الاستثمار في المادة الرمادية

سعيد بن عياد
31 مارس 2018

تشكّل الهجومات الالكترونية في العالم معضلة تستنفر الدول من أجل تفادي تعرض أنظمتها المعلوماتية الحيوية بالأخص لاختلالات أو تعطلات تكون لها كلفة اقتصادية وتداعيات أمنية باهظة. بهذا الخصوص ارتفعت كلفة الجريمة الالكترونية في العالم من 450 مليار دولار في 2014 إلى حوالي 600 مليار دولار في 2017. انطلاقا من قاعدة «من يملك المعلومة يملك القرار»، صار لزاما العمل على مستوى تأمين الشبكات والأنظمة من خلال اعتماد ضمانات تكنولوجية فعّالة تتجاوز بكثير البرمجيات المستوردة بقدر ما يجب إنتاج وتطوير أدوات محلية تفي بالغرض، بالرفع من أداء مراكز البحث والتنمية ذات الصلة لتكون على درجة متقدمة في تلبية هذه الحاجة الأساسية للمؤسسات والهيئات والمرافق المختلفة. علاوة على التهديدات التي تشمل الجوانب الأمنية التقليدية، تبرز تهديدات سيبرانية ناجمة عن سيطرة قوى عالمية على مراكز القرار التكنولوجي ورفضها تقاسم اقتصاد المعرفة والعلوم مع الشعوب قصد مواصلة الهيمنة على الأسواق ومصادر القوة الاقتصادية، ولا تتوانى لحظة في السعي إلى إلحاق أضرار بليغة باقتصادات البلدان الناشئة التي تعتبرها منافسا حقيقيا عن طريق استهداف مراكزها المعلوماتية على كافة المستويات لوضعها دوما في حالة دفاع بكل ما يترتّب عنه من تخصيص موارد لاقتناء مضادات رقمية غابها محدود الفعالية. في هذا المجال تواجه الجزائر هجمات لا تتوقّف تستهدف مختلف منصاتها المعلوماتية خاصة تلك التي تخصّ قطاعات اقتصادية مالية وتجارية حسّاسة مما استوجب اللجوء إلى صياغة توجهات تكنولوجية تؤطرها تشريعات دقيقة تضع الأمن المعلوماتي في الصدارة من أجل حماية المعطيات وتداولها بشكل مؤمن قصد وضع المتعاملين والمؤسسات والهيئات المعنية في منأى من أي اعتداء قصد قرصنة أو سرقة بالنظر للقيمة الاقتصادية للمعلومة نفسها ومصلحة صاحبها. لذلك كانت المنظومة البنكية أول متعامل يواجه هذا التحدي. وكان خيارا مسؤولا التأكيد بمناسبة إصدار قانون التجارة الالكترونية على عدم فتح عالم الرقمنة للخوصصة، ليس من منطلق إيديولوجي، وإنما لاعتبارات ذات بعد استراتيجي بعنوان الأمن المعلوماتي كصمّام أمان في مواجهة عولمة الاقتصاد التي يستعمل فيها كثيرون القرصنة للوصول إلى مواقع رقمية حيوية أو ضرب مراكزها قصد تعطيل النمو في بلد أو إعاقة مسار الاصطلاحات فيه حتى تبقى التبعية للأسواق الخارجية كأنّها قدر محتوم، بينما تتوفّر المادة الرمادية ضمن الطاقات البشرية ذات الكفاءة الخلاقة والمبدعة. غير أن التوقف عند هذا المستوى دون اللجوء إلى تنشيط جانب الابتكارات والإبداع التكنولوجي سوف تكون له فاتورة مرتفعة، إضافة إلى كلفة التأخر عن الركب التكنولوجي، مما يضع القائمين على النهوض باقتصاد المعرفة سواء الجامعات، المؤسسات والدوائر الوزارية ذات الصلة بالرّقمنة والعالم الافتراضي أمام مسؤولية كبرى لتقديم البدائل من أدوات محركات البحث والبرمجيات وأنظمة الحماية وجعل المشهد الاقتصادي بجميع روافده المالية والتجارية والإنتاجية على درجة عالية من الأمن المعلوماتي، الذي يحتاج أيضا إلى انخراط الفاعلين في هذا الحقل سريع التطور ونشيط التغير بتخصيص موارد تساعد على تحقيق الهدف انطلاقا من أن تصنيف مؤسسة مؤمنة رقميا هي مؤسسة ذات سمعة عالية في السوق المحلية والعالمية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024