مسّت أكثر من 46 منطقة وخلّفت ضحيتين

النّـيران تلتهـم 200 هكتـار مـن الغابـات بسكيكدة

خالد العيفة

 لدى نزولنا بمنطقة بولقرود بسكيكدة، لاحظنا على طول الطريق الجبلي، آليات وعتاد الحماية المدنية ومصالح الغابات وأفراد الجيش، ومن الوهلة الأولى تبرز لك ملامح الإنهاك والتعب على القائمين بعملية إخماد الحرائق، لصعوبة المسالك الجبلية أين تتواجد مواقع الحرائق.

 الجهود الكبيرة في عملية إخماد الحرائق، بمنطقة بولقرود بسكيكدة المتاخمة لبلدية عين الزويت، وقفت عليها «الشعب»، أين رافقت مصالح الحماية المدنية والغابات، وأفراد الجيش الوطني، ومواطنين، لاسيما وأن الحريق هو الأكبر، ومسّ مناطق جبلية صعبة الولوج اليها.
فقد أدّت الحرائق التي اندلعت بعدة مناطق بولاية سكيكدة إلى مقتل شخصين، وتسبّبت ألسنة اللهب في إتلاف الغطاء الغابي، إلى جانب احتراق مساحات شاسعة من الأشجار المثمرة والعديد من المحاصيل الزراعية، والتي مسّت جبال منطقة بولقرود بأعالي مدينة سكيكدة، الى مشارف بلدية عين الزويت بمنطقة اللوحة، وبمنطقة بيسي ببني بشير، ومزرعة بوكرمة اسماعيل ببلدية رمضان جمال، بالإضافة الى منطقة بوقاعة ببلدية الحدائق، ومنطقة دم البقرات على مستوى بلدية بن عزوز، وقرية احمد سالم ببلدية كركرة.
وأتت ألسنة اللهب على بساتين وحقول المواطنين، وكذا العديد من صناديق النحل، حيث صرّح لنا أحد المواطنين المتضررين من السنة اللهب، وأتت على بستانه، وشقاء أكثر من 20 سنة من أشجار مثمرة وزيتون، حيث صرّح لـ «الشعب» والأسى باديا على محياه، أن الحريق أتى على حقول وبساتين المواطنين، وخلايا النحل، حيث «عمل وشقاء 20 سنة ذهب في دقيقة واحدة»، وأضاف «عدم تنظيف بجانب الحقول من الحشائش، وكذا المسالك والخنادق غير مهيأة، المهملة منذ سنوات، زاد من اشتعال النيران متسببا في كارثة».
وقال هذا المزارع المنكوب، إنّ السرب الجوي للحماية المدنية والقوات الجوية للجيش الوطني الشعبي، ساهم في حصر مساحة اشتعال النيران، لاسيما وان عناصر الحماية المدنية بذلوا جهودا كبيرة، طيلة يومي الحريق، وشكّك هذا الأخير في المصدر الحقيقي لاشتعال النيران، ووصفها بغير الطبيعية، بل وراءها يد مجرمة».
وخلّفت هذه الحرائق وللأسف وفاة ضحيتين، وحسب المقدم دراوات الصادق من الحماية المدنية لولاية سكيكدة، فإنّ الضحية الأول البالغ من العمر 68 سنة، حاصرته النيران بمزرعته الواقعة بمنطقة «بيسي» ببلدية بني بشير، وتوفي بعد أن سقط مغشيا عليه داخل مزرعته، عندما حاصرته الحرائق والدخان لتطاله ألسنة اللهب، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة وتم نقله من طرف الحماية المدنية إلى مصلحة حفظ الجثث بمستشفى سكيكدة.
والضحية الثاني والبالغ من العمر 45 سنة، حسب ذات المسؤول، فقد هلك اختناقا بدخان الحرائق بمزرعة بوكرمة إسماعيل ببلدية رمضان جمال، حيث كان ضمن المواطنين الذين شاركوا في إخماد النيران بتلك المزرعة، وتوفي نتيجة الاختناق بعد استنشاقه دخان الحريق الذي اندلع بحقل للقمح، ونقله مواطنون إلى العيادة المتعددة الخدمات لرمضان جمال.
ألسنة النيران بأكثر من 46 منطقة
 سجّلت مصالح الحماية المدنية لولاية سكيكدة منذ الفاتح من شهر جوان الجاري 46 حريقا، تسبّبت في إتلاف 142 هكتار من الغابات والأدغال والأحراش، و93 هكتارا من المحاصيل الزراعية من قمح، شعير، وقمح لين)، بالإضافة إلى 860 رزمة تبن و1112 شجرة مثمرة.
ولسلسلة الحرائق غير المسبوقة في بداية الموسم الصيفي، وخطورة انتشارها بمختلف مناطق الولاية، تم إعلام وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية من طرف والية الولاية بالوضعية العامة، حيث وجّه بدوره تعليمات مباشرة للمدير العام للحماية المدنية من أجل إرسال الفرقة الجوية للحماية المدنية (طائرة مروحية مخصصة لإطفاء النيران)، كدعم للرتل المتنقل الخاص بمكافحة حرائق الغابات والمحاصيل الزراعية، كما تمّ تسجيل تدخل أفراد الجيش الوطني الشعبي بجميع الوسائل المتاحة، وتدخّلت 4 أرتال متنقلة لإخماد النيران تابعة لولايات قالمة وقسنطينة وعنابة وسكيكدة كدعم للوحدات المحلية للحماية المدنية، بالإضافة لتدخل فرقة الرتل المتنقل لمحافظة الغابات لولاية سكيكدة.
وتنقل المدير العام للغابات رفقة والي سكيكدة الى منطقة بولقرود بسكيكدة، للوقوف على عملية إخماد الحريق، الذي استمر لليوم الثاني على التوالي بالمنطقة، وكذا للاطلاع على الإمكانيات التي تم تسخيرها لمجابهة الحريق، ومعاينة الوضعية المسجلة.
كما تنقّل المدير العام للغابات الذي كان مرفوقا بالمفتش العام للولاية، رئيس دائرة رمضان جمال ومحافظ الغابات لولاية سكيكدة، لبلدية بني بشير وبلدية رمضان جمال لتقديم التعازي لعائلات ضحايا الحرائق التي مست الولاية، كما قدّم المدير العام للغابات تعازي ومواساة السيد وزير الفلاحة والتنمية الريفية لعائلتب الضحيتين، متضرّعا من المولى عز وجل أن يتغمد روحهما بواسع رحمته.
النّيران تلتهم حوالي 200 هكتار من الغابات
 أتت ألسنة اللهب على أكثر من 200 هكتار من الغابات والأحراش والمحاصيل الزراعية، وعدد معتبر من الأشجار المثمرة، حيث أكّد الصادق دروات، مدير الحماية المدنية لسكيكدة، «أن أغلبية تلك الحرائق هي محل تحقيق»، وحسب ما صرّح به المتحدث لـ «الشعب»، فإنّه تم تسجيل 17 حريقا بمختلف بلديات الولاية يومي 14 و15 من شهر جوان الجاري، استغرقت عملية الإخماد حوالي 50 ساعة بالاستعانة بـ 5 أرتال متحركة من الولايات المجاورة، والسرب الجوي التابع للحماية المدنية، وقوات الجيش الوطني الشعبي.
وأوضح مدير الحماية المدنية لسكيكدة، انه قد تم تسجيل إتلاف أكبر مساحة بمنطقة بولقرود، حيث بلغت حوالي 90 هكتارا، منها حوالي 75 هكتارا من الأحراش و15 هكتارا غطاء غابي، وحسب المتحدثين من مصالح الحماية المدنية، فقد سجل إتلاف 7 هكتارات من الأحراش و70 شجرة مثمرة بمنطقة بيسي، ووفاة شخص يبلغ من العمر 68 سنة وجد محترقا جزئيا في بستانه بعد أن حاصرته ألسنة اللهب حيث كان يعاني من مرض السكري.
كما تمّ تسجيل احتراق حوالي 72 هكتارا من القمح اللين، 80 شجرة مثمرة و14 هكتارا من الأحراش بمزرعة بوكرمة إسماعيل ببلدية رمضان جمال، فضلا عن تسجيل وفاة صاحب المزرعة المصاب بمرض القلب وكذا ضغط الدم بعد بذله لجهود كبيرة في عملية إخماد الحريق، وكذا استنشاقه لكمية من الدخان.
ويرى من جانبه، محافظ الغابات بولاية سكيكدة عليوة عبد العزيز، بأن أغلب الحرائق التي سجلتها الولاية خلال الأيام الأخيرة مشبوهة، ووجب التحقيق فيها من قبل المصالح المعنية، خاصة وأن الحرائق اشتعلت في وقت واحد، وبمختلف مناطق الولاية، حيث تدخلت مصالحه في 13 بلدية من أجل المساهمة في إخماد تلك الحرائق المسجلة، والتي أتلفت مؤقتا أزيد من 300 هكتار من الأحراش والغابة، في حصيلة أولية، وألحقت خسائر كبيرة بممتلكات المواطنين، لاسيما في الزراعات المعاشية».
وقد سخّرت محافظة الغابات لولاية سكيكدة، حسب عليوة عبد العزيز، 19 برجا للمراقبة و13 فرقة تدخل في إطار جهاز الوقاية والمكافحة ضد حرائق الغابات، للموسم الجاري، من أجل التدخل السريع لتفادي انتشار الحرائق والتحكم فيها.
وأضاف ذات المصدر، بأنه تم تسخير 13 فرقة متنقلة للتدخل، كل فرقة تتشكل من 4 أعوان مزودين بسيارة وعتاد للتدخل اليدوي وكذا صهاريج، في حين أن الرتل المتحرك تم تجهيزه بـ 8 سيارات ذات صهاريج، وتوفير 63 نقطة لتعبئة المياه مخصصة لفائدة الشاحنات الصغيرة ذات الصهريج، في حين سيتم الانطلاق في إنجاز 11 نقطة أخرى من ميزانية الولاية ستخصّص أساسا للتعبئة الجوية في حال تمت الاستعانة بالطائرات الخاصة بمكافحة الحرائق.
الفلاحة المعاشية
 يقول الدكتور فوفو عمار، أستاذ بجامعة سكيكدة، ومختص في التنمية الريفية، إنّ الحرائق التي عرفتها ولاية سكيكدة مؤخرا كان لها أثر بليغ على أكثر من صعيد، سواء تعلق الأمر بالزراعة والنظم الفلاحية المتحدة في الفضاء الريفي أو على البيئة والمحيط والفضاء الغابي، الذي يحتل 48 % من مساحة الولاية، حيث تعتبر سكيكدة كفضاء فلاحي من بين الاقاليم التي تتمتع بثروة فلاحية وتنوع زراعي على مستوى الشعب والمنتجات على طول السنة، وهذا ناتج لتنوع البيئة والأقاليم المناخية.
ومن بين الثراء التي تتمتع به ولاية سكيكدة، يوضح الدكتور، من الجانب الزراعي نجد على سبيل المثال لا الحصر الأنظمة الفلاحية المعاشية المترامية في الفضاءات ما وراء المدينة، اي في البالين الريفية المتنوعة، فالزراعة المعاشية تختلف عن كل الأنماط والنظم الزراعية المتعارف عليها لأنها تختلف في التركيبة والخصوصيات والأهداف والاستراتيجيات، وبالتالي يصعب دراستها بدقة، والحكم عليها من خلال الملاحظة السطحية.
الفلاحة المعاشية يضيف فوفو، نظام زراعي معقد تواجد بتواجد الإنسان في الريف ومتجذر، ولا يقارن مع الأنظمة التي لها أهداف ربحية، كون الفلاحة المعاشية هي عائلية ترتكز على أهداف بسيطة، ولكنها مستدامة تعتبر الأرض والملكية جزء من الهوية وليست عاملا من عوامل الإنتاج، وتسهم النظم الزراعية المعاشية في الإنتاج الوطني في 18 بالمائة من الإنتاج الوطني، وترتكز خاصة في المناطق الجبلية الوعرة، والتي تتطلب تقنيات وأساليب إنتاج خاصة، وتسهم أيضا في الاكتفاء الذاتية وفي تأمين الغذاء لأسر ريفية وعائلات كثيرة، وتعمل على استقرار الإنسان في المناطق الريفية التي عرفت تصحرا ونزيفا للإنسان خلال العشرية السوداء بسبب اللاّأمن.
وبفضل البرامج التنموية المتعدّدة - يقول الأستاذ الجامعي - التي وضعت الإنسان وعلاقته بالأرض والزراعة كهدف أساسي جعلت من الفلاحة المعاشية أساس تنمية الريف، واستقرار الساكنة في المناطق الريفية ليصبح ذلك الفضاء الحيوي والمنتج.
النّظم الزّراعية
 يؤكد عمار فوفو، أنّ لحرائق الغابات انعكاسات جد سلبية على النظم الزراعية، وخاصة المعاشية والأسرة منها، والتي ترتكز عليها سكان الريف في تأمين غذائهم واستقرارهم والإسهام في الإنتاج الوطني، إتلاف المحاصيل الزراعية وعدم تأمين المحيطات الفلاحية في الريف بسبب نقص المسالك، وتأخر التدخل في الوقت المناسب قد يزيد في حجم الكوارث، والتي قد تؤدي إلى عواقب وخيمة.
كما أنّ إتلاف المحاصيل، حسب الدكتور فوفو، في ظل غياب التأمين الفلاحي قد يجعل المزارعين يبتعدون عن الأنشطة الزراعية بفقدانهم ممتلكاتهم الحيوانية والنباتية، ويجعلهم يفكرون في تغيير المهنة التي كانت متجذرة فيهم ابا عن جد.
فعلى الدولة يقول الأستاذ الجامعي، التدخل في شكل برامج استعجالية تتماشى وخصوصيات هذه المناطق، والأنظمة الفلاحية التي هي العمود الفقري والحيوي لكل الأنشطة الاقتصادية، في المناطق الريفية والجبلية، لاسيما وأن سكيكدة تعتبر كنموذج في هذا المجال.
منع دخول المركبات والأشخاص
 أصدر والي سكيكدة قرارا يتعلق بسير الموسم الصيفي ومكافحة الحرائق، يتمثل في منع دخول المركبات والأشخاص إلى الأملاك الغابية ذات الحساسية الحالية لاندلاع الحرائق، على مستوى ثماني دوائر، بمجموع 15 بلدية عبر إقليم الولاية، على أن تستثنى من مجال تطبيق أحكام هذا القرار، المركبات التابعة للحماية المدنية ومحافظة الغابات ومختلف المصالح الأمنية والسكان المقيمين في المناطق الغابية،
وكذا الجهات التي يتطلب الأمر وجودها لضرورة المصلحة، لاسيما وأنّ ولاية سكيكدة تعرّضت صائفة العام الماضي إلى سلسلة من الحرائق، مسّت العديد من البلديات والمناطق المعروفة بالغطاء الغابي، وقد خلّفت خسائر كبيرة في الممتلكات الفلاحية والثّروة الحيوانية.
مناورة تحاكي إخماد حريق في غابة بوشطاطة
 نفّذت الحماية المدنية بالولاية خلال الأسبوع الثاني من الشهر الجاري، مناورة على شكل تمرين افتراضي يحاكي حريق غابة على مستوى جبال بلدية بوشطاطة في إطار مخطط مكافحة الحرائق.
تمثلت المناورة كعمل استباقي لمكافحة الحرائق، في إخماد الحريق مع إمكانية انتشاره ببلديتي الحدائق ورمضان جمال، حيث أجريت بالتنسيق مع الشركاء الفاعلين حسب مقاييس مخطط النجدة، وبطلب الدعم من الجيش الوطني الشعبي والإسناد الجوي من خلال تسخير حوامة من قيادة الدرك للسيطرة على الحريق قصد تفادي انتشاره، والحد من الخسائر في الممتلكات والضحايا.
وتمّ تسخير العتاد ووحدة الرتل المتنقل لمكافحة حرائق الغابات والمحاصيل الزراعية، بالإضافة إلى مشاركة أفراد الجيش، الدرك والأمن الوطنيين، أعوان محافظة الغابات، المسعفين المتطوعين الجواريين، وكذا بعض الجمعيات، لتنتهي المناورة بإخماد الحريق وإجلاء عائلات، وتقديم الإسعافات للمواطنين الذين منهم من تعرّض لحروق من الدرجة الثالثة، واختناقات نتيجة استنشاق الدخان، وآخرين في حالة صدمة مع البحث عن مفقود من طرف فرقة سينوـ تقنية للكلاب المدربة التابعة للحماية المدنية.
وتمّ تجنيد الرتل المتحرك لمكافحة حرائق الغابات، حيث تم تفعيل مخطط نظام النجدة الولائي من طرف والي ولاية سكيكدة، وباقتراح من المدير الولائي للحماية المدنية، تم تنصيب مركز قيادة ثابت، بالإضافة إلى مركز قيادة عملياتي وكذلك نقطة عبور، إلى جانب قاعدة للإمداد ببلدية بوشطاطة ومركز طبي متقدم به كل المعدات الطبية وكذا خلية متابعة نفسية.
حملة تحسيسية
 انطلقت، مؤخرا، حملة تحسيسية توعوية بعدد من بلديات ولاية سكيكدة للوقاية من حرائق الغابات والمحاصيل الزراعية، وبمشاركة الجهات المختصة، وعرفت العملية التوعوية مشاركة مصالح الحماية المدنية، وإلى جانب مصالح الغابات ومصالح الدرك الوطني، حيث تهدف الحملة التحسيسية إلى إرشاد وتحسيس المواطنين والفلاحين وتزويدهم بمختلف المعلومات حول الإجراءات الوقائية، بالمحافظة على المحاصيل الزراعية الكبرى والغابات من خطر الحرائق ومعرفة النقاط الحساسة التي تكون منطلقا لاشتعال النيران.
وجابت الحملة عديد المناطق المحاذية للغابات والمساحات الزراعية على مستوى العديد من البلديات الفلاحية والغابية، وعرفت تقديم نصائح وإرشادات وقائية للمواطنين وتوعيتهم للحد من خطر انتشار الحرائق، موازاة وحلول فصل الصيف والحر، مذكّرة بمخاطرها والخسائر التي تسبّبها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024