تطويره مرتبط بدعم الفلاحة الجبلية

تغير نمط الاستهلاك يعيد الاعتبار لزراعة التين

البليدة : أحمد حفاف

 

 

دعوة لإنشاء تعاونيات لرفع إنتاج الفاكهة

انتعشت زراعة التين بشكل ملحوظ خلال العقدين الأخيرين، حسب ما أوضح متدخلون لـ “الشعب” على هامش إقامة معرض للتين الأسبوع المنقضي بمدينة بوقرة، وأجمعوا على ضرورة تنمية هذا النشاط الفلاحي المتميز.

أجمع مختصون وفلاحون على أن زارعة التين تحسنت تدريجيا في المناطق الجبلية أين تكثر زراعتها، ويعود الفضل في إعادة الاعتبار لزارعة التين في بلادنا، التغير الذي طرأ على ذهنية المستهلك الجزائري الذي أصبح يفضل تناول كل ما هو جزائري، فزاد الطلب على هذه المادة الغذائية المهمة، ما يتطلب زيادة العرض بزيادة الإنتاج – يوضح أحد الخبراء في الفلاحة.
ويٌصنف التين من بين المنتوجات التي يمكن تخزينها وتحويلها مثل المكسرات، ويُعد من الزارعات الاستراتيجية التي ينبغي تطويرها لتحقيق الأمن الغذائي بحسب المختصين، لما لها من أهمية بالنسبة لصحة الإنسان خاصة مع مساع لإنتاجها بطريقة بيولوجية وبدون استعمال الأسمدة الكيماوية.
 يٌشخص المهندس الزراعي محمد عثمان تراجع زارعة التين في الجزائر بالقول:« مرت الجزائر بمراحل تاريخية منذ الاستقلال وكل مرحلة شهدت تخلينا عن نشاطات زراعية لأسباب مختلفة... فمثلا خلال السبعينيات والثمانييات تركنا زرع الزيتون، فالمستهلك الجزائري كان يفضل شراء زيت المائدة الذي كان متوفرا بأسعار زهيدة وأتذكر أنه كان يباع بدينارين للتر الواحد”.
 وأضاف المتحدث:« كانت هناك سياسة تشجع على الاستيراد بأسعار منخفضة وهو ما أثر سلبا على الإنتاج الوطني ولم يعد الفلاح ينتج بسبب صعوبات وجدها في التسويق، ولهذا السبب تأثرت أنشطة زراعية أخرى فتخلينا عن زراعة الرمان والخروب واللوز.”
ويرى نائب رئيس شعبة الكروم بالغرفة الفلاحية لولاية البليدة بأن تراجع النشاط الفلاحي للتين حدث في فترة التسعينات وهي المرحلة التي تلت زراعة أشجار مثمرة أخرى يعتبرها الجزائريون مصدرا أساسيا لتحصيل غذائهم منذ غابر السنين .
وفي هذا الصدد يقول عثمان الذي سبق له شغل مديرا لمعهد جهوي للفلاحة:«  خلال هذه المرحلة تركنا التين خاصة وأن زراعته تتركز في الأماكن الريفية والجبلية، وبسبب أحداث سنوات التسعينيات التي أجبرت سكان الجبال على الرحيل نحو المدن ، فقد توقفت زراعة التين بشكل نهائي في المناطق الجبلية، وحتى الأشجار التي تركوها يبست  بسبب الإهمال وعدم إخضاعها للتقليم والتحسينات الضرورية”.
واسترسل عثمان يقُول:« مع مضي الوقت عادت المياه إلى مجاريها وأصبح الجزائري يستهلك كل ما هو جزائري، وعاد إلى التين، وإلى اللوز والرمان، فأصبح الفلاح يرغب في تطوير نشاط زراعة هذه الأشجار”
وعن التحول في ثقافة الاستهلاك أوضح قائلا:« يجب أن نعود إلى نمط الاستهلاك الذي عرفنا به في السابق، فنحن لم نأكل الخبز إلا قليلا، وكُنًا نأكل الفواكه المجففة مثل الكرموس (التين المجفف بالعامية) والزبيب ومعجون الفواكه التي كُنًا نُنتجها والتي كانت طبيعية خالصة وخالية من المواد الكيماوية.
وتطرق عثمان إلى تراجع محصول التين خلال الموسم الجاري، حيث أرجع الأمر إلى قلة إنتاج “الذكار” ويقصد ذكور الثمار، وكذا قلة الحشرة (تُسمى دبور أو زنبور ثمار التين) والتي تقوم بتلقيح إناث الثمار، وهذا بصفة استثنائية بحسب تعبيره.

التعاونيات لتطوير النشاط

ودعا الأكاديمي في العلوم الزراعية إلى تطوير نشاط التين بتنظيم الفلاحين في شكل تعاونيات شريطة أن تشرف الدولة على تسييرها، فتشكيل هذه التنظيمات – حسبه- سيسمح بتوافر المعلومات الكافية لمعرفة من أين سيتم جلب المنتوج، وأين سيتم انتقائه.
وفي حالة تشكيل نظام التعاونيات  الفلاحية على مستوى البلديات وما بين الولايات، يمكن التوجه إلى التصدير، وهو ما سيعود بالفائدة من الناحية الاقتصادية على البلاد ويٌشجع الفلاحين على تطوير عملهم، ويكون له أثارا اجتماعية بالنسبة للعائلات البسيطة التي تقطن في الأماكن الريفية أين يزاول الفلاحون البسطاء نشاطهم.
 وفي هذا الإطار تحدث :« اقترح تأسيس تعاونية متعددة الخدمات على مستوى كل بلدية تتولى تطوير عدد معين من الأنشطة الفلاحية من بينها التين، لكن على الدولة أن تسهر على سيرها الحسن بتعيين رئيس لها والذي يساعده رئيسا يٌمثل الفلاحين وبالتنسيق مع مديرية المصالح الفلاحية والغرفة الفلاحية لكل ولاية “
وأستحضر محدثنا تجربة فريدة شهدتها الجزائر سابقا، ويتعلق الأمر بمصنع تخصص في صناعة معجون التين من النوع الرفيع، كان يشتغل في فترة الثمانينيات في بلدية بن حواء ( التابعة إداريا لبلدية الشلف)، وكانت منتوجاته تصدر إلى إنجلترا.
وكان هذا المصنع الذي توقف عن العمل يحصل على التين من مساحة واسعة من أشجار التين على طول الطريق بين  مدينتي بني حواء وشرشال.
 
تحسين الإنتاج

ولتطوير إنتاج التين من حيث الكم والكيف يعمل المعهد الوطني للتكوين المهني المتخصص في الفلاحة بمدينة بوقرة على استغلال البحوث البسيطة التي يقوم بها المٌتكونين بالمعهد التي يمنحهم شهادة تقني سامي.
ولأن نظام التكوين يكون تطبيقيا، فمن الضروري تجريب النتائج العلمية التي يتوصل إليها الباحثون في الجامعة من قبل المعهد، وهذا ما أكده مدير هذا المرفق الطيب كمال، مشيرا إلى أن التكوين يتضمن تخصصا في حماية النباتات أيضا.
 وأردف في هذا الصدد يقول :« المعهد يٌكون تقنيين ساميين تخصصهم تطبيقي، لكن هذا لا يمنعنا من القيام ببحوث بسيطة حول  تطوير إنتاج التين مثلا وحول تحسين ثماره بحسب المناخ والأرض مثلا “.
 وزيادة على الجانب العلمي، فإن المعهد يقوم بعمل تطوعي لتحسيس الفلاحين:« نحاول لعب دورنا بالقيام بعلميات تحسيسية لتشجيع زراعة التين .. والبحث عن الإجراءات اللازمة لتنمية هذا المنتوج من ناحية الكم والكيف، وبطريقة صحية وهذا مهم جدا ( تم تنظيم المعرض بالمعهد الذي يُديره)”.
وأضاف قائلا :« يُجري المتمهنون بالمعهد تربصات ميدانية حول المنتوج واستغلاله وكيفية تقويته، ولا بد أن تكون الدراسات علمية بمراعاة مقاييس الإنتاج ومقاييس الجودة ومقاييس حماية المنتوج، ومؤخرا تلقينا تعليمة تنص على ضرورة التعاون مع الجامعة للقيام بالبحوث العلمية ولتنفيذها”
 
تموين السوق

 وأقر رئيس الجمعية الولائية للأشجار المثمرة، محمد بورنان، بأن تراجع انتاج التين بمختلف أنواعه، ما كان ليحدث لولا الأزمة الأمنية التي عرفتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، مشيرا إلى أن انتعاش نشاطه في السنوات الأخيرة حدث بفضل عودة كثير من الفلاحين لخدمة أراضيهم من جديد بعدما أجبروا على الرحيل.
وأكد المتحدث بأن احتراق الغابات كان له مفعولا سلبيا بعدما أتت النيران على أشجار هؤلاء الفلاحين، الذين خافوا على سلامتهم في فترة التسعينات فتركوا نشاطهم، وهو ما أثر على الاقتصاد الوطني بعدما ظلت السوق الوطنية تٌمون مما يزرع الفلاحون في الجبال والأرياف.
وقال بورنان بصفته ممثلا للغرفة الفلاحية لولاية البليدة، بأن هذه الهيئة توفر التسهيلات الضرورية للفلاحين الذين ينشطون في المناطق الجبلية، حيث تدعمهم بالأسمدة والشتلات التي يستفيدون منها بعد استخراج بطاقة الفلاح.
وأكد بأن الغرفة لا تشترط عقد ملكية الأرض التي يزاول بها الفلاحون في الجبال، لأن كثيرا منهم يحوزون على قطع أرضية بعقد شيوع، وترسل لجنة إلى أماكن نشاطهم للتحقق منه، ثم تقوم بعد ذلك بإصدار بطاقاتهم بعد استقبال ملفات بسيطة من قبلهم.
 وفي هذا الصدد يوضح قائلا :« لو نفترض مثلا نضع عراقيل للفلاحين بخصوص إلزامية حيازة عقد ملكية الأرض، فحتما لن يكون التين بوفرة وقد ينعدم، ويكفي أن يودع الفلاح تصريح شرفي بأنه يزاول نشاط معين وشهادتي فلاحين وشهادة فلاح يمنحها إياه رئيس البلدية ليحصل على بطاقة الفلاح”.
وردا على سؤال عماذا يقترح لتطوير هذه الشعبة الفلاحية رد صاحب مستثمرة فلاحية :« يتعين توفير الري وشق الطرقات في المناطق الجبلية لتسهيل تنقل المركبات وهذا ما اقترحناه خلال اجتماعنا مع محافظة الغابات والوالي”
 وأضاف :« بخصوص الكهرباء نقترح وضع ألواح الطاقة الشمسية في الأماكن المعزولة التي يصعب ربطها بشبكة الكهرباء ، وتكلم مع الوالي بخصوص ذلك، وعلى الفلاحين ان يتحدوا فيما بينهم وترك الأنانية جانبا “.
 
مستثمرة أنموذجية في “ تالا ودالفي “

 ويُعد الفلاح عمر السيد من الذين رفعوا التحدي وعادوا إلى خدمة أراضيهم، ويأمل في أن يحذو حذوه الشباب الباحث عن العمل، ودعا الدولة لتشجيع الفلاحين الذين ينشطون في الأماكن الجبلية التي تمون السوق الوطنية بألذ أنواع التين وبنسبة أكبر.
 وتحدث هذا الفلاح عن تجربته بإنشاء مستثمرة متخصصة في التين :« أنشط في منطقة تالا ودال في بلدية ولاد سلامة وهي منطقة جبلية عدت اليها سنة 2012 بعد غياب لأكثر من 15 سنة بسبب غياب الأمن بها، وقمت بتزويدها بمياه السقي واشتريت جرار استعمله في الحرث ومولد كهربائي استغله في السقي، وقمت بغرس 300 شجرة التين من ستة أنواع”.
 وأوضح المتحدث بأن هناك أنواع خاصة من التين توجه للتجفيف، وأن  الأطلس البليدي هو المنطقة الخصبة الملائمة لإنتاج التين بوفرة رغم وجود مناطق أخرى في الوطن مثل القبائل، وأن الإنتاج يكون ضعيفا في المناطق شبه الجافة .
 وختم قوله :« نستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي في زراعة التين ونتوجه إلى التصدير لو تقوم الدولة بدعم الفلاحين في المناطق الجبلية وتشجيعهم على تحسين نشاطهم، ويمكن للعائلات التي ليس لها راتب شهري أن تعتمد على هذا النشاط لتٌعيل نفسها”.

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024