في أجواء روحانية ووطنية مميزة

عيد الأضحـى... فرصـة تتجدد لتعزيـز العلاقات الاجتماعيــة

استطلاع: فتيحة كلواز

مهن موسمية لتخفيف عبء الأعمال المنزلية عن المرأة

احتفل الجزائريون، ككل سنة، بعيد الأضحى في أجواء روحانية أعطت نفسا جديدا للعلاقات الاجتماعية التي تعرف ضمورا وانكماشا كبيرا مقارنة بما كانت عليه من قبل، خاصة وأن المناسبة جاءت بعد «انفراج» الأزمة الصحية الاستثنائية التي صنعت مآسي وأحزان الكثير من العائلات العام الماضي، لذلك كانت المناسبة فرصة رسخها المجتمع لتعزيز بنيته الإنسانية وإعادة تلحيم ما تزعزع بين لَبِناته.
اختلفت آراء المواطنين حول أجواء العيد، لكنها اتفقت على أنها مميزة بعد ثلاث سنوات من الحرب المستمرة ضد فيروس كورونا، وبعد أيام فقط من جرعة الوطنية المعززة التي أعطت الجزائريين في احتفالية ستينية الاستقلال ثقة أكبر بأن القادم أفضل.

جبر الخواطر
لأن العيد والمناسبات الدينية غالبا ما تعني عائلة، وجد سيد علي آث الشيخ نفسه يذرف دموع الشوق لأم توفيت العام الماضي صبيحة عيد الأضحى، بعد إصابتها بالمتغير «دلتا» لفيروس كورونا. فبعد سنة سمع تهليلات وتكبيرات العيد لأول مرة بدون أمه، التي تعودت مرافقته الى المسجد لأداء صلاة، لذلك كان عيد الأضحى لهذه السنة ذا نكهة خاصة جدا، حيث قال لـ «الشعب»: «حاولت جاهدا تجاوز الحزن على أمي، فقد جاء كل إخوتي وزوجاتهم وأطفالهم ألى البيت لنحر أضاحيهم، كما كنا نفعل كل سنة، حقيقة عجزنا عن وقف دموعنا عندما تذكرنا الأم، لكن فعلنا كل ما في وسعنا من أجل إسعاد الأطفال ووالدي الذي تجاوز سنّه 90. طبعا لا يمكن بداية يوم العيد دون تلك الجلسة الروحانية مع النفس عند سماعك التهليل والتكبير يصدح من المساجد، ولا تبادل تهاني العيد بعد أداء صلاته، لتعود الى الحي لتبدأ عملية النحر والسلخ، ليكون الكبد الطبق الذي ننتظره بسعادة، لكن هذه السنة غابت عن مائدتنا كبدة «مشرملة» التي كانت والدتي تحب تناولها يوم عيد الأضحى».
«وبالرغم من التحول الكبير في عمق العلاقات الاجتماعية التي انتقلت الى العالم الافتراضي» ـ أضاف يقول ـ «إلا أن المنزل عج بالأقارب والجيران في المساء، فاليوم اجتمع الجميع ليتذكروا والدتي التي كانت صالحة وتحمل اسم صليحة، ولعل تلك الزيارات من الأقارب خففت عنا نحن أبناءها الكثير من ثقل المناسبة وحزن فراقها بعد أن خطفها وباء كورونا».
حال كريمة بن عمرون لا يختلف كثيرا عن حال سيد علي في عيد الأضحى، فإن كان فقد أمه يوم عيد الأضحى، فهي فقدت والديها في يومين بعد إصابتهما بالمتغير «دلتا» بعد عيد الأضحى بأسبوع من السنة المنصرمة، لذلك كان عليها الذهاب الى بيت عائلتها بالمرادية مع زوجها وأبنائها اول أيام العيد من أجل التخفيف عن أخواتها الثلاث اللواتي بقين يعشن لوحدهن في منزل العائلة، فهن لم يتزوجن وإخوتهم متزوجون ويعملون في ولايات مختلفة.
وقالت عن أجواء عيد الأضحى: «كانت المناسبة هذه السنة مختلفة جدا، فلم أتخيل يوما أنني سأكون مضطرة للتعود والتأقلم مع غياب والدي عن المنزل، لكن قبول زوجي مشاركة عائلتي العيد في المنزل أسعدني وخفف فراق والدي. فقد أحضرنا الأضحية الى البيت وقمنا بكل ما كانت تحرص عليه والدتي يوم العيد، فالمناسبات الدينية سانحة لتعزيز العلاقات الاجتماعية وتقويتها، ونحن اليوم أمام تحدي العولمة والتكنولوجيا التي حولت الفرد غارقا في عالمه الخاص بعيدا عمن هم أقرب إليه».
وأضافت، «في المرادية يقوم الجيران بتنظيف مكان الذبح ليلة العيد وفي الصبيحة وبعد صلاة عيد الأضحى، يجتمعون أمام البناية ويبدأون في نحر الأضاحي وسلخها يتعاونون في كل شيء، فحتى «الدوارة» يقومون بغسلها ما يخفف من عبء الأعمال المنزلية عن السيدات، تلك الأجواء بين الجيران صنعت البهجة بين أطفالي الذين عاشوا هذه التفاصيل لأول مرة».

تحولات اجتماعية
 لم يكن ممكنا الحديث عن عيد الأضحى دون التطرق إلى العادات والتقاليد التي تميزه، ولن يشرحها أحد أحسن من خالتي بايا التي تشارف عقدها الثامن، تكلمت عن عيد فقد الكثير من أبعاده الروحية والاجتماعية بسبب الفردانية المتغلغلة في المجتمع، حيث قالت: «إن كان ممكنا العودة الى الماضي لعرفت الأجيال ما فقدناه من عادات وتقاليد، لأن المقارنة اليوم صعبة فقد أصبحنا نحن المسنين إذا قلنا «كنا في الماضي كذا» أجابونا بسخرية «حنا بكري»، لأنهم عاجزون عن تخيل تلك التفاصيل الدقيقة لـ»لمة» العائلة وتجمع نسوة الأحياء على أسطح المنازل لـ»تشواط بوزلوف» و»غسل أحشاء الأضحية».
وأفادت في السياق، «كنا نتعب كثيرا لعدم توفر الوسائل والتكنولوجيا كما هي اليوم، لكن السعادة كانت غامرة، في تفصيلها لعادات عيد الأضحى، لم يكن من المشين أن يراك حماك أو حماتك ملطخة بالدماء ورماد النار «تشواط»، بل يفاخرون بزوجة ابنهم «الشاطرة» بين الجيران، كنا نجتمع لتناول وجبة الغداء التي كانت تتكون من الكبدة والقلب والكلية والطحال مقلية والبكبوكة، -فعائلة زوجي كانت تتكون من 10 أفراد-، لنعود في المساء لطبخ «بوزلوف»، بالإضافة الى «شطيطحة لحم لمن لا يحب تناول البوزلوف».
وعن ثاني أيام العيد، قالت خالتي بايا: «نَصحُوا باكرا لتحضير طبق الكسكسي مع تقطيع لحم الأضحية وتحضير كمية منه لقليها لمن يأتي لزيارة العائلة حتى «يذوق» لحم العيد. كان الجميع يحرص على التصدق من الأضحية ليبارك الله في ماله وصحة الجميع، وحتى يتربى النشء على قيم التسامح والأخوة والتراحم، المعاني الحقيقية لهذه المناسبات الدينية التي أفقدتها التكنولوجيا والأنانية الكثير من عاداته».
على صعيد آخر، إن كان عيد الأضحى معروفا بالأعمال الشاقة، خاصة للنساء اللواتي يقمن بعملية تشواط بوزلوف وغسل الدوارة، مع الحرص على التنظيف المستمر للبيت، أصبح اليوم مختلفا، فالتطور الحاصل في حياتنا أعطى المرأة حرية الاختيار وفرض رأيها فيما تراه مناسبا لها من تقاليد وعادات، حيث أصبحت الكثير منهن تحرصن على أناقتها وهندامها يوم عيد الأضحى وهو ما لم نتعوده في هذا اليوم بالذات. لذلك ظهرت بعض المهن الموسمية المرتبطة بعيد الأضحى، حيث يحرص بعض الشباب على الاصطفاف في الشوارع والأحياء مدججين بـ «الشاليمو» و»الساطور» استعدادا لاستقبال رؤوس الأضاحي من أجل «تشويطها».

فرصة لربح بعض المال
جليل سنواتي، 22 سنة، واحد من الشباب البطال الذين يغتنمون العيد لربح بعض المال. فمنذ أربع سنوات يمارس هذه المهنة الموسمية في حي الحياة بالقبة، حيث شرح لـ «الشعب» قائلا: «أصبحت بعض النسوة اليوم ترفضن «تشواط» بوزلوف، لذلك يقوم أزواجهن باللجوء إلينا من أجل فعل ذلك، لأنهم يحبون طبق بوزلوف ولا يمكنهم التخلي عنه. فهذه السنة تشواط بوزلوف يتراوح بين 500 دينار و700 دينار، لأن السعر مرتبط بحجم الرأس وقرونه لأنها تتطلب جهدا كبيرا لتقطيعها، بينما يتركه البعض ولا يعودوا لاسترجاعه ما يضطرني في كثير من الأحيان الى توزيعه على الذين عجزوا عن شراء أضحية العيد، لكن بعض أصدقائي يبيعونه إلى الجزارين بعد تنظيفه».

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024