تسير عملية تنصيب المجالس الشّعبية البلدية بخطى ثابتة، حرصا على عهدة تكون حقّا في مستوى تطلّعات المواطنين، الذين يأملون في أن يجسّد هؤلاء وعودهم التي أطلقوها خلال حملتهم في التكفل المباشر بانشغالات من منحوهم الثّقة الكاملة في إدارة شؤونهم المتعلّقة أساسا بمطالب ملحّة ما تزال حتى الآن لم تلب.
وسجّلنا خلال هذه الانتخابات المحلية، ذلك الحس المدني لدى المواطن في اختياره الصّارم للأشخاص الرّاغب في إدخالهم إلى مقر البلدية، ومنحه إيّاهم فرصة للتّسيير وجل ما أبداه من رغبة عميقة في ذلك تحقّق عمليا بفوز القوائم التي رافقها طيلة مسار العملية الإنتخابية.
وهذا في حدّ ذاته يترجم قمّة الوعي والشّعور بالمسؤولية العميقة في رؤية أناس ترشّحوا حقّا من أجل خدمته، أي حل مشاكله التي ما فتئ يسعى من أجلها وفي كل الأوقات نحو منتخبي بلديته.
ومن جهة أخرى، أي في المقابل لمسنا شعورا مشتركا لدى رؤساء البلديات الذين ابتسم لهم الحظ بتجاوز هذا الامتحان بتفوّق سواء بأخذ الأغلبية من المقاعد أو ما يعرف بدعم البعض للبعض الآخر في الاستفادة من مقاعد إضافية، لتولي تسيير ذلك المجلس بأريحية،وهذا من خلال إبداء نوايا حسنة والتزامات صادقة في مرافقة المواطن والعمل معه.
وممّا زاد في ترسيخ هذه الثّنائية (رئيس بلدية - مواطن)، تلك التصريحات المطمئنّة التي نسمعها عقب كل تنصيب، وما شدّ انتباهنا في كل هذا هو الإقرار بالذّهاب إلى الآليات الأكثر ارتباطا من حيث التّعامل والتّعاون. وفي هذا الإطار، فإنّ الحديث يذهب إلى ما هو عملي أي السّعي لإيجاد فضاء تواصل وتشاور وحوار بصفة دورية تكون عبارة عن جلسات استماع لانشغالات المواطنين.
وفي هذا الشّأن، فإنّ ما ينوي إقامته هؤلاء هو ما يسمّى بالمجلس الإستشاري أو الجواري، وهو عبارة عن إطار واسع لممثلي لجان الأحياء والجمعيات العاملة في الميدان، التي لها علاقة مباشرة بالواقع، تكون على دراية كاملة بقطاعات خدماتية كالإنارة العمومية والمياه وحالة العمارات، قنوات الصّرف الصحي، النّظافة، وضعية الطّرقات، احتياجات الأحياء من وسائل العمل وغيرها.
هذه المبادرة تستحق كل التّشجيع، إن تمّ التوصل إلى تجسيدها لتحل ما كان يعرف من قبل بـ «كوفيل» لجنة المدينة، لكنها اختفت لاحقا، كون السياق لم يكن لصالحها اليوم تغيّرت الصّيغة وهي مطابقة للقوانين لا تتناقض أبدا مع مبدأ الديمقراطية التّشاركية، وإنما تعزّزها وتدعّمها في مسعاها القائم على تقريب المواطن من القرار البلدي، وإشراكه في المداومات بطريقة غير مباشرة، ليكون صوته مسموعا عبر إقتراحاته البنّاءة وأفكاره المثمرة.
وما يظهره رؤساء المجالس اليوم، ليس حماسا عابرا يتلاشى بمجرد أن يدخل مكتب البلدية، ويغلق الباب على نفسه، وإنما هو تعهّد كامل، لا يمكن التنصل منه، بكل هذه السهولة، انطلاقا من أنّ الواجهة التي تقابله هو المواطن، وذهنه لا تبارحه تلك الصّور والمشاهد التي كان فيه أنصاره يركضون في كل الاتجاهات في التجمّعات والنّشاطات الجوارية وغيرها.
حتى الذين انضووا تحت التّغطية الحزبية بعدما كانوا قوائم حرّة عليهم البقاء أوفياء لكل ما نطقوا به أمام الملأ وتطبيق البرنامج الذي نشّطوا به حملتهم الانتخابية كونه تضمن محاور قريبة من المواطن، تمتد على ٥ سنوات كاملة.
لذلك فلا يمكن أن يتنصّل أي رئيس بلدية عمّا وعد به الناس لأنّ ما قلناه سالفا بخصوص حسّهم المدني، ووعيهم السياسي يسمحان لهم بعملية الفرز فورا، لينتظروه خلال الموعد القادم لقول كلمتهم الفاصلة.