قرارات لتسهيل سفرهم وتكفل بانشغالاتهم

الجزائر الجديدة تنصف أبناءها بالخارج

فتيحة كلواز

 التّكفّل بنقل الجثامين..ترسيخ لسياسة التّضامن الوطني


 تحرّكت الدولة سريعا للتكفل بالانشغالات التي طرحتها الجالية الوطنية في المهجر، عراقيل استوجبت استحداث لجنة يقظة ومتابعة للتجاوب مع انشغالات المواطنين، وحلّ المشاكل والعراقيل التي تقف أمامهم في الرحلات الجوية والبحرية نحو الجزائر، لتحسين الخدمة المقدمة والتعامل بصرامة وحزم مع كل من تسول له نفسه التلاعب بالجالية الوطنية في الخارج.

خطوة تضاف إلى خطوات سابقة اتخذتها الدولة في إطار مساعيها الحثيثة لتسهيل تنقل الجالية الجزائرية بالخارج الى أرض الوطن لمدّ جسور التواصل والانتماء بين أجيال من أفراد الجالية الجزائرية في الخارج، بغية إعطائهم الفرصة لأداء الدور المنوط بهم في تحريك العجلة الاقتصادية، وفي بناء الجزائر الجديدة لا تستثني سواعدها أحدا من أبنائها أينما وجد.

قرارات استعجالية

 في إطار التكفل بانشغالات الجالية، أصدر رئيس الجمهورية عدة تعليمات في مجالس وزراء سابقة، كان آخرها في 24 جويلية الجاري، إذ أمر بالشروع في مراجعة أسعار تذاكر النقل الجوي والبحري قبل موسم الاصطياف، لفائدة الجالية الوطنية، بشكل يحفّز وينشط التوجه نحو شركات النقل الوطنية، وكذا الحل الفوري والاستثنائي لكل المشاكل المتعلقة بنقل المعتمرين حتى لا تتكرّر هذه المشاكل مع الحجاج، بالإضافة الى مراجعة النظام الهيكلي لشركة الخطوط الجوية الجزائرية، وطريقة تسييرها، بما يتماشى والمقاييس العالمية، مع إيلاء أهمية بالغة للوضعية المهنية والاجتماعية للطيّارين والتقنيين الجزائريين، العاملين في مجال الطيران.
كما أمر في وقت سابق باستحداث رقم أخضر وخلية يقظة واستماع، على مستوى ديوان وزير النقل، بهدف التجاوب مع انشغالات المواطنين وحلّ المشاكل والعراقيل التي تقف أمامهم في الرحلات الجوية والبحرية نحو الجزائر، لتعلن وزارة النقل بحر هذا الأسبوع وضعها هذه الخلية حيز الخدمة على مستوى مصالحها تتولى تسجيل ومعالجة التظلمات وشكاوى المواطنين المغتربين، «في إطار تحسين الخدمة العمومية، والتكفل بالصعوبات التي يواجهها المسافر من والى الجزائر».
وضع خلية اليقظة والمتابعة حيز الخدمة سيعطي المغترب الفرصة لتوجيه رسالته مباشرة الى المسؤولين عوض جعله الفضاء الأزرق مساحته الخاصة لنقل معاناة في مختلف الموانئ والمطارات، خاصة ما تعلق بالخدمة العمومية السيئة وأسعار التذاكر الباهظة، اللتين أجبرتا الكثير منهم على التوجه الى وكالات سفر أجنبية للتنقل الى الجزائر، ما يعتبر ضربا للمؤسسات الوطنية للنقل الجوي والبحري.
الى جانب متابعة شكاوى أفراد الجالية الوطنية إزاء ما يواجهونه في رحلة البحث عن تذكرة أو مكان محجوز في باخرة أو طائرة جزائرية، حيث سيتم إجلاء الجزائريين العالقين في الموانئ الأوروبية بسبب سوء التنظيم وعدد الرحلات المحدودة، لذلك حرصت مؤسسة النقل البحري على برمجة رحلات استثنائية، آخرها برمجت يوم غد الأحد على متن سفينة الجزائر 2، لإجلاء الركاب بتذاكر مفتوحة، والذين تقطعت بهم السبل في ميناء مرسيليا عن طريق نقلهم إلى ميناء الجزائر، فيما تمّ برمجة رحلة إضافية ليوم الخميس الماضي لإجلاء الركاب بتذاكر مفتوحة في ميناء أليكانت بإسبانيا باتجاه وهران.
شكّلت الرّحلات الإضافية والاستثنائية أحد الحلول الممكنة والسريعة لإجلاء المسافرين المتواجدين بالموانئ الأوروبية، خاصة وأنّهم يملكون تذاكر مفتوحة، لكنهم لم يستطيعوا السفر الى الجزائر بسهولة بسبب تأجيل الرحلات وعدم توفر الأماكن، وهو ما جعل الدولة تتخذ الإجراءات اللازمة لتفادي استمرار معاناة هؤلاء المسافرين الذين يضطرون الى المبيت في الموانئ أو المطارات.
ولعل الجحيم الذي عاشته الجالية الجزائرية في ميناء أليكانت في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، يعطي صورة حقيقية عن معاناة المسافرين على الخطوط البحرية الجزائرية، فقد استدعى عمال الحراسة بالميناء شرطة مكافحة الشغب التي قامت بإخراج المسافرين من الميناء بالرغم من أنّ أكبر همهم كان إيجاد تذكرة سفر لوطنهم الام.

مراجعة الأسعار

 إلى جانب ما اتخذته الدولة من أجل تحسين الخدمات العمومية المقدمة عبر الخطوط الجوية والبحرية، شكّلت أسعار التذاكر عائقا حقيقيا أمام تنقل الجالية لبلدهم الأم، ما استدعى في افريل الماضي تدخل رئيس الجمهورية بإصدار أمره لمراجعة أسعار تذاكر النقل الجوي والبحري قبل موسم الاصطياف لفائدة الجالية الوطنية في الخارج، مؤكدا ضرورة أن تكون في متناول افرادها خاصة العائلات، وذلك استجابة لصرخات أطلقها أفراد الجالية وقفت أسعار التذاكر حجر عثرة أمام زيارتها للجزائر، واستكمالا لهذه الجهود أمر أيضا خلال ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء يوم 24 أفريل الماضي، باتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز الرحلات الدولية وزيادة عددها تحضيرا لموسم الاصطياف بغية تحفيز الجالية على التوجه نحو شركات النقل الدولي من خلال الشروع الفعلي لمراجعة هذه الأسعار.
في ذات السياق، عبّر الإعلامي المختص في شؤون الجالية سمير شعابنة، في تصريح سابق لـ «الشعب»، عن امتعاضه من أسعار الرحلات الجوية التي تحولت الى عبء ثقيل على أفراد الجالية الوطنية المتواجدة بالخارج الراغبة في القدوم الى أرض الوطن، متسائلا عن سبب التعامل بازدواجية من طرف بعض شركات الطيران التي تميز الجزائريين المتوجهين الى الجزائر بأسعار مرتفعة مقارنة بأسعار وجهات بلدان قريبة أو مجاورة لها، مؤكدا أن الموضوع أسال الكثير من الحبر بعد رفع تعليق الرحلات الجوية جوان 2021، بل كان سببا في جدل كبير أدى بالوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن إلى تشكيل لجنة وفتح تحقيق لمعرفة أسباب هذا الارتفاع في سبتمبر من العام المنصرم، خاصة ما تعلق بالخط الجزائر- باريس، حيث اعتبر الأسعار «باهظة جدا»، وتصنيفها في خانة ممارسات تثني الجالية عن القدوم الى الجزائر، في نفس الوقت تمّ استحداث تطبيق جديد لبيع تذاكر النقل البحري مع مراجعة المنصة الالكترونية الخاصة بالجوية بسبب شكاوى الجالية من ثقلها.

يد من حديد

 لم تكتف الدولة بالعمل على تحسين الخدمة العمومية ومراجعة أسعار التذاكر، بل تعاملت بيد من حديد مع كل من تسول له نفسه التلاعب بالجالية الوطنية، ففي جوان الماضي وبعد إقالة إطارات بالمؤسسة الوطنية للنقل البحري وإحالتهم على التحقيق، كشف مجلس قضاء الجزائر تقصيرا كبيرا وأمورا وصفت بـ «الخطيرة»، استدعت إيداع المدير العام للمؤسسة الوطنية للنقل البحري للمسافرين والمدير التجاري ورئيس قسم التسويق والشحن السجن الاحتياطي، ومن بين التهم الخطيرة التي يواجهونها استغلال النفوذ وسوء استغلال الوظيفة، ومنح منافع غير مستحقة للغير، وعدم التصريح بالممتلكات والإثراء غير المشروع.
تحرك العدالة جاء بعد عودة «الباخرة الجزائرية (طاسيلي 2) من ميناء مرسيليا إلى ميناء سكيكدة شبه فارغة، على متنها 39 مسافرا و21 مركبة فقط»، فقد كشفت التحقيقات تواطؤ بعض المسؤولين في المؤسسة الوطنية للنقل البحري.
وأوضح بيان لمجلس قضاء الجزائر بخصوص القضية، أن «النتائج الأولية المتحصل عليها تبين وجود معلومات مفادها أن العملية مدبّرة بتواطؤ من مسؤولي المؤسسة، خاصة أن اللجوء لتسخير باخرة فارغة لا يكون إلا في حالة وجود حجوزات كبيرة في الخارج»، كما أظهرت النتائج الأولية «ما يفيد استعمال، عمدا، حجوزات افتراضية على مستوى نظام الإعلام الآلي للحجوزات الخاص بالمؤسسة على المستوى المركزي لمنع المسافرين من الحجز».
ولأنّ القضية تتعلق بوقائع فساد أدت الى إلحاق أضرار بالمواطنين وبالمؤسسة الوطنية للنقل البحري للمسافرين، تمّ اتخاذ كل الإجراءات القانونية لوقف هذا التسيب بوضع المصلحة العامة للجالية الوطنية فوق أي اعتبار، وحتى يكون هؤلاء المسؤولين تنبيها غير مباشر لكل من يريد الإضرار بالمصلحة الوطنية سواء كانت على أرض الوطن أو في الخارج.

خطوط جديدة

 في إطار العمل على راحة أفراد الجالية أثناء تنقلهم الى ارض الوطن، تمّ فتح خطوط جديدة من بينها إطلاق الخط البحري الجزائر - نابولي يوم غد الأحد، ما يسمح بفك الخناق عن الجالية الوطنية بالبلدان المجاورة، كما أعلنت الخطوط الجوية الجزائرية، بداية الشهر الحالي، عن افتتاح الخط الجوي الجديد الجزائر-الدوحة، حيث ستكون أول رحلة بتاريخ 03 أوت، الى جانب إعلان رئيس الجمهورية في الشهر الجاري استعداد الجزائر لفتح خط جوي مباشر بين الجزائر ونيويورك، في حين أكّد وزير النقل عبد الله منجي ضرورة التفكير في فتح خطوط جديدة للتكفل بانشغالات الجالية بالخارج، مع مراعاة «الجوانب الاقتصادية ومردودية هذه الخطوط وديمومتها».
في ذات السياق، رحّبت الجالية الوطنية في الخارج بهذه القرارات التي تصب في سياق الجهود التي تبذلها الدولة لتسهيل تنقل أفرادها من وإلى الجزائر، فبمثل هذه الخطوط الجديدة لن يضطر المسافر الى التوقف في عدة مطارات أو ما يسمى بمحطة توقف للوصول الى غايته، كما هو الحال عند التنقل الى قطر أو الولايات المتحدة الأمريكية ودول كثيرة أخرى.
ومن أجل فتح آفاق جديدة لانتماء هذه الشريحة من الجزائريين وتعزيز روابطهم مع الوطن الأم، على اعتبار أنّهم أحد الأجنحة المهمة لخطة الإنعاش الاقتصادي وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني، تم فتح باب المنافسة في قطاع النقل الجوي والبحري، حيث منحت تراخيص لـ 26 خاصا للاستثمار في هذا المجال، ما يسمح بتحسين الخدمة المقدمة لما لهذا الإجراء من دور في التنافسية تنعكس إيجابا على مستوى الخدمات.

لفتة إنسانية

 في لفتة إنسانية وبعد رفع أفراد الجالية الجزائرية شكواهم الى رئيس الجمهورية لمنع حرق أو دفن موتاهم في مقابر مسيحية، تدخّل الرجل الأول في السلطة، حيث أقرّ التزام الدولة بـ «التكفل بنقل جثامين الجزائريين المتوفين في الخارج»، حيث تضمن العدد 42 من الجريدة الرسمية تفاصيل القرار، الذي ينص على تخصيص صندوق تضامن خاص للرعايا الجزائريين المتوفين في الخارج.
ففي إطار التكفل بانشغالات الجالية الوطنية، أعلنت الحكومة في 1 ديسمبر 2021، عن صندوق للتضامن مخصص للرعايا الجزائريين المتوفين في الخارج، وذلك بعد أيام من تعليمات رئيس الجمهورية بضرورة إيجاد حل لمشكل نقل جثامين الموتى الى الجزائر لدفنهم، في إطار ترسيخ سياسة التضامن الوطني.
ويأتي هذا القرار في سياق ما لمسه الكثيرون من أسى وحسرة في رسائل الاستغاثة التي يرسلها أهل المتوفي بسبب عجزهم عن توفير تكلفة نقل جثمان ابنهم أو أبيهم أو قريبهم ليدفن في الجزائر، حيث يحرق بعضهم بعد انقضاء مدة انتظار ظهور قريب يتكفل بنقل جثمانه، خاصة ممن يسافرون بطريقة غير شرعية لعدم امتلاكهم لأوراق الثبوتية، فيما يحاول البعض إنقاذهم من الحرق بإطلاق رسالة استغاثة تحمل صور المتوفي علّ أحدهم يتعرف عليه.
لذلك جاء هذا القرار ليصبح التكفل رسميا بجثامين الموتى لنقلهم الى الجزائر بعدما كان مرتبطا بمبادرات شخصية لبعض المحسنين في الخارج، حيث يقوم هؤلاء بجمع تبرّعات لنقل الموتى عبر رحلات أو طائرات شحن حتى يدفنوا في مقابر المسلمين بين أهلهم وأقاربهم.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024