقية للإعلام الاقتصادي والمالي، أن الجزائر تملك حوالي 20 بالمائة من الاحتياطات العالمية للأتربة النادرة.
توصف الأتربة النادرة وفق الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني بـ»مجموعة من المعادن «مكونة من 17 عنصرا « تحظى بتقدير لخصائصها المغناطيسية والكهروكيميائية الفريدة، وهي تشمل عناصر الغادولينيوم، اللانثانوم، السيريوم، البروميثيوم، الديسبروسيوم، الإربيوم، الأوروبيوم، الهولميوم، اللوتيتيوم، النيوديميوم، البراسيوديميوم، السماريوم، السكانديوم، التربيوم، الثوليوم، الإيتربيوم والإيتريوم، وهي عناصر حيوية في إنتاج عقاقير علاج السرطان والهواتف الذكية وتقنيات الطاقة المتجددة ومصافي تكرير النفط وصناعة الزجاج..».
بالمقابل قال سليماني إنها « توجد على قشرة الأرض، وهناك عدد قليل من الأماكن في العالم التي تحتوي على مناجم لهذه المعادن. وتعتبر مسألة استخراج هذه المواد من باطن الأرض صعبة للغاية، كما أنها تلحق أضرارا بالبيئة حيث تتعرض النظم الإيكولوجية للخطر من خلال عمليات التعدين وإطلاق المنتجات الثانوية المعدنية من المصافي، مما يؤدي إلى تلوث المياه».
في ذات الشأن أفاد سليماني بأن الصين «تعتبر أكبر منتج لهذه المعادن بنسبة تصل إلى 70 في المائة من الإنتاج العالمي، كما توجد هذه المعادن في دول أخرى مثل الجزائر وميانمار وأستراليا». و»ساعدت العناصر النادرة في جعل الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية مثل أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية أخف وأصغر وأكثر كفاءة. فعلى سبيل المثال تعتمد شركة «آبل» العملاقة في مجال التكنولوجيا على تراب نادر للأجزاء المكونة بما في ذلك الكاميرات ومكبرات الصوت، وتعتبر الشركة أنه من الصعب استرداد العناصر في عملية إعادة التدوير لأنها تظهر بكميات صغيرة في المنتجات الأصلية، كما أن العناصر النادرة مطلوبة لصنع البطاريات القابلة لإعادة الشحن والمستخدمة عادة في السيارات الكهربائية، كما تستخدم في صناعة أجهزة التلفزيون».
من جانب آخر قال سليماني بأن «الولايات المتحدة تُكثف الجهود؛ لإنهاء الهيمنة الصينية على سوق المعادن الأرضية النادرة، من خلال خطوات واسعة للنهوض بسلسلة توريد المعادن الأرضية النادرة، وتطوير بدائل لتعدين هذه العناصر، إلا أنها ما زالت تواجه العديد من العقبات التقنية والبيئية». و في هذا الصدد تحتل الجزائر مكانة إستراتيجية مع تنامي أزمة أوكرانيا وتصاعد التوتر في تايوان بحيث تُعد بديلا هاما لتطوير صناعة الأتربة النادرة خاصة مع أوروبا، في ضوء تنامي الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة وحملة نقل المصانع من الصين نحو فيتنام والهند، مما يدفع المصانع الغربية للبحث عن بدائل أخرى لتوفير هاته المعادن الإستراتيجية.
وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد المواد المعدنية المستغلة في الجزائر يصل إلى 31 مادة عبر 1400 مستثمرة على المستوى الوطني، بينما لا تتجاوز مساهمة هذا القطاع نسبة 1 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، إلى غاية نهاية 2020، حيث أن الخارطة الجيولوجية التقليدية للجزائر تتكون من الزنك والرصاص و الباريوم والبنتونيت والدولوميت والفلسبار.
وسبق لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في بداية عهدته الرئاسية أن أعطى أمرا لوزارة الصناعة من أجل القيام بإحصاء دقيق لهذه الثروات، وإعداد دفتر أعباء مع بنوك أعمال قصد الشروع في استغلالها.
وبغية استغلال قدرات الجزائر مع شركاء محترفين وموثوقين، سبق وأن دعا وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب خلال استقباله السفير الروسي بالجزائر، فاليريان شوفايف، الشركات الروسية المعروفة بقدراتها الهامة في هذا الميدان، إلى مواصلة الاستثمار في مجالات الطاقة، وإنشاء شراكات مفيدة للطرفين مع الشركات الجزائرية، ونقل المعرفة والتكنولوجيا وتبادل الخبرات. كما تطرق الطرفان إلى فرص التعاون والاستثمار في قطاع المناجم في الجزائر، لاسيما التنقيب والاستغلال المنجمي (الذهب والأتربة النادرة والأحجار الكريمة والرخام) ورسم الخرائط الجيولوجية، وكذلك في مجال إنتاج الأسمدة وتحويل الفوسفات.

الحديد قاعدة صلبة للاستثمار والتطوير الوطني

من بين المعادن الإستراتيجية التي تنام عليها أرض الجزائر، الحديد الذي شرعت الجزائر في استغلاله بشكل حثيث، حيث تنام الجزائر على احتياطات من الحديد تصل لـ 6 ملايير طن تمثل ما يفوق 2 بالمائة من الاحتياطات العالمية، منها 5.5 ملايير طن من خامات الحديد بأربع مناطق في غار جبيلات شرق، غار جبيلات وسط، غار جبيلات غرب، ومنجم خامات الحديد مشري بشير، وجاءت هذه الأرقام بعد أربع سنوات من الدراسات حسب ما ذكره وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، كما تتوفر هذه المادة الإستراتيجية في عدة مناطق بأرض الوطن من بينها منجمي الونزة وبوخضرة بولاية تبسة.
ومن شأن هذا المشروع أن يجعل الجزائر من الدول المُكتفية والمُصدرة لمادة الحديد، حيث يجري العمل على توفير وإنتاج ومعالجة أزيد من 12 مليون طن سنويا في غضون 2025، بعد أن وصل الإنتاج الوطني في عام 2021 إلى حدود 5 ملايين طن سنويا، حسب تصريحات أحمد بن عباس المدير العام للشركة الوطنية للحديد والصلب، كما تستشرف توقعات بلوغ الجزائر بداية من عام 2026 مستوى إنتاج يصل أو يفوق 50 مليون طن سنويا.  
بالمقابل، تعتبر الجزائر أحد أكبر مستوردي حديد البناء في العالم حيث بلغت فاتورة استيرادها للحديد ومشتقاته سنة 2012 أكثر من 9 ملايير دولار وهو ما جعلها أكبر مستورد لهذه المادة إلى غاية 2016، حسب إحصائيات الجمعية الدولية للحديد والصلب.
وبلغت فاتورة الواردات من الحديد والصلب 4.9 ملايير دولار في 2016، أو ما يعادل 6.2 ملايين طن، قبل أن تضع الحكومة آنذاك سقفا لحجم الواردات عند مليوني طن، لخفض خروج النقد الأجنبي لتغطية قيمة الواردات.
هذا الأمر أدى بالسلطات الجزائرية إلى تكثيف العمل من أجل تسريع وتيرة إنتاج الحديد والصلب في الجزائر خلال السنوات الماضية، ليتم الحسم في هذا الشأن باستغلال أكبر احتياطي وطني للحديد الواقع بمنجم غار جبيلات مع شركات صينية.
وفي هذا الشأن قال الدكتور يربانا الحسين الخراشي  المتخصص في الصناعات الاستخراجية « أن التعاون بين الجزائر والصين مهم وإستراتيجي بحكم أن بكين تتربع على عرش العالم  في كل ما يتعلق بصناعة الحديد والصلب، حيث تستحوذ حوالي 54 % من حجم صناعة الصلب، وحوالي 70% من التجارة العالمية لخامات الحديد المنقولة عبر البحار».
وأضاف أن «استغلال منجم غار جبيلات الجزائري بالشراكة مع الصين خطوة في الطريق الصحيح لما تحققه من فوائد اقتصادية، واجتماعية، وجيوسياسية، إذ سيخلق تطوير المنجم المذكور أعلاه دفعة تنموية قوية للولايات الحدودية الجزائرية بل وحتى فرصة ربط إقليمي خاصة مع بدء العمل على إنشاء خط سكة حديدية جديدة لمسافة حوالي 1000 كلم، مما قد يسمح مستقبلا للبلدين الشقيقين موريتانيا والجزائر التفكير في تطوير الثروات المعدنية بالمناطق الحدودية، وخلق مدن جديدة تزيد من توطيد وشائج الأخوة وعلاقات التضامن التي تربط الشعبين الشقيقين، وتقضي على حالة التسيب وما تمثله من تهديدات أمنية وإرهابية في بعض المناطق الحدودية».
بالمقابل قال الخراشي «انه إضافة إلى الفوائد الاقتصادية الجمة الوطنية والمحلية، حيث من المتوقع أن يوفر المنجم على الأقل 12 مليون طن سنويا من المادة الخام للسوق الجزائرية المحلية، وهو ما يعني توفير مئات ملايين الدولارات كانت تصرف على توريد المادة الخام من خارج الجزائر، والأهم من ذلك توفير مصدر آمن وطويل الأمد للمادة الخام لصناعة الصلب العمود الفقري لجميع الصناعات سواء المدنية أو العسكرية، وكذلك خلق فرص عمل كثيرة بصورة مباشرة أو غير مباشرة محليا ووطنيا».

الفوسفات ... خزّان الفلاحة والتصدير

من جانب آخر وفي ذات الصدد تزخر الجزائر بثروة هائلة من الفوسفات تقدر وفق إحصائيات تتراوح من 2.2 إلى 2.8 مليار طن وفق بعض التقديرات، وهو ما يضعها في مرتبة متقدمة بين دول العالم وفق رؤية أستاذ الاقتصاد بجامعة تبسة عثمان عثامنية، الذي  اعتبر أن صادرات الجزائر من مادة الفوسفات لا تتعدى 1.5 مليون طن، وهي لا تعكس تلك المرتبة.
ومن أجل تطوير مستوى الإنتاج قامت الجزائر بإنشاء شركة ذات أسهم، جزائرية صينية، خاضعة للقانون الجزائري،  بغية الشروع في أنشطة تطوير مشروع الفوسفات المدمج، ويشمل هذا المشروع، تشييد مشاريع البنية التحتية ذات الصلة اللازمة لمواكبة مشروع الفوسفات المدمج، و التي تقدر قيمتها بـ 6 الى 7 ملايير دولار، وحسب عثامنية فإن هذا التوجه يضع الفوسفات بعد المحروقات في الإيرادات. ويضاف إلى ذلك إمكانية بناء صناعة تحويلية حول الفوسفات، خاصة وأن الجزائر لها ميزة توفر الغاز، ما يمكن أن يجعلها مكتفية من الأسمدة ومصدرة لها وللكثير من المنتجات الأخرى.
وقال الرئيس المدير العام لمجمع سونطراك توفيق حكار أن « هذا المشروع سيسمح للجزائر بأن تكون إحدى الدول الرئيسية في العالم في تصدير الأسمدة. حاليا الجزائر تنتج ما يقرب من 3 ملايين طن من اليوريا، و بهذا المشروع ستنتج الجزائر أكثر من 6 ملايين طن من المنتجات الفوسفاتية سنويا».
وتندرج أهمية  تطوير إنتاج الفوسفات في دعم خيار الحد من استيراد مواد متوفرة بالجزائر والعمل على تحقيق الأمن الغذائي وتطوير الفلاحة الوطنية، حيث يجري تنفيذ مشروع لإنجاز مركب صناعي لتحويل 700 ألف طن من الفوسفات المعالج لإنتاج الفوسفات الغذائي والأسمدة الفوسفاتية والمواد الكيميائية الأخرى، وتسعى الجزائر في هذا الشأن لتوفير المادة الأولية لتحقيق نتائج قياسية خلال عام 2023، لاسيما في شعبة الحبوب من أجل ضمان الأمن الغذائي في ضوء الاضطرابات والأزمات الجيوسياسية التي تواجه العالم.

الذهب .. من أجل تطوير الاحتياطات

اكتشفت الجزائر أن الاحتياطي العام من الذهب ظل ثابتا طيلة فترة عقد من الزمن (بين عامي 2009 إلى 2019)، حيث تراجع حجم الإنتاج السنوي من طن عام 2009 إلى 286 كيلوغراما سنة 2019، بحيث لم تملك الجزائر طيلة عقد كامل صناعة منجمية حقيقية وفعالة، بينما تسعى الحكومة الحالية بشكل حثيث لإقامة صناعة منجمية فعالة لتطوير الاحتياطي الوطني من الذهب وتعزيز تنافسية الجزائر في هذا الجانب.
بالمقابل، أفاد تقرير مجلس الذهب العالمي نشر مطلع 2022 إلى أن الجزائر تحتل المرتبة الثالثة من الذهب باحتياط بلغ 173.6 طن، بعد كل من السعودية ولبنان. فيما تملك الجزائر احتياطيا جيولوجيا بـ 124 طن، وفق تصريح لوزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب الذي أفاد كذلك أن إنتاج الذهب بالجزائر بلغ 6.8 أطنان منذ بداية الاستغلال المنجمي لهذا المعدن منذ 2001 إلى غاية 2021، وتتركز مناجم الذهب التقليدية أساسا بمنجمي «تيراك وأمسمسا» بولاية تمنراست، إضافة لتندوف وحددت السلطات مناجم أخرى لاستثمار واستغلال للشركات الوطنية والدولية، كما سمحت السلطات للشباب المستثمر بإنشاء مقاولات تعاونية بلغت حوالي 220 تعاونية مصغرة، نجحت منها 45 شركة مصغرة في جمع شحنات أولية خلال سنة 2021 ، إلا أن تركيبة ملائمة من التشريعات والتسهيلات يمكن أن تجعلها في مرتبة أفضل عالميا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024